إن استقراء المعطيات المتاحة إقليميا ودوليا يبين أن الخط الديبلوماسي المغربي تصاعدي من حيث الفعالية والنجاعة، ويحضى بالجدية والمصداقية، وأن المغرب بدأ يحصد العائد السياسي وثمار الدبلوماسية الملكية المرتكزة على إحداث الفعل، وإطلاق وتنفيذ المبادرات والانفتاح حتى ولو على ألذ الخصوم، والتواصل معهم في مجالات متعددة بمنطق نفعي براجماتي متبادل، ودون عقدة ولا مركب نقص، وملء الكراسي واعتماد المسطرة التواجهية للإقناع وتصحيح المفاهيم والمغالطات.
وأن بلوغ المغرب لهذه المرتبة ضيق الخناق على الخصوم الشيء الذي جعل البوليساريو تصادق في مؤتمرها الخامس عشر على قرار مراجعة مشاركتها في عملية السلام التي ترعاها الأمم المتحدة.
وصرح إبراهيم غالي في حوار مع الصحفي الايطالي ستيفانو مورو Stefano Mauro في جريدة il manifiesto الايطالية بتاريخ 29 يناير في ما معناه أن البوليساريو فقدت الثقة في الأمم المتحدة، وأن خيار الحرب ليس مستبعدا، وعلى الأمم المتحدة ضمان مسؤولية الإقليم إذا كانت تريد تجنب حرب في المنطقة.
فالبوليساريو تهدد بوضع حد للعملية السياسية التي آمنت أنها تسير حتما لصالح المغرب. وفي هذا الإطار وجهت رسالة إلى مجلس الأمن تضع فيه خمس شروط لإعادة الثقة في عملية السلام. وجعلت في المقدمة شرط التعجيل بالشروع في عملية سياسية حادة تنتهي بحل سياسي ناتج عن استفتاء“شعب الصحراء” بين مجموعة من الخيارات، فهو بمثابة محاولة لفرض استفتاء على الأمم المتحدة، رغم فشل الأخيرة في تحديد الجسم الانتخابي كركن أساسي في أية استشارة شعبية، وتفرض بالتبعية مبادرتها بالاستفتاء بين خيارات الاستقلال والحكم الذاتي والانضمام.
أما الشرط الثاني في رسالة البوليساريو فيرتكز على ضرورة استئناف المفاوضات المباشرة بين طرفي النزاع؛ وتحصرها في المغرب والبوليساريو فقط، أي أنها ترفض خلاصات مجلس الأمن بإقليمية النزاع، وجماعية الحل وتأثيره على التنمية والأمن والاستقرار الذي تربح منه المنطقة المغاربية كاملة.
أما بخصوص الشرط الثالث؛ ويتلخص في طلب البوليساريو من مجلس الأمن كفالة التقيد الكامل والصارم بشروط وقف إطلاق النار والاتفاقات العسكرية ذات الصلة، وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، وعينها في ذلك هو طلبها بإغلاق ممر الكركارات، تحت زعم أنه لم يكن موجودا من ذي قبل.
الشرط الرابع تطلب فيه استعادة بعثة المينورسو لكامل صلاحياتها وضمان حريتها واستقلاليتها، وتطلب معاملتها للأطراف على قدم المساواة. ولم تتردد في الإفصاح عن خلفياتها المرتبطة بهذا الطلب، إذ تطلب صراحة إجراء لقاءات أممية مع قادتها في المنطقة العازلة، من أجل شرعنة تواجدها في المنطقة، وتأكيد زعم أنها “أراضي محررة“، والقول بأن الأمم المتحدة تعترف ضمنيا للبوليساريو بسيادتها عليها.
أما الشرط الخامس فيتجلى في طلب البوليساريو من الأمم المتحدة الإعلان عن مسؤوليتها على الإقليم بمبرر أنه مندرج ضمن لائحة الأقاليم غير المحدد وضعها النهائي، والغرض من ذلك هو التشكيك في سيادة المغرب للإقليم وسحب أوجه ممارسة هذه السيادة في التصرف في مقدرات الإقليم التي تتم في تنميته ولصالح الساكنة وفقا للرأي القانوني الأممي وبشرعية تاريخية ورجحان قانوني.
ويبدو من شروط البوليساريو أنها تعجيزية وغير معقولة؛ لأنها لا تنسجم مع خلاصات التحقيقات التي باشرتها الأمم المتحدة منذ إعلان قرار إشرافها على تدبير النزاع 1991، و خلاصات واستنتاجات بحثها لعناصر وسبل وشروط ومواصفات الحل؛ والتي استقرت على تلك الواردة في القرارين 2448/2018 و 2468/2019 في كون الحل توافقي سياسي واقعي وعملي.
وهو الذي يسميه مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة والجمعية العامة بضرورة مراعاة التقدم المحرز. فعمليات وتحقيقات ومجهودات تحقيق السلام والوصول إليه تراكمية في منطقها وليست قطيعة ابستيمولوجية، وهو ما يصنف رسالة البوليساريو طوباوية في جوهرها وفوضوية هدامة في فلسفتها وفي أبعادها.
وتضع البوليساريو نفسها في مأزق حقيقي، فهي من جهة تنتهك قرارات مجلس الأمن وتخرق وقف إطلاق النار بتواجدها في المنطقة العازلة، ومن جهة أخرى فهي تتحمل وحيدة المسؤولية عن ما قد ينجم من تطورات عن أفعال الاستفزاز العسكري سواء في إطار تنظيم أنشطة في المنطقة العازلة وأعمال قطع طريق الكركارات، أو في إطار ما سمي بوضع خطط القتال العسكرية لسنة 2020 في بئر لحلو أو في إطار قراراتها بنقل منشآت إدارية إليها وغيرها.
لا شك أن النزاع مقبل على محطات حاسمة، وفي مراحله النهائية، وأن مواصفات الحل جلية، ومعروفة وموثقة في قرارات ولوائح الأمم المتحدة، وأن النزاع إقليمي وله علاقة مباشرة بالتنمية والأمن والاستقرار في المنطقة المغاربية كاملة. وهو ما لا ترضى به الجزائر والبوليساريو ويدفعون في اتجاه التأسيس لواقع جديد مفاده استنفاذ السياسة لعملها، وأن ذلك حسب اعتقادهم يفرض عليهم محاولة فرض واقع جديد.
وإن هذه النوايا تفرض على المغرب الحفاظ على ضبط سرعة ونجاعة النسق الديبلوماسي ، وفي نفس الوقت اليقظة والحذر في الميدان بالاستعداد والاستنفاز والتعبئة لمواجهة أسوأ الاحتمالات الذي قد يباغته للتغلب عليه، والانتصار عليه والحسم النهائي بضم وحيازة كل إقليمه شرق الجدار، فالحرب تبقى مزاجا بشريا خالصا يعزز منها إحساس البوليساريو والجزائر بضياع كل الأوراق. والكركارات تبقى دائما منفذ الخطر .
*محامي بمكناس وخبير في القانون الدولي، قضايا الهجرة ونزاع الصحراء
تعليقات الزوار ( 0 )