مقال خص به العالم الفلكي المغربي عاشور حماد جريدة “بناصا” الإلكترونية
تؤكد الحسابات الفلكية أن الاقتران سيحدث يوم الخميس 23 أبريل على الساعة الثانية وخمسة وعشرين دقيقة (02:25) صباحا حسب التوقيت العالمي، وبالتالي فإن أول يوم شهر رمضان هو الجمعة الموالي.
أما بالنسبة لعيد الفطر، فسيقع الاقتران يوم الجمعة 22 ماي المقبل على الساعة الخامسة وثمانية وثلاثين دقيقة مساء (17:38) حسب التوقيت العالمي، وهو ما يعني أن عيد الفطر، على المستوى الفلكي، سيكون يوم السبت الموالي.
هذه النتائج قد لا تجد من يؤيدها، لأن أسئلة متكررة لا تزال تطرح مع اقتراب الأعياد الدينية في العالم الإسلامي وشهر رمضان كذلك؛ أسئلة من قبيل: لماذا يواجه المسلمون صعوبة في تحديد بداية هذه المناسبات الهامة؟، وما سبب بداية الشهر القمري في تواريخ مختلفة رغم أن الدول الإسلامية تقول إنها تعتمد على الحساب الفلكي؟، وكيف قدم علم الفلك حلا لهذه المعضلة منذ قرون؟.
ويبدأ الشهر القمري على المستوى الفلكي في اللحظة التي تكون فيها الشمس والقمر والأرض في خط مستقيم، مع وجود الشمس والأرض على الجانب الآخر من القمر، وهو ما يطلق عليه اسم “الاقتران”، وهذا يحدث كل شهر في لحظة واحدة في جميع أنحاء الأرض، مع الأخذ بعين الاعتبار فارق التوقيت من منطقة إلى أخرى.
ولا يمكن مسبقا أن نعرف بدقة متى يمكن رؤية الهلال بعد بداية الشهر القمري، نظرا لعدة عوامل فيزيائية وجغرافية، وكذا ظروف المراقبة المحلية، خاصة حالة الطقس، التي تؤثر على الرؤية الواضحة. ويمكن تحديد لحظة الاقتران بالحساب الفلكي قبل عدة سنين وبدقة عالية بخطإ أقل من ثانية مائوية.
واعتمدت كل الحضارات عبر التاريخ على الرؤية البصرية لتحديد الشهور القمرية، لأنها كانت الوسيلة الوحيدة آنذاك، لكن مع تطور علم الفلك حسمت في هذا المجال باستثناء العالم الإسلامي الذي لايزال يعيش على إيقاع الخلافات الفقهية المتمحورة حول الاختيار بين الحساب الفلكي أو الرؤية.
ولايزال هذا العالم لم يحسم أمره بالاعتماد على الرؤية، ويطرح تساؤلات حول “هل الرؤية ينبغي أن تكون محلية أو جهوية أو بين الدول القريبة أو عالمية أو بالعين المجردة أو عبر التلسكوب؟”. وما يزيد الطين بلة ارتفاع منسوب الرؤية السياسية للأمر والشك في النتائج العلمية للتخصصات المهتمة بهذا المجال، خاصة علم الفلك.
هناك مؤسسات وجمعيات ومراكز “فلكية” تنشر بيانات تحت عناوين علمية يوقّع عليها علماء الفلك حول بداية أو نهاية رمضان والأعياد الدينية بناء على “الحساب الفلكي”.
ويطرح السؤال حول سبب وجود اختلاف في تحديد هذا الشهر، علما أن علم الفلك يشكل منطلقا للإجابة العلمية على السؤال؟
المشكلة تكمن في أنه لا تزال المقترحات الحالية من التقويم الإسلامي تعيش حصارا في كنف معيار الرؤية اللازمة ومعايير هندسية أخري تعود أصولها إلى البابليين، منها عُمُر الهلال بعد الاقتران، والزاوية بين الشمس والقمر، والبعد العامودي للقمر عن الأفق، والفترة الزمنية بين غروب الشمس والقمر، وغيرها من الشروط التي وضعت للتنبؤ حول امكانية أو استحالة رؤية الهلال.
إن هذه المعايير لا تتسم بالدقة، وغير متناسقة ومعقدة وليست دائمة، وبالتالي أدى تعددها واختلافها من دولة إلى أخرى إلى حدوث اختلاف كبير في تحديد بداية الشهر.
ومن هذا المنطق، فإن الحساب الفلكي لا يعتبر مسؤولا عن هذه النتيجة الخاطئة لأنه لا يخبرنا بدقة وبشكل قطعي برؤية الهلال، بل على بداية الاقتران أي بداية الشهر القمري، وهو ما يؤكد أن كل محاولة للتوفيق بين رؤية الهلال والحساب الفلكي تؤدي إلى الفشل.
هناك فقهاء بارزون عبر التاريخ أصروا على اعتماد الاقتران بداية الشهر القمري، لكن للأسف مازال الذين يتبنون اعتماد الرؤية أو الحساب الفلكي للتنبؤ بها هم المهيمنون على الواقع الحالي لدول العالم الإسلامي، باستثناء ليبيا (سابقا) التي تعد الدولة الوحيدة التي حاولت تطبيق هذا المنهج العلمي الدقيق.
ويظهر أن هذا الاستثناء لن يتعمم نظرا لوجود ضغوط قوية تمارسها بعض الدول الغنية والقوية لدفن هذا الحل الدقيق.
وللتذكير، فقد حدث الاقتران يوم الاثنين 3 يونيو 2019 (على الساعة 10 ودقيقة واحدة صباحا حسب التوقيت العالمي)، وبالتالي يوم عيد الفطر على المستوى الفلكي كان يوم الثلاثاء الموالي.
وأعلنت الدول المعتمدة على الرؤية العالمية أن عيد الفطر كان يوم الثلاثاء 4 يونيو 2019، في حين تراجعت دول إسلامية ومؤسسات دينية عن الاحتفال بعيد الفطر إلى يوم الأربعاء 5 يونيو 2019، المعلن مسبقا قبل ذلك بشهور، في حين ذكرت دول أخرى (جمهورية مالي مثلا) أن عيد الفطر كان يوم الاثنين 3 يونيو 2019، أي قبل وقوع الاقتران!، بتزامن مع خطإ دول إسلامية في تحديد يوم العيد، برصدها كوكب عطارد بدلا من الهلال، باستثناء المغرب الذي احتفل بالعيد يوم الأربعاء 5 يونيو 2019، أي يومين بعد الاقتران.
وكخلاصة، يمكن القول إن الحل الطبيعي والعلمي لهذه المشكلة المتكررة سنويا تكمن في تبني الاقتران كبداية للشهور القمرية، كما هو معروف في علم الفلك، وإلغاء الرؤية البصرية سواء بالعين المجردة أو عبر الأجهزة الحديثة، مما سيمكن كل مسلم من برمجة حياته وعبادته عبر توقيت دقيق ومسبق، دون تدخل من قبل المؤسسات الدينية، مثلما هو الشأن في تحديد أوقات الصلاة باستعمال التقويم الشمسي.
*أستاذ علم الفلك في جامعة أوسلو بالنرويج
تعليقات الزوار ( 0 )