بعد حوالي ثلاثة أسابيع على بدء مهامه على رأس الحكومة المغربية، يعيش عزيز أخنوش، على وقع ارتكاب مجموعة من الهفوات التي وصفت بـ”القاتلة” بدايةً بأسرع تعديل حكومي في تاريخ البلاد، والذي أزيحت بموجبه وزيرة الصحة نبيلة الرميلي، لتُعوّض بخالد آيت الطالب، بعد ستة أيام فقط من تعيينها، ومروراً بالارتباك الذي لاحق تقديم قانون المالية، ووصولا إلى ما عرفته أولى رحلاته الخارجية.
لم تتوقف هفوات رئيس الحكومة الجديد، الذي كانت شريحة واسعة من المغاربة تعلّق عليه الآمال في أن يصحّح أخطاء سابقيه، عند الأخطاء التدبيرية فيما يتعلق بالشأن العام، بل وصلت إلى المسّ بهيبة الدولة المغربية، والثوابت التي ظلت أغلب الحكومات السابقة توليها الأهمية القصوى على المستوى الداخلي والخارجي.
أخنوش والانحناء.. وهيبة الدولة
في أول رحلة خارجية لأخنوش بعد توليه رئاسة الحكومة، وضع رئيس التجمع الوطني للأحرار، هيبة الدولة على المحكّ، عندما انحنى لولي عهد السعودية محمد بن سلمان، في واقعة أثارت الاستغراب والغضب في آن واحد، خصوصاً أن رئيس الحكومة المغربية، حلّ بالرياض ممثلاً للملك محمد السادس.
واعتبر نشطاء، أن الانحناء احتراماً لملوك المغرب، وإن كان من ضمن مميزات الثقافة بالمملكة الممتدة لقرون طويلة، إلا أنه ليس من عادة رؤساء الحكومة في البلاد، أن يقوموا بتحية من هذا النوع لممثلين عن دول أخرى، بل إن وفوداً من المغرب نفسه، وأقل شأناً من الناحية السياسية من ثاني رجل في هرم الدولة، سبق وحلّت بالسعودية والتقت بملوكها دون أن تنحني لها.
وسبق لوزير الخارجية المغربية، ناصر بوريطة، أن التقى بكلّ من ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده محمد بن سلمان، دون أن ينحني لهما هو الآخر، حيث اكتفى بالتحية باليد، وهو ما زاد من موجة الغضب على مواقع التواصل الاجتماعي، سيما مع محاولة البعض الدفاع عن سلوك أخنوش، عبر استحضار مجموعة من الصور لمسؤولين عالميين وهم ينحنون لبعض الملوك أو الأباطرة.
أخنوش “يتخلى” عن الصحراء في أولى رحلاته الخارجية
لم يكن الانحناء الفضيحة الوحيدة التي ارتكبها أخنوش أثناء حضوره لفعاليات “منتدى مبادرة السعودية الخضراء”، وقمة “مبادرة الشرق الأوسط الأخضر”، حيث شارك في المؤتمر الأخير، والتقط صوراً برفقة خارطة المغربية منقوصةً من صحرائها، دون أن يصدر منه أي رد فعل، بل أكثر من ذلك، قام رئيس الحكومة المغربية، بتعليق خارطة البلاد من دون أقاليمها الجنوبية، على صدره.
ورغم موجة الجدل الكبيرة التي صاحبت صورة أخنوش وهو يحمل خارطة المغرب مبتورة على صدره، بالإضافة إلى صورته وهو يقف مع المشاركين وخلفهم تظهر خارطة المملكة من دون صحرائها، إلا أن رئاسة الحكومة، وحتى وزارة الخارجية، ظلّت صامتةً دون إصدار أي توضيحات بخصوص هذا الأمر الذي وصفه البعض بـ”الخطير”.
رئيس الحكومة لا يبالي بغياب الصحراء!
في دورة الألعاب العربية بالدوحة سنة 2011، نشر المنظمون صورة للمغرب من دون صحرائه، فتسبب الأمر في ردات فعل دبلوماسية، وتكرّر الأمر في منتدى الدوحة الاقتصادي سنة 2012، ليتدخل الوزير مصطفى الخلفي، ما دفع المشرفين للاعتذار عن الأمر وتصحيحه، قبل أن تعود خارطة المملكة المنقوصة للظهور في السعودية، خلال مهرجان سينمائي، لتتدخل وزارة الثقافة السعودية وتصححه.
عكس الوقائع السابقة، لم يصدر أي ردّ فعل من طرف أخنوش، الذي لم يعرب عن أي احتجاج بخصوص الخارطة، واكتفى بإلقاء الكلمة المعدة سلفاً، الأمر الذي جعل العديد من المتابعين، يعتبرون أن رئيس الحكومة، “لا يعرف شكل خارطة المغرب حتى يحتج”، فيما قال آخرون إن “الخطوط التي تشكَّل بها شعار القمة، ساهمت في عدم انتباهه”.
هل كان يتطلب الأمر احتجاج أخنوش؟
وفي هذا السياق، قال إدريس بنيعقوب الباحث في العلوم السياسية، في تصريح لجريدة “بناصا”، إن “الخطأ الذي ارتكبه أخنوش في قبوله برسالة مرئية في مؤتمر دولي كبير الذي عقد في السعودية ببتر خريطة المغرب، وفصل الصحراء عن باقي تراب المملكة، هو خطأ جسيم وخطير على عدة مستويات ويحتمل عدة تفسيرات موضوعية”.
وأضاف بنيعقوب: “نتذكر كيف أن الراحل عبد الرحمان اليوسفي عندما كان وزيرا أولا أوقف أشغال مؤتمر عقد في ليبيا ترأسه القذافي حينها جمع دول الساحل والصحراء. أوقفه بطريقة احتجاج على القذافي شخصيا بشكل مباشر أثناء إلقاء الكلمات، وبقوة، وطلب منه تصحيح ترجمة التصريحات لأن بعضها تضمن كلمة الصحراء الغربية، وبذكائه أثناء استمعال سماعة الترجمة رغم أن الكلمات كانت باللغة العربية”.
وأوضح أن اليوسفي “كان يدرك مخططات تمرير هذه الرسائل باللغات الأجنبية للحاضرين غير العرب، وفعلا استجاب له القذافي وتم تصحيح الوضع، وهذا جواب على بعض المعلقين الذين تساءلوا هل كان ينبغي على أخنوش أن يوقف المؤتمر من أجل تصحيح الخريطة”، متابعاً: “بالفعل كان يجب عليه فعل ذلك قبل الدخول للقاعة لأنها مسألة مصيرية لأمة ولبلد بأكمله دونها الموت”.
وأردف بنيعقوب في تصريحه للجريدة: “في الحقيقة تساؤلات هؤلاء المعلقين الذين قال بعضهم إن الأمر ليس مفروضا على أخنوش، هم من يريدون أن يطبعونا مع الصهاينة الذين لم يعاهدوا عهدا إلا نقضوه يريدون أن يعودونا كل يوم على ذلك، واليوم يريدون أن يطبعونا مع خريطة المغرب مبتورة بدون صحراء”.
بوريطة مسؤول أيضا عن الواقعة
واسترسل: “المستوى الأول هو أن هذه القمة منظمة في دولة عربية شقيقة تعرف التراب المغربي جيدا، وتعرف حجم التحدي بشأن الوحدة الترابية للمملكة، وتعرف مدى تشبث المغرب بقدسية أرضه، وكان يفترض أن تدقق الخريطة جيدا تفاديا لسوء الفهم ولأي خلافات كما وقع سابقا حين نشر قناة العربية بتقرير صحفي عن المغرب بدون صحرائه”.
وأبرز الباحث في العلوم السياسية، “أن وزير الخارجية بوريطة مسؤول هو أيضا، وكان يفترض في وزارة خارجية المغربية، أن تكون على اطلاع بكل محتويات المؤتمر من رسائل مرئية بصرية وغيرها، وإشعار رئيس الحكومة مسبقا، كما وقع مع انسحاب بنكيران من جنازة الرئيس الجزائري السابق الشاذلي بن جديد التي حضرتها عناصر من البوليساريو”.
وواصل بنيعقوب: “المستوى الثاني هو أن هذه القمة الدولية حضرتها الجزائر، وبالتالي ممكن استغلال الفرصة لتوجيه ضربات للمغرب، وأيضا حضرها مندوبون كبار عن القوى العظمى عن الولايات المتحدة الأمريكيه التي نطالبها بالوفاء بتعهد إدارتها بفتح قنصلية في الداخلة، وإتمام الاعتراف بمغربية الصحراء، مما يضعها ويضع القضية الوطنية أمام تناقضات وتراجعات كبيرة بحضور رئيس حكومة المغرب”.
غياب التكوين السياسي يفوت التدقيق في التفاصيل
وزاد: “التفسير الأول هو خطورة وضع شخصيات تقنوقراط على رأس قطاعات حكومية كبيرة بما في ذلك رئاسة الحكومة، وزراء لم يناضلوا، ولم يتدرجوا في التنظميات السياسية، ليس لهم تكوين سياسي، ليست لهم خلفية فكرية وسياسية، يتميزون فقط بصفة خبراء أو رجال أعمال، وبالتالي لا يتمتعون بالقدرة على فهم الرسائل السياسة مصورة أو مكتوبة أو غيرها، ولا يهتمون بالتفاصيل السياسية التي تمرر وتكون قاتلة إعلاميا وسياسيا على صورة المغرب”.
أما التفسير الثاني، يقول بنيعقوب: “هو افتراض وجود اختراق سياسي للقمة، أو وجود ضغط جزائري ومن معها لتوجيه هذه الرسالة السياسية للمغرب من قلب دولة شقيقة عبرت بالأمس القريب في الأمم المتحدة عن تشبتها بالوحدة الترابية للمغرب”، متابعاً: “هذه الصورة لخريطة المغرب مبتورة هي جزء من خطاب المؤتمر وجزء من رسائله وأهدافه الجغرافية”.
وشدد الباحث في العلوم السياسية، على أنه كان يتعين “تصحيح الوضع قبل ولوج أخنوش للقاعة، على الأقل كان مفروضا فيه عدم وضع الشارة التي تحمل شعار المؤتمر على صدره فوق قلبه مباشرة، فهل لم يكن لديه دقيقة لتأملها أو الاستشارة بشأنها، أو يطلع عليها قبل وضعها، وهي كالقنبلة فوق جسده، أم أن الشخص ليس له عقل سياسي ينتبه به، ولا تهمه هذه التفاصيل حتى وإن ارتدى شئيا ضد ثوابت بلده التي يترأس حكومتها، بل وأقسم أمام الملك على خدمتها وصيانتها والدفاع عنها”.
واستطرد: “‘إذا أضفنا إلى ذلك انحناءة أخنوش المعيبة أمام ولي عهد السعودية، وهو يمثل ملك البلاد والمملكة المغربية بتاريخها الممتد، ونحن نتذكر يوم توقف الملك عند بوابة مؤتمر قمة المناخ بباريس حتى خرج لاستقباله الرئيس الفرنسي فرانسوا وهولاند، والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون حينها، لأن الملك يدرك أنه يمثل أمة عريقة تنحني لها ولرموزها ولمن يمثلها الدول المستحدثة وليس العكس”، مختتماً: “يحدث كل هذا ونحن في زمن الصورة وخبراء الصورة ورمزية الصورة التي سبب ارتجاجات في أنظمة بأكملها”.
صورة الملك على الأرض.. أولى زلات أخنوش
زلات أخنوش الكبرى، التي جعلت العديد من المحللين السياسيين يعتبرون غير مناسب لمنصب رئيس الحكومة، لم تبدأ بعد خلافته للعثماني، حيث سبق له خلال أحد مقاطع الفيديو التي تحدث فيها عن التعاونيات النسائية في المناطق القروية، أن وضع صورة الملك على الأرض، مثيراً، وقتها، زوبعةً من الغضب على “السوشيال ميديا”.
واعتبر نشطاء أن أخنوش، بهذا التصرف، قلّل من الاحترام الواجب لشخص الملك، بعد وضعه صورته على الأرض، بدل تعليقها على الحائط كما جرت العادة في العرف السياسي المغربي، مؤكدين أن إقدامه على هذا السلوك يعدّ “جرأة كبيرة على الملك، وهو أكبر دليل على أنهم كايحيدو الصورة ديال الملك مباشرة بعد انتهاء التصوير..”.
تعليقات الزوار ( 0 )