الدماء التي سالت عقب نهاية مباراة الجيش والمغرب الفاسي، وأعمال والعنف ومشاهد الهراوات التي لاحقت عددا ممن ينتسبون ظلما إلى الجمهور الرياضي، هي إعلان صريح عن فشل كل التدابير التي اتخذت من اجل احتواء ظاهرة الشغب الرياضي التي باتت تتجاوز الملاعب لتروع المواطنين، وتمد يد التخريب للممتلكات العامة والخاصة بالشوارع.
لقد سبق التنبيه إلى أن حل هذا المشكل أكبر من أن يختزل في المقاربة الأمنية من خلال إنزال اكبر عدد من ممكن من القوات العمومية، ونشر التعزيزات قرب الملاعب.كما تبين ومن خلال الأحداث التي عرفتها هاته المباراة أن كل الإجراءات والتدابير الاستبقائية التي أعلنت في وقت سابق والتي كانت خلاصة اجتماعات حضرتها جميع الأطراف المعنية، لم تفعل بالشكل المطلوب، كما لم تحظى بأي تتبع ومواكبة من اجل الوقوف على النواقص وتداركها، والنتيجة هي ماعايناه في هاته المباراة وفي مباريات أخرى.
نحن أمام عينة لا تلج الملعب للاستمتاع بفريقها، بقدر ما تبحث عن قناة لتصريف غضبها وإحساسها بالإقصاء، وهي عينة مشكلة في الغالب من مراهقين و شباب يعانون من فراغ وكبت يراكم فيهم كما هائلا من الطاقة السلبية.طاقة تخريبية يجتهدون للبحث عن اقرب مناسبة لتفريغها بسلوكات مفرطة في العدوانية،و ذلك بعد استباق المباريات باستهلاك جميع أنواع المخدرات وترديد شعارات من” السمطة لتحت”.
الرياضة أصبحت صناعة وتجارة تدر مداخيل بالمليارات على الدول التي تعرف كيف تحول الفرجة إلى مال بفضل جمهور يحضر للملعب لكي يستمتع ويكسر روتين الحياة اليومية، لا أن يكسر كل ما امتدت يده إليه، ويحول المعلب لساحة حرب لمجرد أن فريقه انهزم، أو لأن التخريب والعنف أصبح بالنسبة اليه لغة تواصل،و ووسلية لإثبات الذات وخلق الاحتفالية. الخلاصة أن ما حدث في مباراة الجيش والمغرب الفاسي هو نتاج حتمي لترسبات متراكمة من الكراهية والعدوانية التي تسللت إلى رياضة كرة القدم من بوابة” التشجيع”، والتي أنتجت لنا سلوكات إجرامية غير مسبوقة.لقد صرنا أمام لغة تحريض دموية توظف فيها الأسلحة البيضاء والإيذاء العمدي تحت غطاء دعم الفريق المفضل، والتنقيص من منافسيه، او الرد على هزائمه، وهو شكل جديد من العنف والانحراف الذي يتغذى للأسف من تصرفات وتصريحات بعض المسؤولين المحسوبين على المشهد الرياضي، كما أن العصابات التي تتبنى هذا النهج يتم شحنها بالأسلوب العدائي الذي تدبر به عدد من الوقائع، والأحداث، والخلافات التي يفترض أن تبقى في إطارها الرياضي ما دمنا إزاء لعبة فقط.
اليوم صار ارتداء قميص فريق معين، أو حمل شارته، خطرا قد يعرض صاحبه لاعتداء بالسلاح الأبيض، أو حتى محاولته تصفيته كما وقع بالدار البيضاء وسلا والرباط ومدن أخرى، وهو انفلات خطير لم يتم التعامل معه بالجدية الازمة من طرف القائمين على الشأن الرياضي في ظل الاتكال على المقاربة الأمنية الصرفة التي لن تنجح حتما في استئصال هذه الطفرة الجديدة من العدوانية التي تقوم على الانتقام من الآخر بدون سابق معرفة.
إن الأمر قد يخرج حقا عن السيطرة ما يستدعي إعلان تعبئة عاجلة لتطهير التشجيع الرياضي من هذا الشذوذ النفسي، والسلوكي، الذي بدأ يزحف على عقلية المشجعين، انطلاقا من مواقع التواصل الاجتماعي ليستقطب المزيد من الأتباع.هي مسؤلية تقع على عاتق جميع المتدخلين في اللعبة، كما أن “الالترات” يجب أن تتحمل جزءا من هذه المهمة، حتى لا نجد أنفسنا بعد وقت قصير أمام “حرب عصابات”، و”غزوات ثأر” داخل الأحياء، بعد أن صارت السيوف و”الكاطورزات” أدوات مفضلة لبعض المدمنين والحمقى لمناصرة فرقهم المفضلة.
تعليقات الزوار ( 0 )