شارك المقال
  • تم النسخ

قراءة في مشروع قانون رقم 16.22 المتعلق بتنظيم مهنة العدول

مقدمــــــــــــــة

مهنة العدول قديمة قدم التاريخ، فقد أعطاها الشرع قبل المشرع مكانة مهمة، حيث يقول ربنا الكريم في كتابه العزيز: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ۚ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ۚ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ۚ فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ۚ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ ۚ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ۚ وَلَا تَسْأَمُوا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلَّا تَرْتَابُوا ۖ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا ۗ وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ۚ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ۚ وَإِن تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [1].

ويقول : ﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا[2].

 ومن الناحية التشريعية تعد مهنة “العدل” محورا رئيسيا بالمنظومة القضائية في المملكة[3]، حيث أنها تزاول في إطار مساعدي القضاء، وتعنى أساسا بتوثيق الحقوق والمعاملات، وتحضير وسائل الإثبات لتمكين القضاء من فض النزاعات، والفصل في الخصومات، والمساهمة في التنمية العقارية.

  وأنه من أجل ذلك حظيت خطة العدالة بعناية كبيرة ومكانة رفيعة في الفقه الإسلامي؛ ثم اهتم بها المشرع فقنن أحكامها في عدة قوانين آخرها القانون 16.03 المأمور بتنفيذه بالظهير الشريف رقم 56.06.1 الصادرة في 15 محرم 1427 الموافق فبراير 2006 ، المنشور في الجريدة الرسمية عدد 5400 الصادرة في 2 مارس 2006.

  وفي نفس السياق يرمي مشروع قانون رقم 16.22 المتعلق بتنظيم مهنة العدول، إلى تنظيم خطة العدالة تنظيما حديثا يستجيب لمستجدات العصر، في إطار سياسة الإصلاح القضائي وتحديث آلياته، اعتبارا لما تمثله خطة العدالة كمحور أساسي ضمن المنظومة القضائية، لأنها تمارس ضمن المهن المساعدة للقضاء. فما هي المستجدات التي حملها هذا النص ؟

جوابا على التساؤل نقترح التصميم التالي :

المبحث الأول : مستجدات على المستوى الشكلي

المبحث الثاني : مستجدات على المستوى الموضوعي.

  • المبحث الأول: على المستوى الشكلي

 عديدة هي المكتسبات والمستجدات التي جاءت بمشروع قانون رقم 16.22 المتعلق بتنظيم مهنة العدول، رغم ما تضمنه من نقاط اختلافية أدت الى مجموعة من التصعيدات من طرف ممارسي المهنة، هذه المستجدات منها ما يتعلق  بشكليات المهنة كما سيتم بيانه   :

  • أولا : من حيث التسمية

   أحالت وزارة العدل مشروع قانون جديدا يتعلق بتنظيم مهنة العدول على الأمانة العامة للحكومة، قصد عرضه على مسطرة المصادقة التشريعية، بعد مشاورات مع ممثلي العدول.

وبموجب هذا المشروع ستتم إعادة تسمية المهنة باسم مهنة العدول” بدلا من التسمية القديمة “خطة العدالة”، نظرا لأن المهن الأخرى التي كانت تسمى عبر التاريخ الإسلامي باسم الخطط تغيرت في القوانين الحديثة ولم تعد تحمل هذا الاسم، من قبيل خطة القضاء وخطة الإفتاء وخطة الحسبة[4]، كما أن جميع المهن المساعدة للقضاء والتي تشرف عليها السلطة الحكومية المكلفة بالعدل تستمد تسميتها من اسم ممارسيها بناء على معيار الجهة الممارسة [5].

بيد أن  هذا الإسم، الذي يرفضه جميع العدول قاطبة، والذين يتشبثون بمصطلح مهنة التوثيق العدلي بدل مهنة العدول، لعدة اعتبارات، أهمها الاعتبار التاريخي كونها أقدم مهنة توثيقية منظمة بالمغرب، والاعتبار السياسي المتمثل في توثيق أكبر ميثاق سياسي بالبلاد “وثيقة البيعة”، وعناية معظم ملوك الدولة العلوية الشريفة[6] بها تنظيما وتأطيرا.

  • ثانيا : من حيث الإنخراط في المهنة

  كما نص مشروع القانون الجديد صراحة على فتح المجال أمام المرأة للانخراط في الانخراط في المهنة، انسجاما مع التوجيهات الملكية[7]، كما تمت إعادة النظر في شروط ولوج المهنة خصوصا بالنسبة لحاملي شهادة الدكتوراه وشهادة العالمية، وذلك بإقرار نظام المباراة بدل الولوج المباشر.

ويشترط المشروع أن يتوفر المترشح لمهنة العدول على الإجازة المسلمة من إحدى كليات الشريعة أو الحقوق، أو شهادة العالمية المسلمة من جامعة القرويين.

  • ثالثا : من حيث التكوين والممارسة

  سعيا إلى تأهيل المنتسبين إلى المهنة بما يضمن الارتقاء بمستوى أدائهم، تم التنصيص على إحداث مؤسسة لتكوين العدول، والتي ستعنى بتكوينهم الأساسي والمستمرّ، كما تم تحديد مجموعة من الشروط التي يتعين على العدل استيفاؤها قبل الشروع في ممارسة المهنة، من بينها فتح مكتب في دائرة نفوذ المحكمة الابتدائية التابع لها مقر تعيينه، ما لم يتعلق الأمر بمزاولة المهنة في إطار شركة مدنية للقطع مع ممارسات بعض العدول ممن اعتادوا ممارسة المهنة دون التوفر على مكتب.

  • رابعا : من حيث الحقوق والواجبات

  لما كان العدل هو الفاعل الأكثر أهمية في مهنة التوثيق العدلي، فإن تأهيل وتطوير قدراته مطلب مهم و ضروري، لذلك نص المشروع على تمتيعه بمجموعة من الحقوق أثناء ممارسته لمهامه القانونية، وفي المقابل إلزامه بإتيان مجموعة من الواجبات تحت طائلة الرقابة والمسؤولية.

  1. بالنسبة لحقوق العدل:

 حتى يقوم العدل بوظيفته المتمثلة في توثيق مختلف العقود والمعاملات وإضفاء طابع الرسمية عليها[8]، متعه المشروع  بمجموعة من الحقوق، من بينها النص صراحة على حق العدل في الحصول على أتعاب بدل “أجور”  كمقابل للخدمة التي يقدمها للأطراف المتعاقدة[9].

 والتنصيص على حق العدل في التغيب أو التوقف الاضطراري أو الانقطاع المؤقت، من بينها التنصيص على تمكين العدل من حق التوقف عن ممارسة المهنة لأسباب علمية أو دينية أو صحية لمدة سنة قابلة للتجديد مرتين بإذن من السلطة الحكومية المكلفة بالعدل، ثم تكريس حق العدل في طلب الإعفاء من مهامه سواء كان ما يبرر ذلك أو لم يكن، مع التنصيص على حقه في طلب الانتقال، وتحديد شروط ومعايير هذا الانتقال بمقتضى نص تنظيمي لضمان نوع من الشفافية[10] .

  ثم التنصيص على حق العدل في الانخراط في صندوق للتأمين، كآلية تهدف إلى ضمان أداء المبالغ المحكوم بها لفائدة الأطراف المتضررة من جراء أخطائه المهنية في حالة عسره، وعدم كفاية المبلغ المؤدى من طرف شركة التأمين.

2 بالنسبة لالتزامات العدل

 في مقابل الحقوق التي يجب أن يتمتع بها العدل، نص للمشروع انه يتعين عليه أيضا أن يتحمل بمجموعة من الالتزامات، من بينها إلزام العدل بالقيام بجميع الإجراءات الشكلية والإدارية المتعلقة بالعقود التي ينجزها، وخصوصا إجراءات التقييد المتعلقة بالعقود التي ينجزها، ثم ضرورة إلزام العدل بتقديم الإرشادات والنصائح الضرورية للأطراف كما هو الشأن بالنسبة للموثق، حتى يكونوا على بينة واطلاع على مختلف آثار التصرف المراد توثيقه، مع تكريس هذا الإلزام في قاعدة آمرة لا يجوز الاتفاق على مخالفتها.

ثم التأكيد على التزام العدل بالمحافظة على السر المهني، باعتباره من أوكد الواجبات الملقاة على كاهله، مع التنصيص على انصرافه إلى العدول المتمرنين وكل الأجراء الذين يشتغلون بمكتب العدل تحت طائلة القانون الجنائي، وغيرها.

  • خامسا : من حيث مزاولة المهنة

  وكشفت المذكرة التقديمية لمشروع القانون أنه سعيا إلى وضع حد لبعض الممارسات التي تسيء إلى هيبة المهنة ووقارها، من قبيل مزاولتها في الأسواق وفي محلات غير لائقة[11]، تم التأكيد في مشروع القانون على ضرورة توفر العدل على مكتب يستجيب للشروط الملائمة لاستقبال المتعاقدين وأن يكون مجهزا بالوسائل التقنية والمعلوماتية الحديثة واللازمة لتقديم الخدمة المطلوب من بينها اعتماد تقنية التسجيل السمعي البصري لكل ما يروج داخل مجلس العقد، والاحتفاظ به للرجوع إليه عند الاقتضاء، سعيا لحماية العدل من الوسائل الاحتيالية التي قد يلجأ إليها بعض الأطراف والتأكد من واقع احترام العدل الممارس لهذه المقتضيات، ثم تخويل رئيس المجلس الجهوي للعدول صلاحية المراقبة وتقدير مدى ملائمة المكتب العدلي لشروط الممارسة المهنية.

 كما تمت ترقية مكتب العدل إلى مستوى المرفق العمومي، بحيث وقع تنظيم مسألة التغيب عنه لعذر مقبول أو لوجود عائق مؤقت ومبرر؛ وذلك بسن مقتضيات جديدة تضمن حقوق المتعاملين معه من خلال اعتماد مسطرة التكليف من خلال تعيين عدل آخر من نفس دائرة المحكمة الابتدائية التي يوجد بها المكتب المعني للقيام بتدبير وتسيير شؤونه طيلة مدة الغياب، كما تم التنصيص على عدم إمكانية تنفيذ حكم بإفراغ مكتب عدلي إلا بعد إشعار رئيس المجلس الجهوي المختص.

  • سادسا : بخصوص الاختصاص 

  التأكيد على دائرة الاختصاص المكاني للإشهاد العدلي بجعله في حدود دائرة محكمة الاستئناف بدل حدود دائرة المحكمة الابتدائية، وضرورة تقيد العدل في ممارسة الخطة بحدود دائرة محكمة الاستئناف المنتصب فيها، ما عدا الإشهاد بالزواج والطلاق فيتم وفق المادتين 65 و 87 على التوالي من مدونة الأسرة[12].

ويجب على العدل أن يتلقى الإشهاد بمكتبه كلما تعلق الأمر بشهادات خارجة عن دائرة نفوذ المحكمة الابتدائية المحدث مكتبه بدائرتها، ولا يجوز له التوجه لتلقي هذه الشهادات في حدود دائرة محكمة الاستئناف إلا بعد إشعار القاضي المكلف بالتوثيق التابع لدائرة نفوذه من طرف طالبي الشهادات بطلب كتابي يسجل بكتابة ضبط القاضي بسجل خاص معد لهذه الغاية، ويشار وجوبا في الشهادة إلى مراجع تسجيل الطلب.

  • المبحث الثاني : على المستوى الموضوعي

  جاء مشروع قانون خطة العدالة بمجموعة من المستجدات وارتكزت الهيئة الوطنية في صياغة مطالبها المهنية على ثلاث مرجعيات والمرجعية الدستورية ومرجعية ميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة ثم مرجعية الحكامة الجيدة، تتمثل هذه المستجدات في :

  • أولا :  من حيث المسؤولية

  تحديد مسؤولية العدل عن الرسوم التي أنجزها ولم يجزها أصحابها في مدة خمس سنوات ابتداء من تاريخ الخطاب عليها بسجلات التضمين، وكذا تحديد مسؤوليته عن المستندات الإدارية التي اعتمدها في الشهادات في مدة خمس سنوات كذلك من تاريخ تلقي هذه الشهادات.

  • ثانيا : بخصوص نظام الحفظ

  وجوب اتخاذ نظام الحفظ بالمكاتب العدلية وذلك بفتح ملف خاص لكل شهادة يضم المستندات الإدارية اللازم حفظها بمكتب العدول، والغاية من ذلك حماية حقوق المتعاقدين وضمان معاملاتهم[13].

  • ثالثا : بخصوص الشهادة

  حمل المشروع العديد من المستجدات من بينها تقنين وتنظيم شهادة اللفيف، استجابة لمطالب العديد من المهتمين والفاعلين في مجال ممارسة المهنة، حيث قلص عدد شهود اللفيف إلى عدد معقول، وشهادة اللفيف، هي شهادة جمع من الناس على وقائع أو حقوق لا ينص القانون على وجوب إثباتها بوسيلة خاصة[14]، وتؤدى أمام عدلين، ويتم اللجوء إلى هذه الشهادة في العديد من القضايا من بينها قضايا الزواج والطلاق وحيازة العقارات وغيرها.

إضافة إلى قبول شهادة المرأة في اللفيف في سائر  العقود والشهادات دون حصرها في المال أو ما يؤول إلى المال، اعتمادا على آراء فقهية خارج المذهب المالكي، كرأي الحنفية الذي يجيز شهادة المرأة حتى في الزواج والطلاق، ورأي ابن حزم الظاهري الذي يجيز شهادة المرأة حتى في الحدود والقصاص.

  • رابعا : بخصوص المخاطبة

  كما هو معلوم فخطاب القاضي على الرسوم العدلية يضفي عليها حالا الصبغة الرسمية[15]، ونظرا لتساوي القضاة والعدول في مصادر المعرفة القانونية، والتخرج من نفس الجامعات وبنفس الشهادات المخولة للانخراط في القضاء، فضلا عن عدم ترتيب أية مسؤولية قانونية على خطاب القاضي، مقابل المسؤولية المباشرة للعدلين عن الوثائق التي تحمل توقيعهما، وما يتبعها من متابعات قضائية، فقد تم اعتبار مسألة الخطاب  على الرسوم ليس سوى شكل من أشكال الوصاية غير المبررة على الوثيقة العدلية التي تُحرم بسببه من الفعالية، وتبقى رهنا لوتيرة أداء ثقيلة ومملة، تحول دون سرعة إنجازها مع الجودة التي هي الهدف الأساس، وتسليمها لأصحابها في آجال معقولة، ومن ثم فقد تضمن مشروع قانون خطة العدالة إلغاء خطاب القاضي المكلف بالتوثيق، مراعيا للتطورات التي عرفتها الهيئة ومستحضرا لمؤهلات السادة العدول العلمية وما أكتسبوه من خبرات، كما أن من دواعي الإلغاء تعدد تواريخ الوثيقة العدلية،  تاريخ التلقي، تاريخ التسجيل، تاريخ التحرير، تاريخ النسخ وتاريخ الخطاب، كل ذلك يفقدها القيمة الحقيقية عند التنازع، وترتيب الآثار على المشهود فيه، وعليه فالحاجة ماسة إلى اعتبار تاريخ التلقي فحسب مرتبا لآثار العقود، ومنهيا للخصام، وملزما للأطراف، والمصالح الإدارية المعنية .

  وهناك مسوغ آخر لإلغاء خطاب القاضي تقويةً – لمركز الوثيقة العدلية بمجرد التلقي، هو أن التلقي من قبل العدول لم يعد كما كان تاريخيا – نقلا لتصريحات المتعاقدين فقط، أو نيابة عن القاضي في سماع الشهادات وحفظها، بل أصبح توثيقا لالتزامات واتفاقات وعقود بناء على مستندات ووثائق، ووفق ما تنص عليه القوانين من شروط وضوابط لمختلف العقود.

  • خامسا   : بخصوص الإدماج

  إدماج النساخ في مهنة التوثيق العدلي مع إخضاعهم للتكوين الجيد من أجل تحسين مردوديتهم وتأهيل قدراتهم.

  • سادسا: بخصوص التلقي

  إلى جانب القطع مع التبعية لمؤسسة قضاء التوثيق والتي قوت مركز القاضي المكلف بالتوثيق على حساب مركز العدل الموثق[16]، هناك مستجد آخر لا يقل أهمية عن خطاب القاضي ويتعلق الأمر بالقطع مع التلقي الثنائي للعقود، وذلك بالنظر إلى تعدد الإشكالات والعراقيل التي يطرحها.

فالتلقي الذي يتم بعدلين اثنين وفي وقت واحد وفي مكان واحد، لا يتصور أن يقع في آن واحد والعدلان موجودان في مكانين مختلفين خصوصا مع التطور الهائل في الجانب التقني في ظل ما اصبع يسمى بالتعاقد الإلكتروني[17] ففي كل العقود والاشهادات لابد أن يكون تلقيها بعد لين اثنين وفي مجلس واحد تحت طائلة الوقوع في مخالفة قانونية.

  ومن أهم الإشكالات القانونية التي يطرحا التلقي الثنائي، مسألة تحديد المسؤولية الجنائية للعدل الشاهد أو “العاطف” في الحالة التي يتابع فيها العدل المتلقي للشهادة[18]، حيث يتم اعتباره مسؤولا جنائيا مع رفيقه بمجرد وضع إمضائه عليها، والحال أن العدل الموثق قد تلقى العقد أو الشهادة وحده من الأطراف الشيء الذي يلحق ضررا بالعدل الثاني، لذلك ينبغي رفع المساءلة الزجرية عن العدل الشاهد و اعتبار توقيعه على العقد مجرد قرينة بسيطة على أنه حضر مع العدل الموثق مجلس العقد.

وحتى في الحالة التي سمح فيها المشرع بالتلقي الفردي، نجده قيد العدل بالحصول على إذن من القاضي قبل أن يتلقى العقد أو إشعاره بذلك داخل أجل ثلاثة أيام من تاريخ التلقى في حالة تعذر الحصول على الإذن[19].

  لذلك، فإنه نظرا للمشاكل التي يطرحها التلقي الثنائي للعقود، فقد تم تعطيله عمليا من طرف العدول، ولا يقصد بالتعطيل أن العدلين إما أن يتلقيا العقود أولا يتلقيانها مطلقا، وإنما المقصود هو أنه في الحالة التي يتم فيها التلقي انفراديا، فإن العقد يحرر بطريقة تفيد أن التلقي قد تم ثنائيا ويرتب بالتالي كل آثار التلقى الثنائي  أنه في الحالة التي يتم فيها التلقي انفراديا، ويرتب بالتالي كل آثار التلقي الثنائي  أمام هذا الوضع، ومن ثم فقد فطن مشروع قانون خطة العدول رفم 16.22 بضرورة مراجعة قواعد تلقي العقود العدلية، وقام بإقرار التلقي الفردي.

  • سابعا : من حيث التأديب

  إن مصداقية مهنة التوثيق العدلي وشعور الممارسين والمتعاملين معها بالاطمئنان على السواء، لا يتحقق إلا بوجود نظام تأديبي يضمن للعمل تطبيق إجراءات تأديبة عادلة تحترم فيها حقوقه وتمكنه من الدفاع عن نفسه وتكفل للدولة ممارسة حقها في مراقبة أنشطة مكاتب التوثيق العدلي وإحالة العدول المخطئين على الجهات التأديبية[20]، ومن ثم فالمشروع قام بمراجعة مدى فعالية مسطرة التأديب الحالية لتخليق المهنة ومراعاة استقلاليتها وإقامة توازن بين تخليق المهنة ومتابعة المخالفين وبين حماية العدول والحفاظ على سمعتهم وكرامتهم وشرفهم، كما قام بتخويل أجهزة المهنة دورا كبيرا في مهمة التأديب، من أجل تحصينها وحماية أهدافها والحفاظ على أعرافها وتقاليدها وأصالتها.

خاتمــــــــــــــــــــــــة

نخلص من خلال هذه القراءة  إلى أن إصلاح مهنة التوثيق العدلي وتحقيق استقلاليتها معركة لازالت في بدايتها والطريق لازال طويلا وشاقا ، وجميع الاطراف مدعوون أكثر من أي وقت مضى إلى بذل الجهد واستفراغ الوسع من أجل إصلاح هذه المهنة النبيلة وتأهيلها وتحقيق استقلاليتها.

لائحة المراجع

المجلات

  • مجلة الباحث، عدد 35، الرباط.
  • مجلة الممارس، عدد 24، مراكش 2019.
  • مجلة المنارة، عدد19،  وراقة سجلماسة، مكناس.

الموقع الإلكترونية

[1] سورة : البقرة –  الآية 282

[2] سورة : الطلاق –  الآية 2.

[3] مراد كراخي، مهنة العدول : الاختصاصات وشروط الممارسة، مقال منشور على الموقع الإلكتروني التالي :

https://snrtnews.com/article/93071

تم الاطلاع بتاريخ 31/05/2024، على الساعة 14:00.

[4] الشرقي  لحرش، مشروع قانون يضع شروطا جديدة لولوج خطة العدول يمنع المزاولة في الأسواق، مقال منشور على الموقع الإلكتروني التالي :

https://www.hespress.com/%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9-%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86-%D9%8A%D8%B6%D8%B9-%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B7%D8%A7-%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D9%84%D9%88%D9%84%D9%88%D8%AC-%D9%85%D9%87%D9%86%D8%A9-1102121.html

تم الاطلاع بتاريخ 31/05/2024، على الساعة 11:00.

[5] طارق القاسيمي، مسودة قانون مهنة العدول، مقال منشور على الموقع الإلكتروني التالي :

https://www.hespress.com/%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D8%B8%D8%A7%D8%AA-%D8%AD%D9%88%D9%84-%D8%A5%D8%B9%D8%AF%D8%A7%D8%AF-%D9%85%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A9-%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9-%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86-%D9%85%D9%87-1149642.html

تم الاطلاع بتاريخ 31/05/2024، على الساعة 13:00.

[6] ديباجة القانون رقم 16.03 المتعلق بخطة العدالة، ص 3.

[7] الشرقي لحرش، مرجع سابق.

[8] الشعابتي عثمان،  التوثيق العدلي بالمغرب : إشكالية الاستقلال ومتطلبات الاصلاح، مقال منشور على الموقع الإلكتروني التالي :

https://www.allbahit.com/2021/01/blog-post_24.html?m=1

تم الاطلاع بتاريخ 01/06/2024، على الساعة 10:00.

[9] وضرورة إضفاء طابع الديون الممتازة عليها طبقا للفصل 1248 من قانون الالتزامات والعقود، مع الأخذ بعين الاعتبار بأن هذه الأتعاب تعتبر المصدر الوحيد لدخل العدل.

[10] الشعابتي عثمان، مرجع سابق .

[11] الشرقي لحرش، مرجع سابق.

[12] انظر مقتضيات القانون رقم 16.03 المتعلق بخطة العدالة.

[13] اسماعيل المرابط، حجية الشهادة العدلية، مجلة الممارس، عدد 24، مراكش 2019، ص 45.

[14] محمد نجاحي، خصوصيات الوثيقة العدلية، مجلة المنارة، عدد19،  وراقة سجلماسة، مكناس، ص 87

[15] اسماعيل المرابط، مرجع سابق، ص 48.

[16] عثمان الشعباتي، تأملات في وضعية التوثيق العدلي في المعرب، مجلة الباحث، عدد 35، الرباط، ص 89.

[17] عثمان الشعباتي، مرجع سابق، ص 93.

[18] عثمان الشعباتي،مرجع سابق ص 94.

[19] انظر القانون رقم 16.03 المتعلق بخطة العدالة.

[20] عثمان الشعباتي، مرجع سابق، ص 97.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي