العالم تحت صدمة جراء تداعيات فيروس كورونا، قلق غير مسبوق حول مصير العالم , أصوات بدأت تتحدث عن الحرب العالمية الثالثة و عن نهاية العالم.
الأزمة أنعشت خطاب النهايات , ليس كما تصورها الفيسلوف الالماني هيجل او حين يبلغ الفكر نهايته بتطابقه مع الواقع , او تصور الامريكي فوكويما بتوقف التاريخ في مرحلته النهائية / الراسمالية , لكن خطاب النهايات بمعناها الابوكاليبسية أي الفناء و نهاية العالم .
بسبب الفيروس, توقفت كل الحروب الاهلية و كل الصراعات المؤدجلة و المدفوعة الثمن, و التي تخاض بمنطقة الشرق الأوسط و أفغانستان , في إطار إستراتيجية الشرق الاوسط الجديد الذي رسمته الإدارة الأمريكية في المحافظين الجدد تجسيدا لتصورات ليو ستروس leo Strauss .
فجلة توقفت المعارك الصغيرة بكل من ليبيا و سوريا و اليمن و السودان و أفغانستان و العراق ليتفرغ العالم لتعداد و إحصاء عدد الموتى و البالغ عدد هم لحد الساعة 18600 شخص , و عدد المصابين ما يقارب 480000 مصاب .
فيروس او غاز قاتل ,وحد الجميع و اصبح الانعزال و الاختباء بالمنازل شرط النجاة في ظل عجز العلم عن ايجاج سبل العلاج . تحول الى جايحة وفق اعلانات المنظمة العالمية للصحة و وهو ما يكشف الخطر الحقيقي لهذا الوباء .
ثمة إجماع على خطورة الفيروس , بالمقابل تعارض و جهات النظر و اختلافها الى حد الاتهام حول اسبابه و مصدره و كيفية انتشاره , لنكون امام فرضيتين في انتظار تأكيد أحداها و نفي الأخرى او نفيهما معا , وان كنت اعتقد أن الجواب سيطول كثيرا , لان مهمة السياسي هي إخفاء الحقيقة و ليس كشفها .
الوضع الراهن هو حالة قلق عالمي , كل شئ تغير , كل شئ سيتغير, السياسة التحالفات النظام العالمي الجديد , نظام العولمة , العلاقات الاجتماعية , القيم الاجتماعية .
الوضع المقلق يضعنا امام تصورين للوضع , إن البشر إمام معرفة عاجزة او معرفة قاتلة, و هو ما يكشف طبيعة العلم بين الإنساني و ألتدميري .
2005 ترجم الباحث العربي مصطفى ابراهيم مصطفى كتابا مهما و مرجعيا للباحث الفلكي مارتن ريس عنوانه “ساعتنا الأخيرة” الصادر سنة 2003 , و الذي يتحدث بالكثير من التفصيل عن ارهاب المعرفة او المعرفة القاتلة, و قد تنبأ ريس بنهاية للعالم نتيجة إرهاب نووي .
تصور مارتن ريس , الفلكي و الذي قادته ابحاثه الفلكية الى الايمان بوجود الله , و تجاوز عتبة الالحاد , في كتبه ساعتنا الاخيرة , و الذي سبقه كتاب القرن الاخير لكوكب الارض , فقد حدد ملامح نهاية الكون وفناءه . و بلورة فكرة القيامة ليس من داخل النصوص الدينية, و لكن من داخل العلم و هنا تكمن اهمية التصورات التي تبناها ريس , فكرة القيامة تلقفتها شركات صناعة السينما, و حولتها الى تجارة سينمائية مربحة في اكثر من فيلم حول ذات الموضوع .
في كتابه يؤكد ريس ان احتمالات فناء العالم ارتفعت الى نسبة 50 في المئة , مشيرا الى ان العلم يتقدم بسرعة لا يمكن التكهن بنتائجه , و ان من اكبر الاخطار التي تهدد الوجود البشري الارهاب النووي و انتشار الفيروسات معدلة , و ان هناك خطر انفلات هذه الفيروسات من تحت سيطرة المختبرات و توظيفها في صراعات سياسية و اقتصادية سنة 2020 .
تهريب الفيروسات المعدلة و توظيفها الحربي , وفق تصورات مارتن ليس سنة 2003 أي سبعة عشر سنة من الان , يتم من طرف مجموعة من الاشرار او نتيجة خطأ بشري .
لذا أكد مارتن ريس ان سنة 2020 ستكون عام الخطأ البيولوجي و الذي سيتسبب في وفاة مليون شخص . الغريب و المدهش ان نبؤة ريس تحققت من خلال ازمة فيروس كورنا, و بعد مرور 17 سنة من كتابه المتضمن لهذه النبؤة العلمية .
و يضيف ان نهاية الانسان على الارض و ان ساعاته الاخيرة ستكون عن طريق العلم و المعرفة القاتلة , و ان الوصول الى شفرة الانسان dna ستقود الى تدمير طبيعة الاشياء و حقيقتها , قد لا نفاجئ حين نرى خروفا بحجم فيل, و ان نرى سمكا بحجم و شكل حوت كبير , ان اشكال الخضروات و الفواكه و الحيوانات ستتغير نتيجة تغيير الخريطة الجينية و تعديلها.
العلم في نظر ريس يقود الى صناعة الظلام و القتامة , و انه سيكون سببا في فناء الانسان و ليس انقاذه , و ستصبح التكنولوجيا سلاحا ذو حدين ستؤدي الى انهاء وجود الكون, الذي لايزال شابا . فهذه الفيروسات تؤثر على الذرات والنويات بسلسلة من التفاعلات التي تستطيع القضاء على كل الذرات على الارض, أو حتى تدمر نسيج الفضاء مما يصعب السيطرة و التحكم فيها وتزايد سرعة انتشارها .
الموقف الغير المطمئن من العلم في نظر مارتن ريس سبقه اليه الفلاسفة الوجوديون, و الذين اعلنوا صراحة العداء للعلم ، حين اعتبروا ان الانسان يعاني من قلة المعرفة لكنه سيعاني اكثر من كثرتها .
ريس يستمر في التنبيه الى مخاطر المعرفة القاتلة , ان الهندسة الوراثية ستغير طبيعة الحياة على وجه الارض , الامر قد يؤدي الى التحكم بالجينات الوراثية , مما يساعد في انتاج حشرات قاتلة و فيروسات قاتلة كرونا مثلاً , وقد يتم توظيفها سياسيا للقضاء عى الخصوم و الاعداء , أي بناء سلاح جديد لحرب لا ترى اسلحتها انها حروب الميكرو .
الخوف من العلم , او ما يمكن تسميته بالمعرفة القاتلة و إرهاب المعرفة هي تصورات تبناها الكثير من المفكرين و العلماء و الساسة. وهو ما سبق ان أشار إليه بيل غيتس مؤسس شركة ماكروسوفت حين اعتبر أن العالم مقبل على حرب باسلحة غير معتادة و غير تقليدية.
حتى الادب تاثر بهذه التصورات المؤسسة على الخوف من العلم , هو ما جسده الروائي الامريكي دين كونتز(Dean Koontz في روايته المنشورة في سنة 1981 أي قبل 32 عاما من انتشار ازمة فيروس كورونا تحت اسم عيون الظلام . وهي الرواية التي تحكي قصة ام فقدت ولدها نتيجة فيروس مجهول , يحمل اسم “ووهان 400” سلاح بيولوجي من صنع الإنسان بعد ان قام بتعديل اسم الفيروس الخيالي , لان الاسم الاول المتضمن في الطبعة الاولى يحمل اسم غوركي اشارة الى مدينة روسية.
الخوف من العلم او المعرفة القاتلة , هو اتجاه و توجس لدى الكثيرين نتيجة التوظيف اللا-انساني للعلم و لنتائجه , و هو ما عبر عنه مارتني ريس بالاشرار .
نظرية توظيف العلم في حروب القرن 21 يعني الانتقال من الحروب الماكر والى حروب الميكرو اي الحروب التي لاتستعمل فيها الاسلحة التقيلة و الصواريخ و الغواصات و الطائرات و الجيوش لكنها حروب جرثومية .
الكثير من الاصوات , تتبنى ان فيروس كورنا هو حرب من العالم الغربي المهيمن على مقاليد السلطة و الاقتصاد العالمي على الصين و الدول الصاعدة و محاولة اضعافها, و هو ما يفسر ظهور الفيروس بمدينة يوهان الاقتصادية
مؤشرات كثيرة تقود الى تبني فرضية الحرب الشاملة من بينها الوفاة الغامضة للطبيب الصيني مكتشف الفيروس .
الاكيد ان ازمة فيروس كورنا بغض النظر عن كل التصورات المتعارضة حول طبيعة الفيروس و نشاته و نشره , فاننا امام واقع معقد تتحدد ملامحه في نقطتين :
اولا : عجز العلم عن ايجاد علاج لفيروس قاتل, و هو امر مستغرب في ظل التطور التقني الهائل مما يضعنا امام فرضية المعرفة العاجزة .
ثانيا : ان هناك فرضيات تكشف ان فيروس كرونا هو انتاج علمي ثم توظيفه سياسيا في اطار حرب ضد الخصوم في اطار تنافس مصالح , و هو ما يقود الى فرضية المعرفة القاتلة .
ثالثا : انحسار الجانب الديني و اغلاق المساجد و الكنائس و دور العبادة وهو مؤشر ان الانسان بقي وحيدا اعزلا في مواجهة قاسية مع فيروس قاتل .
لذا , فان المرحلة المقبلة , تفترض نضالا عالميا , يقتضي بالضرورة الانتصار للقيم الانسانية و تخليق العلم و محاربة العولمة المتوحشة و التي حولت العالم الى سلعة , تحقيق ذلك يقتضي وعيا جماعيا و كونيا يجعل العلم يتصالح من الدين , حتي نكون امام معرفة انسانية تخدم الانسان و لا تقتله , غير ذلك سنكون في طريقنا الى الفناء .
تعليقات الزوار ( 0 )