طريقٌ تجمعُ المشعوذين والدجالين والمواطنين العاديين، تحيطُ بها هالةٌ من الأقاويل التي تناقلها الخلف عن السلف، على رأسها أنها ذات صلة بعالم الجن، سبيلٌ ممنوعةٌ قانونياً، ومنبوذةٌ مجتمعياً، إنها طريق التّنقيب عن الكنوز والآثار في بواطن أرض المغرب.
يُرجع خبراء أسباب تواجد الكنوز تحت الأرض، إلى لجوء الأُسر والعائلات لدفن نفائسها تفاديا للاستيلاء عليها خلال الحقب التاريخية المغربية التي تميزت بالتقلبات الأمنية والسياسية ولغاية عهد الاستعمار الفرنسي والإسباني.
الجنة في الجنوب!
وينتشر التنقيب عن الكنوز المدفونة تحت الأرض في مجموعة من المناطق المغربية، وخاصة بالجنوب، وتختلف طرق العثور على النفائس، بدءاً من التقليدية منها التي يتصدرها المشعوذون والدجالون الذين غالبا ما يأمرون باختطاف الأطفال الزهريين، لمساعدتهم على طرد الجن الذي يحرس الكنز، كما تتحدث الأقاويل المأثورة، ووصلاً إلى استعمال آلات رصد المعادن.
صيد بشري قبل المادي!
“أسوء ما قد يعترض الطفل الصغير في الطريق صائدو الكنوز، قد تكون آخر مرة يرى فيها والديه وحيه”، هكذا يقول سعيد، الذي أخذ من اسمه الكثيرَ، فقد كان اسماً على مسمى حين نجى بأعجوبة من محاولة اختطاف في صغره، قيل إنها جاءت من طرف الباحثين عن الكنوز.
سعيد أوضح في حديثه لـ”بناصا”، بأن حياته كادت تنتهي فجأة، “كنت وقتها في الثامنة من عمري، ألعب مع الأطفال في أحد الدواوير، وقفت سيارة سوداء من نوع ميرسيديس، سوداء اللون، أخرج أحد ركابها رأسه، كان يضع نظارات سوداء، ويردتي جلبابا، وطلب مني القدوم ليعطيني الحلوة، ذهبت إليه”.
وتابع المتحدث نفسه وهو يتصبب عرقا وكأنه يعيش اللحظة من جديد:”حين اقتربت منه كان أحد جيراني على مقربة من السيارة، لم ينتبهوا له، فحاول الفقيه، أو دعني أقول المشعوذ، لأن شكله يوحي بذلك، أن يجذبني للسيارة فصرخت وجاء جاري الذي كان خلف السيارة مباشرة، بسرعة، ما جعلهم يتركونني ويفرون”.
يرى سعيد بأن صائدي الكنوز مجرمون لابد من إنهاء وجودهم بشكل كامل، فبالرغم من أنه نجى إلا أنه، وقتها، سمع بأن أطفالا غيره ممن يتميزون بصفات “الزهري”، اختطفوا في مناطق مختلفة من المغرب، ويرجح بأن يكون الباحثون عن نفائس الأرض، من يقفون وراءها.
حكايات الناجين و”الغايب حجتو معاه”
يروي سعيد لـ”بناصا”، ما كان ينتظره لو نجحت عملية الاختطاف، وهي تفاصيل أخبره بها والده بعد أيام من الواقعة، في محاولة منه لدفعه لتجنب الذهاب إلى أي شخص يطلب منه المجيء ليعطيه شيئا ما:”كنت سأذبح وأقدم قربانا للجن، لأنهم يطلبون من المشعوذ أن يأتي بشخص زهري لكي يسمحوا له بأخذ الكنز”.
وتشير روايات أخرى نُقلت على لسان أطفال “زهريين”، اختطفوا ثم عادوا إلى أهلهم بعد فترة، بأنه يتم أخدهم إلى المكان حيث يوجد الكنز، ثم يضعون تميمة في كفهم، ويُطلب منهم المشي، وبعدها يسقطون فجأة، فيكون الكنز في النقطة التي سقطوا فيها، قبل أن يعيدوهم لأهلهم، فيما تبدو الحكاية الشعبية الأولى، الأقرب، بالنسبة للأشخاص أقل من سن العاشرة، الذين اختفوا من دون رجعة.
لسنا جميعا مختطفين!
“لسنا سوى محبين للبحث عن الكنوز والتنقيب عن جواهر الأرض”، هذا ما قاله محسن، وهو اسم مستعار لصائد كنوز، رداً على من يصفهم بمختطفي الأطفال، حيث يضيف بأن “هناك مشعوذين يقومون بهذه الأمور، ولكني، صدقاً، يستحيل أن أفعلها، فأنا أبحث عن النفائس هوايةً، ولأني أحب كل ما هو قديم من آثار ومآثر وقطع نقدية وغيرها”.
وتأسف محسن على جمع هذه الطريق لفئة عريضة من المشعوذين والدجالين والمجرمين، قبل أن يضيف وهو يُشعل سجارته وينظر للسماء:”أعلم بأن ما أفعله ممنوع من الناحية القانونية، ويمكن أن أقع في قبضة الأمن في أي لحظة، ولكن متعة البحث وتشويقه ومغامراته يجعل من الصعب علي الابتعاد عنه، تماما مثل استحالة إقلاعي عن التدخين رغم علمي التام بأضراره”.
الفقيه والآلات الحديثة
وعن طريقة بحثه عن الكنوز في ظل عدم استعانته ورفاقه في الدرب بالمشعوذين يقول محسن:”نحن فريق مكون من 4 أشخاص، اثنان منا يحفظان القرآن عن ظهر قلب، وهما المكلفان بطرد الجن الذي يحرس الكنز”، منبها:”طريقة بحثنا ناجعة وسبق لنا العثور على مقصدنا في أكثر من مرة”، مشيراً إلى أن هناك بعض الأشخاص ممن يعرف:”لا يستعينون لا بمشعوذ ولا فقيه، بل يبحثون بالآلات فقط”.
ويملك أحد زملاء محسن، ممن جمعهم هوس البحث عن الكنوز، آلة لكشف المعادن، اقتناها من السوق السوداء، لأنها ممنوعة في المغرب، ويهربها البعض مع سلع أخرى قادمة من أوروبا، من أجل إعادة بيعها لصائدي الكنوز، وهي حسب المتحدث “تسهل مأمورية البحث كثيرا، لأنها تعطي إشارة بمجرد المرور فوق أرض تحتها معادن”.
قصة طريفة!
وتابع محسن وابتسامة مفاجئة تعلو محياه: “تذكرت ذات مرة، كانت من المحاولات الأولى لي في هذا الميدان، أعتقد قبل حوالي 15 سنة، ذهبت برفقة زميلين لي، بعد أن أقنعتهما بأن هذا الطريق سيجعلنا أغنياء في وقت قصير، في إحدى الليالي المقمرة، إلى أحد الأماكن التي قيل لي إن بها كنزاً مدفوناً، ومباشرة عقب وصولنا، سمعنا بعض الأصوات الغريبة في كهف مجاور”.
وأضاف الشخص نفسه بعد أن تحولت ابتسامته إلى ضحكةٍ: “فجأة بدأ شخص ما يضربنا بالحجارةِ، ربما كانوا جناً، لأننا لم نر أحدا، فقط الصخور تتساقط علينا.. أطلقنا العنان لأقدامناَ ولم نتوقف لغاية ابتعادنا عن المكان بنحو كيلومتر واحد، بعدما أصيب أحد زميليّ بكدمات في قدمه.. جلسنا قليلا وتحول الخوف من الموقف إلى نوبة من الضحك، ثم غادرنا صوب بيوتنا”.
واصل محسن بأن تلك الواقعة كانت الأولى والأخيرة بالنسبة لزميليه، غير أنه استمر في الميدان، وكسب خبرة أكبر، بعد أن نجح في استخراج الكنوز في أكثر من مناسبة، على حد قوله في حديثه لـ”بناصا”.
تعليقات الزوار ( 0 )