أثارت بعض المواد المقحمة في مشروع قانون 22.20 المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة سخط وعدم رضى رواد الفضاء الافتراضي مما نتج عنه انطلاق حركية رقمية اتسمت بدأبهم على نشر نص موحد على صفحاتهم وبعض العرائض تدين محتوى ومضمون المشروع لا سيما المادة 14 و 15 لا وبالخصوص ما يمت إلى الفقرات التي نصت على عقوبة بالحبس من ستة أشهر الى ثلاث سنوات وغرامة من خمسة آلاف درهم الى 50 ألف درهم أو بإحدى العقوبتين فقط على “كل من قام عمدا بالدعوة الى مقاطعة بعض المنتوجات والبضائع والقيام بالتحريض علانية عن ذلك عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو شبكات البث المفتوح، أو من بث محتوى الكترونيا يتضمن خبرا زائفا من شأنه التشكيك في جودة وسلامة بعض المنتوجات والبضائع وتقديمها على أنها تشكل تهديدا أو خطرا على الصحة العامة والأمن البيئي.
لكي نفهم ردة فعل مرتادي الفضاء الرقمي يتوجب الإقرار بأننا إزاء الانتقال من مجتمع التواصل (Société de communication) إلى مجتمع الاتصال (Société de connexion) حيث توارى التداول والنقاش الواقعي لصالح التفاعل وثقافة التشارك و”بارطاجي”. فأصبحت هذه الثقافة الجديدة هي المحرك والناقل للديناميات المجتمعية وللفكر النقدي والثقافة المضادة من خلال جسر مواقع الفضاء الرقمي.
ومن المواضيع التي تستأثر النقاش في هذا الفضاء تقييم المنتوجات والحكم على جودتها والتشاور حول نوعيتها وفعاليتها فأضحى هذا السلوك بمثابة طقس جماعي وفردي بمفهوم الهابيتوس لبورديو ليس فقط على المستوى الوطني بل كذلك على المستوى العالمي كما أن هناك شركات تجارية وبنيات اقتصادية تشجع على هذه الممارسة وهذا السلوك في إطار ما يسمى بالبنشماركينغ أو عبر أداة المجموعات البؤرية من خلال طرح استطلاعات رقمية ولقاءات حول منتوجاتها لفهم واستشراف انتظارات ونوايا الزبون والمستهلك المحتمل.
في هذه الحالة يبدو أن آلية التقييم عبر الآراء المعبر عنها يمكن أن تصل حد المطالبة بمقاطعة بعض المنتوجات لا لشيء إلا أن المستهلك يرغب في جودة عالية أو في تخفيض للأثمنة … وتبدو من هذه الزاوية أن علاقة المستهلك بالمنتج علاقة جدلية تخضع لرهانات الرابط الاجتماعي وتحدي العيش المشترك والحركية المجتمعية. تباعا يمكن أن يفضي التضييق على مساحة وهامش إبداء الرأي أو مسائلة مستوى جودة بعض المنتوجات حد الدعوة لمقاطعتها إلى بناء وترسيخ شكل من أشكال المواطنة السلبية (Citoyenneté passive ) والاحتباس التداولي والانهزامية الجماعية والفردية وتراجع بل وتلاشي المواطنة الإيجابية (ِCitoyenneté positive) التي تقوم على النقد البناء والذكاء الجماعي.
لهذا ولملاءمة القوانين مع واقع مجتمع الاتصال والمواطنة الافتراضية الذي انخرطت فيه جميع فئات المجتمع المغربي، لا سيما مع راهنية إحصائيات اتصالية المغاربة ((Connectivité التي أوردتها الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات، من المستحب ومن المأمول أن يبادر المشرع وأن يتفاعل مع الحاجيات الرمزية والتطلعات المادية للمستهلك المغربي الذي تحول من مستهلك ذو هوية واقعية إلى مستهلك ذو هوية رقمية يعبر بحرية عن انشغالاته الاستهلاكية والحياتية ويتداول فيها عبر هامش حرية افتراضي ورقمي لضمان وتملك أمنه وسلمه الاقتصادي.
*أستاذ العلوم الاجتماعية بجامعة محمد الخامس بالرباط
تعليقات الزوار ( 0 )