شارك المقال
  • تم النسخ

فيروسُ “كورونا” والجفافُ يُفاقمانِ ظاهرةَ “الرّعي الجائرِ” بالمغربِ

فرضت الحكومة المغربية، منذ النصف الثاني من مارس الماضي، مجموعة من الإجراءات والتدابير الوقائية لمواجهة تفشي فيروس كورونا المستجد في البلاد، على رأسها تشديد القيود على التنقل، ما صعب من مهمة العديد من العاملين في المهن غير المهيكلة.

ومن بين المتضررين من هذه الإجراءات، الكسابة، الذين حاصرتهم الجائحة والتدابير المتخذة للتصدي لها من جهة، وشبح الجفاف الذي حمل معه تهديد موت قطعان الغنم والماعز التي يملكونها، ما حتم عليه البحث عن سبل لإنقاذ مصدر رزقهم، وتجنب أي كارثة محتملة في ظل ظرفية غير مسبوقة يعيشها المغرب.

واضطر عدد من الكسابة إلى إطلاق ماشيتهم على الأشجار والنباتات في مساحات مخضرّة صغيرة، تفاديا لأن تموت جوعاً، بسبب الضرر الكبير الذي لحقهم، على خلفية الجفاف، وفيروس كورونا والقيود المفروضة على حركة التنقل بين الأقاليم والجهات، خاصة بالنسبة للرّحل، الذين اعتادوا على التوجه صوب الأراضي التي تتوفر على الماء والكلأ.

وفي هذا السياق، قال أحد الكسابة في تصريح لجريدة “بناصا”، إن “قلة التساقطات تسببت في خسائر مادية كبيرة للفلاحة ولنا على حد سواء”، مسترسلأً:”في المواسم الفلاحية السابقة، كنت أزرع أرضا لي شعيراً وبعد الحصاد، أترك حوالي نصف المحصول للماشية، إلى جانب التبن، غير أننا لم نحصد الكثير في السنة الجارية”.

وأضاف المتحدث نفسه، هناك بعض الفلاحة الذين لم يحصدوا أبدا، “فقد زرعوا بعض الأراضي ولكن قلة التساقطات في بعض المناطق، إلى جانب تأخرها، تسبب في اصفرار المحصول وموته سريعا، ليذهب كله للماشية، ونسبته ضئيلة جدا، بالمقارنة معه حين ينمو، بحيث نستفيد من الشعير أو القمح، فيما تستفيد الماشية من التبن”.

وأشار الكساب، إلى أن “هذا الوضع، تسبب في أضرار مادية جسيمة لنا، زد على ذلك أن الجائحة أدت لخسائر لجميع الفئات المجتمعية، ما أضر بالعديد من الأسر، التي لم تستطع شراء أضحية العيد الماضي، وحتى التي تمكنت من الشراء، اشترته بثمن أقل بحوالي 25 في المائة عن العادة، الأمر الذي ضاعف من معاناتنا”.

وحاول الكساب شرح الوضع الذي تمر به فئته، بالقول إن كل العوامل التي ذكرها، إلى جانب القيود المفروضة على التنقل، والتي منعت الرحل من البحث عن مراعي جديدة، “أجبرت العديد منا على اللجوء لما يسمى بالرعي الجائر، لأنه الوسيلة الوحيدة لإنقاذ الماشية من الهلاك”.

وبخصوص الموضوع نفسه، أوضح حمزة أبراهمي، الباحث في البيئة والتنمية المستدامة، بأن “إدخال قطعان الماشية بشكل مستمر لمساحات خضراء صغيرة، أو ما بعبارة أخرى الرعي الجائر، يجعل الماشية تستهلك أوراق الأشجار والنباتات القصيرة بشكل كلي، مما ينتج عنه عدم اكتمال نمو العديد من الأنواع النباتية، ما يهدد في المستقبل البعيد بانقراضها نهائيا”.

واسترسل أبراهمي في تصريح لجريدة “بناصا”، بأن “انقراض الأنواع النباتية من شأنه أن يؤثر سلبا على خصوبة التربة، ويؤدي لانجرافها في مواسم الفيضانات، أو إلى استفحال ظاهرة الحت التي تؤدي لفقدان التربة لمكوناتها الطبيعية ونقلها في عدة اتجاهات”.

وأشار حمزة إلى أن الرعي الجائر، وتداعياته يمكن أن تصل للتأثير على الجو أيضا، لأن “فقدان الغطاء النباتي يؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة، وبالتالي انخفاض نسبة الرطوبة، وارتفاع جفاف الهواء، الشيء الذي يؤدي إلى الجفاف وتراجع نسبة التساقطات المطرية”.

ولا يقتصر التهديد على البيئة فقط، لكنه، حسب أبراهمي، وانطلاقا من التداعيات السابقة، يشكل “خطرا على تواجد الكائنات الحية التي كانت تستوطن المنطقة، بما فيها الإنسان”، مردفاً:”ما يجعل يهاجر بحثا عن مراعي جديدة، وتكرار نفس السيناريو”.

وتابع أبراهمي بأن فترة تفشي فيروس كورونا المستجد، وما نجم عنها من تشديد القيود على التنقل، “منعت العديد من الرحل في الجنوب الشرقي من البحث عن مراعي جديدة، ما فاقم وضع المراعي القديمة، سواء في الغابات، الجبال أو السهول، الشيء الذي أزم من وضعية الغطاء النباتي بشكل كبير، لأن انتقال الرحل لمراعي جديدة، كان يخفف الضغط نسبيا على القديمة منها”.

ولتفادي مشكل الرعي الجائر، يقترح أبراهمي رفع عدد المحميات الطبيعية في المغرب، مع وضع ترسانة قانونية قوية لمواجهة أي انتهاكات للمحميات، موازاةً مع مساعدة الكسابة والرحل، بتوفير الأعلاف بأثمنة مناسبة، مع تحديد أوقات للرعي في فصول معينة، ويستحسن في الربيع والصيف فقط، مع ضرورة منعه في الخريف والشتاء، لندرة الغطاء النباتي خلالهما.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي