بعد نهاية الحرب الباردة وخاصة بعد انهيار الإتحاد السوفيتي ،ظهرت الريادة الأمريكية على الساحة الدولية،متحكمة في شرايين العالم بقوتها الصلبة والناعمة ،مستعينة بحلافائها ،مما نتج عن هذه الريادة عدة تنافسات إقتصادية على المستوى الدولي ،التي بدأت بوادرها منذ الصعود الصيني في المجال الإقتصادي، وبعد ذلك برزت لنا معركة إقتصادية بين أمريكا والصين ، وهذا يعني وجود تنافس دولي إقتصادي بين القوى الإقتصادية الكبرى، وهو ما يتم تكريسه بصورة عملية من خلال التقويض على شركة الهواوي الصينية من طرف الولايات المتحدة الأمريكية تحت ذريعة اتهام هذه الشركة بالأعمال التجسسية.
فهذا الخلاف الذي وقع بين أمريكا والصين راجع إلى أن الصين هي الدولة الوحيدة في العالم التي ستستعمل الجيل الخامس في مجال الأنترنيت والرقمنة ، وهذا لا يصب في مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية التي تسعى جاهدة أن تبقى سيدة العالم في كل المجالات.
وفي نهاية العام 2019، أي في ديسمبر ظهرت جائحة الكورونا من منطقة وهان الصينية ،كبداية ظهور هذا الوباءالذي انتشر بعد ذلك وشمل جل أرجاء العالم، نظرا لسرعة إنتشاره ،بسبب عدم الإتخاذ الإجراءات الإحترازية المبكرة من قبل بعض الدول لتصدي هذا الوباء ، مما ساهم في إنتشاره بشكل سريع.
وفي هذا الصدد يعتبر هذا الوباء من الأوبئة التي استعصت الدول في المجال الطبي لإيجاد لقاح ضد هذا الفيروس و فك شفرت، والآن تعمل المختبرات الطبية العالمية وتتسابق فيما بينها من أجل الوصول إلى لقاح مناسب للقضاء على هذا الوباء القاتل ، والذي حصد بالعديد من الأرواح في العالم.
ومن خلال سلوك بعض الدول وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، التي أصبحت تمارس في ظل هذه الجائحة مجموعة من السلوكات ،التي تتم من خلالها بناء تعاملها في السياسة الخارجية ،وخاصة مع الدول التي لا توجد في صفها ، وعلى رأسها الصين ،بعد ما قام الرئيس الأمريكي بإتهام الصين على أنها صاحبة هذا الوباء وعليها أن تتحمل المسؤولية بما يقع الآن في العالم على حد قوله، مما دفع ترامب إلى تعليق المساهمة المالية الأمريكية في منظمة الصحة العالمية ، بسبب اتهامها بالإنحياز إلى الصين وعدم التأكيد من التقارير التي تصدرها الصين حول هذا الوباء.
و بفعل هذا القرار الذي اتخذه ترامب ،واجه عدة ردود فعلية من قبل عدة القادة داخل المنظمات الدولية والإقليمية وكذلك الدول ،حيث صرحوا أن هذا القرار قد يضعف عمل منظمة الصحة العالمية في مواجهة هذا الفيروس.
وفي هذا السياق هناك خبراء أمريكيون يقولون أن هذا الوباء هو بمثابة سلاح بيولوجي الموصف بأسلحة الدمار الشامل ،ونجد الخبير الأمريكي د . روبرس حسب قوله ” يبدو أن هذا الفيروس سلاح بيولوجي مصطنع هرب من المختبر البيولوجي الصيني بوهان، وفي المقابل نجد الصين بدورها تتهم أمريكا بالسعي إلى تحويل الإتهام بتفشي هذا الوباء، حيث خرجت الوزارة الخارجية الصينية في تصريح لها تؤكد فيه أن هذا الوباء لم يخرج من المختبرات البيولوجية الصينية بوهان مستعينة بمنظمة الصحة العالمية لدعم موقفها. إذن فالوضع الدولي الحالي في ظل هذه الجائحة يتميز بالتبادل الإتهامات بين أمريكا والصين ومن ورائهما حلفاء كل طرف.
فالصين أثبتت نفسها أنها قوة إقتصادية عالمية ،حيث استطاعت أن تتغلب على هذا الوباء، بعدما أعلنت في قنواتها التلفزية الرسمية أن منطقة وهان تحكمت في الفيروس ،على عكس الولايات المتحدة الأمريكية التي تعاني من جراء هذا الفيروس ،والذي ما يزال يحصد في أرواح الأمريكيين إلى حد الآن.
ويبدو أن التنافس الصيني الأمريكي حول الزعامة الدولية ،قد يؤدي إلى حرب إقتصادية التي قد يطول أمدها ،مما سيدفعهما إلى حروب ناعمة فيما بينها لإضعاف الطرف الأخر وعرقلة عجلته الإقتصادية، وفي ظل هذه الجائحة أصبح الإقتصاد الصيني هو الرائد في العالم وبجانبه الإقتصاد الأمريكي ،مما يدل أن المعركة الإقتصادية الصينية الأمريكية ستستمر ما بعد كورونا ،حيث من الصعب أن تتنازل أمريكا عن مكانتها في الساحة الدولية.
*باحث بسلك الدكتوراه في القانون العام والعلوم السياسية
تعليقات الزوار ( 0 )