شارك المقال
  • تم النسخ

عُثمَانُ بْنُ عفَّانَ.. قِصةُ نجَاح عالِم مغربيّ بدَأت من الصّفر إلى قيَادة فريق هَندسي بـ”ناسا”

في الوقت الذي يغرق فيه العالم في نظام التفاهة، ويستبدل فيه المجتمع الوجود بالظهور، كما يقول المفكر الفرنسي “جي ديبور”، فإن آخرين يشقون طريقهم في صمت ونجاح لا يكاد يُسمع رنين صمته، بعيدا عن أضواء الكاميرات وحُمى “التريندات” التي تقود الجمهور إلى بحر التفاهة بدل مرفأ المعرفة.

عثمان بن عفان المغربي الحاصل على درجة الدكتوراه من جامعة سُنترال فلوريدا، والذي يشتغل بوكالة “ناسا” الأمريكية، واحد من هؤلاء العلماء المغاربة الكبار الذين لا يُسلّط عليهم الضوء ولا تُذكر أسماؤهم إلا نُتفاً، وإذا حدث، فإن القارئ يظن أن الحديث يتعلق بثالث الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة.

في هذا الحوار الذي أجرته معه جريدة “بناصا”، يكشف عثمان بن عفان، كيف شقّ طريقه بنجاح، رغم العقبات والمسافات محلقا بجناحين من المعرفة والذكاء إلى فضاء “ناسا” من أجل تحقيق حلم طفولي ظل يراوده وينمو بداخله إلى أن أصبح يقينا وحقيقة.

وعثمان من الناس الذين ينطبق فيهم هذا البيت الشعري للإمام الشافعي “من طلب العلا سهر الليالي ومن رام العلا من غير كد أضاع العمر في طلب المحال”.

وهذا النص الحوار كاملا:

من هو عثمان بن عفان، هل هو صحابي زمانه؟

عثمان بن عفان باحث مغربي المولد، يشتغل في الحكومة الفيدرالية مع الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء (ناسا). ويقود حاليًا فريقًا من العلماء والمهندسين الذين يطورون سبائك وآليات متطورة لهياكل الطيران والفضاء.

وعُرف عثمان بأبحاثه في مجال سبائك ذاكرة الشكل، وعمله معروف على نطاق واسع في المجتمعات العلمية.

عثمان أيضا، يعمل كرئيس المنظمة الدولية للذاكرة الشكلية والتقنيات فائقة المرونة (SMST) ، وهي جمعية مهنية يقودها عدد من المتطوعين، وتعمل على تعزيز التعليم ونشر المعرفة بين المخترعين ورجال الأعمال والعلماء والمهندسين والأكاديميين الذين يعملون باستخدام المواد الذكية.

كيف اننتقل عثمان بن عفان من المغرب إلى أمريكا؟

ازداد عثمان بين عفان سنة 1983 بمدينة طنجة، وكانت شهيته مبكرة في تطبيق الأعمال الهندسية واليدوية، وهاجر المغرب سنة 2001، بعدما حصل على البكالوريا بميزة مشرف من ثانوية مولاي يوسف التقنية.

وبعد التخرج مباشرة، سافر عثمان إلى الولايات المتحدة لمتابعة التعليم العالي وتحقيق رؤية بعيدة النظر للتخرج من الجامعة والانتقال إلى عالم الهندسة.

وبعد رحلة طويلة وغامضة إلى أورلاندو، فلوريدا، لم يمض وقت طويل قبل أن يستقر واقع عثمان الذي ترك عائلته وذهب إلى أماكن وأوجه غير مألوفة، حيث أن الأمر لم يكن أبدا سهلا، لاسيّما مع لغة جديدة وتقاليد غريبة.

ومع ذلك، فإن الدعم المستمر لشقيق عثمان الأكبر، وحبه ودعمه لوالديه وأخواته في الوطن، وقبل كل شيء إيمانه الراسخ، سمح له بمواصلة المهمة والتركيز على الصورة الأكبر في المستقبل.

وتمكّن عثمان من العثور على وظائف وضيعة لدفع الفواتير والالتحاق بمدرسة محلية لتعلم اللغة الإنجليزية وبدء بعثته المدرسية بنجاح، كما وجد عثمان أن الانتقال إلى كلية أمريكية كان وضعا مريحا، خصوصا فيما يتعلق بدورات الرياضيات والعلوم، بسبب التعليم الرائع الذي حصل عليه في المدرسة الثانوية.

ويعتقد عثمان أنّ الالتحاق بالمدارس الثانوية العلمية والتقنية ذات التخصصات ساعدته بشكل كبير على الاندفاع إلى عالم الهندسة، ثم ذهب عثمان إلى جامعة “سنترال فلوريدا” حيث حصل على درجة البكالوريوس ثم الماجستير مع مرتبة الشرف في الهندسة الميكانيكية وعلوم المواد.

وبينما كان يعمل في وظيفة يومية كفني كهربائي في سنة 2012، حصل عثمان على درجة الدكتوراه في الهندسة الميكانيكية من خلال أطروحة بعنوان: “عمليات التشوه وتحول الطور في سبائك الذاكرة ذات الأشكال عالية الحرارة ومتعددة البلورات”.

ما هي أهم أبحاثك وإنجازاتك العلمية؟

يرتكز عمل عثمان في وكالة “ناسا” على البحث والتطوير في المعادن الوظيفية الجديدة، والمعروفة باسم السبيكة المتذكرة للشكل أو الأشابة المتذكرة للشكل، لتحسين أداء الطيران التجاري في جميع أنحاء العالم مثل تقليل السحب الكلي الذي يؤدي إلى انخفاض استهلاك الوقود، وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون (CO2).

والمواد التي يطورها عثمان، هي أيضا عوامل تمكين لتكوينات الطائرات الجديدة التي يمكن أن تزيد من استقرار الرحلة مما يؤدي إلى طيران أكثر أمانا في بيئة الفضاء، ويرتكز عمل عثمان على مشغلات خفيفة الوزن لنشر الأجهزة مثل الهوائيات، والألواح الشمسية، والأذرع الروبوتية، وما إلى ذلك، والأجهزة المستقلة للإدارة الحرارية مثل المشعات والمفاتيح.

وينطبق هذا الأمر كذلك على الأقمار الصناعية، والأدوات، والمركبات الفضائية، وفي الغالب يعمل عثمان على صياغة سبائك جديدة من خلال التحقيق في تفاعل المستوى الذري لعناصر مختلفة، والتركيب الكيميائي للخليط، والتنبؤات اللاحقة بالخصائص الميكانيكية والحرارية.

كما يقوم عثمان بتصنيع السبائك ومعالجتها في مختبرات “ناسا” التي ساعد في بنائها، ثم اختبارها في البيئات الحرارية والميكانيكية لتقييم الأداء.

وأخيرا، تُستخدم السبائك لبناء آليات فريدة لاستخدامها في الهياكل الفضائية البارزة، كما ساهم عثمان بأكثر من 50 منشورا في المجلات العلمية وشارك في أزيد من 30 مؤتمر وطني ودولي.

ويحمل عثمان أيضا العديد من براءات الاختراع التي أكسبته جائزة (R & D100) المعترف بها كـ”جائزة الأوسكار للابتكار” لتكريم رواد البحث والتطوير العظماء وأفكارهم الثورية في العلوم والتكنولوجيا.

كما حصل عثمان على العديد من الجوائز المرموقة، ومن أبرزها: جائزة التوظيف المبكر الرئاسية للعلماء والمهندسين، التي تمنح للعلماء الذين بدأوا حياتهم المهنية العلمية الفردية بعمل استثنائي، وتم تسليمها من طرف الرئيس أوباما في عام 2016.

وهذه الجائزة تمثل أعلى وسام تمنحه حكومة الولايات المتحدة لمهنيي العلوم والهندسة في وقت مبكر مراحل وظائفهم البحثية المستقلة. كما ظفرت بميدالية “آبي سيلفرشتاين” التي منحها مركز أبحاث “الناسا” جلين في 2018 لمساهمات بحثية بارزة مع تطبيقات عملية.

وفُزت أيضا، بجائزة إنجاز المواد الهندسية التي تمنحها (ASM International) في سنة 2019 تقديراً للإنجاز المتميز في أنظمة المواد المتعلقة بتطبيق معرفة المواد على الهيكل الهندسي. كما حصل عثمان وفريقه مؤخرًا على ميدالية الإنجاز الفضية المرموقة لعام 2020 لإنجاز نجمي يدعم واحدا أو أكثر من القيم الأساسية لـ”ناسا”، والتي وافق عليها مدير ناسا ذاته.

ما هي الوصفة السحرية التي أوصلت عثمان بن عفان من شاب فقير عادي يقطن بأحد أحياء مدينة طنجة الفقيرة إلى قائد لفريق من العلماء والمهندسين بوكالة “ناسا” الأمريكية؟

في زمن الصبا، كنت مثل أي طفل مغربي نموذجي، يلعب كرة القدم في كل زاوية من زوايا الحي، ويدور “الترومبية” أو الخذروف في الزقاق، أو يلعب الكُجَّةُ أو “البي” في الوحل مع أقرانه، إضافة إلى العديد من الحكايات والنوادر التي أحتفظ بها لنفسي ضمن ألبوم ذكريات الطفولة وأعتز بها كل يوم أشد الاعتزاز، وأعتقد جازما أنها المسؤولة عن بعض من إنجازاتي العلمية المتواضعة.

إن مساندة والدي في مراحل التعليم المبكرة كانت بمثابة حجر الأساس، وكانت النصائح الإيجابية والمشجعة بلا توقف التي تمطرني بها العائلة مثل الوقود، دون أن أنسى تفاني والدتي في العمل وفي الأخلاق كانت بمثابة نموذج مثالي يحتذى به.

صراحة، تلقيت خلال مشواري الدراسي تشجيعًا كبيرًا من لدن والدي الداعمين لي منذ الطفولة المبكرة، حيث أنهم ضحوا بالكثير من الوقت والجهد لتمهيد ورسم الطريق لي ولإخوتي ليكونوا قادرين على التركيز في الدراسة.

وهي مناسبة أغتنم فيها الفرصة من خلال منبركم الإعلامي، لأوجه فيها رسالة إلى الآباء، بتقاسم المعرفة والتعليم مع أبنائهم في المراحل الأولى، إذ أن الاهتمام بتعليم الطفل، أو مده بالمكافآت البسيطة للحصول على درجة جيدة، أو تشجيعه بمجرد كلمات طيبة، يمكن أن يخلق الفارق ويقطع بالطفل أشواطا طويلة نحو النجاح.

إن التعليم المركّز مع التخصصات يخدم الطفل بشكل جيد. ففي وقت مبكر كنت أراقب ما تصنعه يد والدي من خلال بعض الإصلاحات المنزلية وغيرها، أراقب وأتعلم من بعيد، وشغي بتلك الأعمال جعلتني أختار الثانوية التأهيلية مولاي يوسف التقنية بطنجة لتتشكل مسيرتي المهنية فيما بعد.

ونصيحة للطلاب هي استكشاف العديد من الموضوعات، والتوجه نحو ما يتناسب مع اهتمام المرء أو صقل موهبته، وهذا بالطبع، يتطلب العمل الجاد في المدرسة واتباع أخلاقيات العمل المستقيمة.

بدوري ثابرت وكافحت وسط قلة الفرص، وكان طريق مليئا بالأشواك والعقبات ولا يحتمل، لكن الشيء الوحيد الذي لم أتحمله هو الاستسلام أمام العقبات، لأنني كان مصمماً على إتمام اللعبة إلى ما لا نهاية، نحو مستقبلي، وفي بعض الأحيان يكون من السهل الاستسلام والمضي قدمًا والتذمر لاحقًا.

لم أكن قادراً، في وقت ما، على شراء سيارة أقودها لمسافة 50 كيلومتراً إلى العمل كل يوم، لذلك كنت استقل عدة حافلات لمدة تزيد عن ساعتين ذهابًا وإيابًا للذهاب إلى العمل، لكنني لم أستسلم.

وعندما لم أكن قادراً على تحمل نفقات المدرسة، كنت عمل لأكثر من 10 ساعات خلال النهار وبالليل أذهب إلى المدرسة، وعندما أغلق الباب رقم عشرة في وجهي، وبدا كل شيء مستحيلًا، لم أستسلم، بل طرقت الباب رقم 11 واستمريت في الطرق إلى أن بلغت هدفي.

ماهي رسالتك للشباب المغربي، خاصة أولائك الذين يتذمرون من قلة الفرص ويستسلمون للظروف في نهاية المطاف؟

رسالتي للجميع هي الاستمرار وعدم الاستسلام، فإذا “لم تُقاتل من أجل حلمك فلا تبكي إذا خسرته”، وإيماني بالله هو الذي جعلني أستمر بلا توقف إلى حد الآن.

وقد وجدت قوتي في أسرتي التي شجعتني باستمرار وفي إيماني بتحقيق أهدافي، وعلى الرغم من عدم وجود أي مفاجأة هنا، إلا أن الإيمان يلعب دورًا رئيسيًا في كل هذا.

ورسالتي إلى الشباب المغربي هي الصلاة والإيمان، والسير في طريق الصالح والابتعاد عن الطريق الطالح، ولا تتعثر، إذا بدت الأمور أكثر وعورة فقط واصل وصلِّ أكثر.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي