عندما تفشل في الدول العربية الهشة ، المؤسسات الديموقراطية مثل الاحزاب والبرلمان والحكومة المفرزة عن طريق الانتخابات ، في تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للشعب بسوء تدبير النخب وتدبير الأجهزة المخابراتية للأنظمة الامبريالية التي تمنع وتعيق أي تقدم في مستعمراتها القديمة حتى تبقى حديقة خلفية سياحية، لها ولمواطنيها، فإن هذا الشعب المقهور يصبح لديه القابلية للعبودية والرغبة في العودة إلى حياة الرق والقيود والأغلال ، ولذلك فإن إتيان دولابويسي يقف في مقالته “العبودية الطواعية”، على أبرز العوامل الخفية والمساعدة، حين يقول : “أنتم تضعفون أنفسكم لجعله أقوى وأكثر صلابة في القبض بتمكّن على حبل قيادكم. إن بوسعكم التخلص من تلك الموبقات الكثيرة التي لا تقوى البهائم على تحمّلها لو كانت تحس بها. إن بوسعكم التخلص منه إذا ما سعيتم. لا تسعَوا إلى التخلص منه بل أعربوا عن الرغبة في ذلك فقط. احزموا أمركم على التخلص نهائيا من الخنوع وها أنتم أحرار”.
لكن الشعوب الفقيرة الجاهلة الأمية المخدرة تفقد الثقة في جدوى الدفاع عن الديموقراطية نفسها ، لدرجة أنها تخرج مطالبة بعودة الديكتاتورية والإطاحة بالقادة المنتخبين بسناريوهات محبوكة كنشر اليأس والتواطؤ مع الخونة والمنتفعين بخلق أجواء الانهيار والفشل كما وقع في مشكل ندرة، البنزين وانقطاع الكهرباء في مصر على عهد مرسي ، وتذمر قطاعات كبيرة من الشعب من شظف العيش وما وقع مؤخرا في تونس من انتشار مدبر لكورونا لإظهار أن هذه الحكومات المنتخبة التي جاءت الىى سدة، الحكم عن طريق الإرادة الشعبية في انتخابات حرة وديموقراطية لأول مرة هي حكومات فاشلة ، ونخب فاسدة ، وبالتالي فلا قيمة لإرادة الشعوب وأن هذه الإرادة سيكون مصيرها التجويع والموت والخراب والفشل وذلك بالالتفاف على الإرادة الشعبية الحقيقية عن طريق البلطجية والمجرمين والمنحرفين والجموع الأمية الجاهلة من الطبقة المسحوقة التي تخرج مع الأسف في مظاهرات مصنوعة مدافعة عن جلاديها، كما حدث في مصر من هجوم على مقرات الإخوان وما يحدث الآن من هجوم على مقرات حزب النهضة والكرامة ، وحالما تسقط هذه المؤسسات المنتخبة بإيعاز من دول الخليج الثيوقراطية الثرية ، المساعدة للانقلابات العسكرية خوفا على كراسيها ، بدعم من مخابرات الدول الإستعمارية ، سيمسك الإنقلابيون يومئذ بالحكم بقبضة من حديد ولن يكون للشعب الجاهل حينئذ أي عزاء ، لانه يكون بذلك قد فرط في حريته وإرادته،، وسيستحق ما سيناله من تنكيل وهضم حقوق ، وزج في السجون.
ومن خلال استقراء ما وقع من احداث ووقائع تاريخية انطلاقا من سنة 2011 وهي سنة انطلاق ثورات الربيع العربي ، نجد ان هذه الثورات لم تكن ثورات حقيقية وإنما كانت هبات شعبية تنفيسية غير موجهة بمرجعيات فكرية أو عصر أنوار ذو زخم معرفي ، كما حدث مع الثورة الفرنسية التي تسبب في حدوثها، ثلة من المفكرين والفلاسفة كجون جاك روسو ، ومونتيسكيو وفولتير، أو ما حدث في الثورة البولشفية في روسيا وما سبقها من ثورة فكرية متمثلة في الفلسفة الماركسية والاشتراكية العلمية مع ماركس وانجلز وما سبقهم من فلسفة هيجل وفيورباخ وما لحقهم، من افكار لينين وتروتسكي ورويات تولستوي الحرب والسلم ، وتشيخوف، ومكسيم غوركي والذي يذكرني بروايته، الرائعة الأم.
أما ثورات الربيع العربي فكانت ثورات بدون قيادات وبدون أفكار واضحة او برامج ثورية حقيقية، ركب على ظهرها فيما بعد الاخوان ، الذين أتيحت لهم فرصة تاريخية للوصول للسلطة والحكم لكنهم اجهضوا الثورة بحساباتهم البرجماتية الضيقة، فتوقفت الثورة في نصف الطريق عندما اجبر العسكر بخطة ذكية مبارك على التنحي وعقدوا صفقة ضيزى مع قوى الثورة التي استفردت بها الثورة المضادة واحدا واحدا ، وهذا يدل على انه لم تستطع أي ثورة في العالم ،النجاح بالورود وبالاتفاق، على الحكم مع جزء من السلطة التي كانت قائمة ، كل الثورات الناجحة، احدتت قطيعة مع الحكم السابق ،وحسمت مع رموزه وجذوره، نهائيا ، وقضت على أية إمكانية لقيام الثورة المضادة بتحييد حتى الأخطار المحتملة كما حدث مع الثورة البيضاء في روسيا، وما حدث عند قيام الدولة العباسية حين سحقت حتى الأمراء الامويين الصغار ، للقضاء على اية إمكانية محتملة ،لعودتهم
لقد كانت هناك أخطاء تاريخية ، ستعيق اي تطور لأجيال لاحقة، لكن التجربة الابرز ،والدرس والعبرة الاكبر تثمتل في ان ورقة الاسلام السياسي قد سقطت، كما تسقط ورقة التوت ،لأنها أثبتت فشل مشروعها وعدم قابليته للانجاز والتطبيق ولعجز نخبها عن ابتداع الحلول لمواجهة المشاكل ، ولا مبرر للاختباء وراء عقلية المؤامرة و تواطؤ القوى الامبريالية والرجعية على مشروعهم لأنهم في الحقيقة كانوا جزءا. من المشكل ، ولأنه لا يتصور. ان يبقى عدوك ساكنا، دون مقاومة ينتظر نجاحك ،ولذلك سيكون عليهم مراجعة شاملة لاوراقهم والتخلي عن اوهامهم الطوباوية بالعودة إلى الدولة الفاضلة المثالية ،لأنه مع الأسف لم تكن هناك ابدا. أي دولة مثالية في تاريخ الدول الإسلامية ،فكلها دول قامت على الدم والسيف والغلبة وقتل المعارضين والحكم الفردي المطلق المستبد المستند إلى شرعية الدين والدين منه بريء، ولذلك لابد من إفراغ عقولهم من المشاريع الحالمة المستحيلة وتجاوز هذا القرن من الفشل، والاندماج والتفكير في مشاريع وبرامج أكثر. عقلانية وحداثية وقابلية للتطبيق مع مراعاة المخاطر المحدقة، والاستعداد لها ، والحقيقة الثانية المرة الراسخة عبر التاريخ وعلى صعيد الواقع هي انه طالما كنت قويا فأنت دائما على حق ومخول بان تفعل ما تشاء ولا تسأل عما تفعل ذلك انه لا يجرؤ احد على ان يقول للأسد انت على خطأ ، أما أن تكون في عالم السياسة ضيفا خجولا طيبا ضعيفا بدون عصبية قوية محتجا بالمبادئ ، والشعارات الطنانة فهي بلاهة وغباء هو جرم لا يغتفر ،فسيبث الأقوياء الفوضى والقلاقل والمشاكل ويتهمونك بكل الجرائم وسيصدق المنافقون المطبلون انك مجرم بالفطرة وأنك سبب الكوارث الاقتصادية والاجتماعية وسبب التخلف الحضاري وستقام لك المحاكمات الصورية ،وتدان بسيف العدالة وستنقاد الجماهير المخدرة المصدقة وراء الدعاية الإعلامية وسبب ذلك أن الحق مجرور من قرونه بالقوة ،وليس بالضعف، ولذلك فالاقوياء في التاريخ السياسي العالمي هم من بادروا دائما وبسرعة إلى الإطاحة بخصومهم وتحولوا الى ابطال قوميين وزعماء منقذين ولم يلجأوا لمقولات العدالة والحق ،لأنهم دائما ما كانوا يجدون من يبرر افعالهم ويفسر القانون لصالحهم وعلى مقاسهم ولم يجرؤ أحد على انتقادهم لأن التاريخ يكتبه المنتصر ، ولذلك غالبا ما نسي الناس، أولائك الضعفاء المهزومين الذين قبروا في غياهب السجون وعلقوا على المشانق ، ولفهم التاريخ المنسي.إنه الانتخاب الطبيعي والقانون الكوني الذي مفاده أن البقاء للأقوى .ولهذا لا داعي لتصديق اساطير وخرافات الجدات حول حكايات الفرسان النبلاء.
تعليقات الزوار ( 0 )