أماط مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، المفتش العامّ لما يسمى بـ”الأمن الوطني”، بجبهة البوليساريو الانفصالية، اللثام، عن معاناة الصحراويين المغاربة القاطنين شرق الحزام الأمنيّ، بعد طردهم من قبل “قيادة الرابوني”، عقب إعلانها استئناف الأعمال القتالية ضد المغرب، شهر نوفمبر من سنة 2020.
وقال ولد سيدي مولود، إن “حرب الصحراء كانت التجلي الأكبر للحرب الباردة. فقد كان من قضاء الله أن يتم الإعلان عن وقف إطلاق النار في نزاع الصحراء في نفس السنة 1991، التي أعلن فيها عن انتهاء الحرب الباردة التي كانت تقسم العالم بين شرق بئيس تحكمه ديكتاتوريات تتبعه الجزائر البوليساريو. وغرب مترف ينعم بالديمقراطية يتبعه المغرب”.
وأضاف القيادي السابق في “البوليساريو”، أن الصحراويين، ورثوا عن هذه الحرب “عائلات مقسمة بين المغرب والجزائر، وأرض مقسمة بين شرق الحزام وغربه”، متابعاً: “بعد وقف إطلاق النار في الصحراء عاد الكثير من صحراويي المخيمات في الجزائر إلى مواطنهم غرب الحزام في العيون والسمارة والداخلة وبوجدور في المغرب”.
وأوضح أن العائدين “وجدوا قراهم التي هجروها منذ قرابة عقدين قد توسعت وصارت مدنا تتوفر على كافة مقومات الحياة الكريمة. و لم يجدوا صعوبة في الاندماج في مجتمعاتهم من جديد، فقد هيأ لهم المغرب كل الوسائل من البنى التحتية إلى السكن والمعاش والعمل”، مسترسلاً: “بينما عاد الكثيرون من المخيمات إلى مرابعهم شرق الحزام في بير لحلو وتفاريتي ومهيريز وميجك وآغوينيت”.
وأردف أن هؤلاء “وجدوا أرضهم هي ذات الأرض كما تركوها منذ هجرتهم منتصف السبعينيات، ولم يجد هؤلاء من يمد لهم يد العون لاستعادة حياتهم الطبيعية ويعيشوا بكرامة، رغم تواجد مقرات نواحي البوليساريو العسكرية الخامسة، والثانية، والرابعة، والثالثة، والسابعة، والأولى، في مناطقهم”.
ما اضطرهم، يضيف ولد سيدي مولود، لـ”أن يبدؤا حياتهم من الصفر في مناطق قاحلة بالكاد تتوفر على آبار مياه أغلبها مالح. فنصبوا خيامهم من جديد على جنبات أودية زمور وفي سهوب تيرس، وعادوا تدريجيا لحرفة الأجداد في تربية الماشية لكي يتمكنوا من إعالة أسرهم، رغم ما في ذلك من صعوبات بسبب ضيق مساحات الرعي وندرة الأمطار وعدم وجود أسواق قريبة للتزود بالمؤن”.
وواصل مصطفى سلمى: “أما المدارس والمستشفيات فكانت آخر ما يهمهم”، متابعاً: “وما عدا بضعة أطنان من المواد التموينية أرسلها لهم محسنون وفاعلو خير مغاربة، عبر موريتانيا سنة 2013، لدعم صحراوي شرق الحزام بعد أن ألمّ بهم الجفاف. لم تقدم لهم أية جهة حكومية أو غير حكومية أي شكل من أشكال المساعدة على مدار العقود الثلاثة الماضية رغم تعدادهم الكبير”.
حتى أن قطاعات البوليساريو العسكرية المتواجدة في مناطقهم، يوضح القيادي السابق في الجبهة، “يفضلون بيع الفائض من مؤنهم التي تأتيهم شهريا من الجزائر في الأسواق الموريتانية البعيدة على أن يساعدوهم بها أو يبيعوها لهم”، مردفاً: “لذلك عاش سكان شرق الحزام على طول الشريط الفاصل بين الحزام الدفاعي المغربي والحدود الموريتانية معتمدين على سواعدهم، وما تجود به السماء على مناطقهم”.
وتابع، أن هؤلاء، في بعض الأحيان يكونون جيران مع “القواعد العسكرية المغربية وتسرح ماشيتهم على جنبات الحزام، لدرجة أن يضطر الجنود المغاربة إلى التدخل لإبعادها حتى لا تدخل بيوتهم”، مسترسلاً: “وأحياناً تضطرهم ندرة الكلأ إلى دخول الأراضي الموريتانية المحاذية. وإن كانوا يفضلون الأراضي القريبة من الحزام التي ألفتها ماشيتهم وحتى يبقون في اتصال مع أقاربهم في المخيمات عبر شبكة اتصالات المغرب التي توفر خدمة الاتصالات الوحيدة في تلك المناطق فكل حاجياتهم تأتيهم من بعيد (مؤن، مازوت، اعلاف)”.
مع مرور الزمن، يسترسل مصطفى سلمى: “تكيف سكان مناطق شرق الحزام مع وضعهم الجديد، وأصبحوا الممول الأول لسوق الماشية في المخيمات التي تبعد عنهم بمئات الكيلومترات، وفي مواسم الأمطار تستقبل مناطقهم آلاف الأسر تخرج من المخيمات للاستجمام”، مردفاً: “وتعايشوا مع جنود البوليساريو الذين تتواجد قواتهم في مناطقهم ومع الجنود المغاربة في الحزام”.
وأشار إلى أنه، لم يحدث “أن حصلت أية حوادث بينهم عدا عن حالة إطلاق نار واحدة استهدفت سيارة رباعية اقتربت من الحزام. ونسوا النزاع وتجاذباته. حتى أعلنت البوليساريو تنصلها من اتفاقية وقف إطلاق النار. وطلبت منهم المغادرة بحجة أن تلك المناطق باتت خطرة. فعادوا لحياة اللجوء والهجرة من جديد”.
لكن هذه المرة إلى أراض جديدة في موريتانيا، يقول القيادي السابق في الجبهة الانفصالية، حيث “لم يعد أي منهم إلى المخيمات، فالبوليساريو التي أصبحت حياتهم مهددة بسبب حربها، وتتوفر قواتها على قوافل من الشاحنات لم تكلف نفسها عناء مساعدتهم في الرحيل، ولم تفكر في ما سيحل بهم ولا إلى أين سيذهبون”.
وأبرز أنهم “إن عادوا بقطعانهم ‘لى المخيمات، فهم يعلمون أن الجزائر لا تسمح لغير حاملي جنسيتها من الصحراويين بالتكسب والعمل خارج رقعة المخيمات الضيقة التي لا توجد بها فسحة للرعي، وسيخسرون تعب 3 عقود من الكد”، مردفاً: “وما زال صحراويو شرق الحزام منسيين كما كانوا من قبل رغم الكارثة الإنسانية التي حلت بهم جراء حرب البوليساريو المعلنة ضد المغرب”.
ونبه إلى أن صحراويي شرق الحزام، “يدفعون ثمن هجرتهم للمخيمات التي تتخذها البوليساريو والجزائر علامة تجارية لاستدرار الدعم والاستمرار في معاندة المغرب. فلم تتحدث وسائل إعلام البوليساريو والجزائر عن محنتهم رغم فبركة التلفزيون الجزائري في وقت سابق من هذا العام لحادثة ادعى فيها أنها آثار قصف مغربي لبيوت عائلات صحراوية شرق الحزام ما أدى إلى تضرر ممتلكاتهم و نزوحهم”.
وأرفق مولد سيدي مولود، تدوينته، بصورة لمنزل والدته المتوفية، في بلدة امهيريز شرق الحزام، مختتماً: “رغم ما يشاع عن استهداف المسيرات المغربية للمدنيين في تلك المناطق، فلم يتعرض أي من منازل المدنيين التي تعد بالمئات لقصف مغربي رغم انها باتت مهجورة. ولا حتى مقرات القيادة العسكرية للبوليساريو القريبة من مساكن المدنيين”.
تعليقات الزوار ( 0 )