Share
  • Link copied

سوريا ليست هي المغرب!

حجم الخراب الذي تركه نظام المجرم بشار الأسد في مناطق واسعة من سوريا التي استعادها الشعب السوري الأبي بعد أكثر من نصف قرن من الألم والمعاناة يؤكد أن وحشية هذا النظام وجبروته فاقت كل التوقعات من خلال انتهاكاته الجسيمة لحقوق الإنسان ومن خلال حجم الدمار الذي خلفه في الكثير من المدن والارياف التي تحولت إلى أطلال وركام من الاسمنت!

الدمار الذي نشاهده من خلال القنوات الفضائية وفي مواقع التواصل الاجتماعي وعبر أشرطة الفيديو التي يصورها السوريون بهواتفهم المحمولة لا يختلف في شيء عن الدمار الذي خلفه الجيش الصهيوني في لبنان وفي قطاع غزة بل يمكن القول أن الصهاينة كانوا أرحم في اجرامهم من إجرام شبيحة بشار الأسد الذي مورس على السوريين في سجون هذا الجلاد الذي ظل لربع قرن من الحكم يمارس إرهابه على السوريين أمام أنظار المجتمع الدولي الذي كان يكتفي بالإدانة!

لم أكن أتصور يوما أن المجرم بشار الأسد هو قاتل الزعيم الدرزي كمال جنبلاط ولم أكن مقتنع يوما بأن النظام السوري هو من يقف خلف اغتيال رفيق الحريري رحمه الله وفق ما صرح به أحمد الحولاني أمام وليد جنبلاط ولكن شاءت الاقدار أن تظهر اليوم الحقيقة جلية ساطعة بعد سقوط نظام الأسد وتهاوي أركان حكمه الى الأبد!

لقد وصلت الوقاحة بهذا النظام الفاشي الى حد حرمان المواطنين في سوريا من الاستمتاع ببلدهم وهذا ما تأكد من خلال اندفاع آلاف السوريين نحو أعلى نقطة في جبل قسيون للاستمتاع برؤية دمشق من أعلى!

هذا المشهد البارونامي الجميل كان قبل أسابيع فقط حق مكفول لفئة قليلة من المجتمع السوري التي ترتبط بنظام الطاغية وبطانيته الفاسدة غير أنه الآن أصبح متاحا لكل الشعب السوري بمختلف طوائفه بعد سقوط النظام الأسدي!

الثورة السورية كشفت الوجه القبيح للنظام السوري ولحزب البعث الذي حكم سوريا لعقود من الزمن بشعارات الممانعة والقومية العربية كما كشفت أساليب المكر والخداع التي مارسها هذا النظام في سياسته الخارجية من خلال خطابات ممثله في الأمم المتحدة بشار الجعفري الذي كان يتفنن في البولميك وفي نسج الكلام الذي يسحر العقول والقلوب!

الغريب في الأمر، هو أنه رغم كل الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبها نظام الطاغية بشار الأسد، والتي تم الكشف عن جزء مهم منها في الإعلام وفي مواقع التواصل الاجتماعي، ورغم حجم الدمار الذي تركته شبيحة هذا النظام المجرم في نفوس ملايين السوريين، في الداخل والخارج، وفي عدد من المناطق السورية التي حولتها براميل النظام المتفجرة الى أكبر ركام من الاسمنت في الشرق الأوسط، لازال بيننا في المغرب من يحاول تبرير انتهاكات هذا النظام الجبان، بل منهم من يحاول إيهامنا بأن ما حدث في سوريا لا يقل بشاعة عما حدث ويحدث في عدد من الدول العربية مثل العراق وليبيا واليمن والمغرب خلال سنوات الجمر والرصاص!

صدام احسين لم يرتكب ما ارتكبه حافظ الأسد وولده من مجازر يندى لها الجبين، ومعمر القذافي لم يرمي شعبه بالبراميل المتفجرة، وحسني مبارك لم يورط الجيش المصري في حرب طاحنة مع الشعب المصري كما فعل السيسي، وصالح في اليمن لم يفر خارج اليمن عندما اشتدت المعارك بينه وبين الحوتيين، ومحمد السادس في المغرب لم يخرج الجيش من الثكنات للبطش بشعبه، ولم يطلق يد المخابرات لاعتقال واختطاف وتعذيب المطالبين بإسقاط الفساد والاستبداد!

ومادام أن الحالة المغربية تهمنا بحكم أن المدة التي قضاها الملك محمد السادس في الحكم مند وفاة والده الملك الحسن الثاني رحمه الله تماثل المدة التي قضاها الطاغية بشار الأسد الى حين سقوط نظامه الاجرامي المستبد فإن المنطق يقتضي استحضار محطات لها اهميتها ورمزيتها للمقارنة بين حاكم دمشق وحاكم الرباط.

حاكم دمشق فصل له تعديل دستوري على المقاس لكي يرث حكم والده بعد وفاة شقيقه باسل الأسد في حادث السير بالقرب من مطار دمشق الدولي وحاكم المغرب انتقل من ولاية العهد الى الملك بطريقة سلسلة وببيعة خاصة وعامة وفق أعراف وتقاليد الدولة المغربية المرعية..

حاكم دمشق لم يتدرب عن الحكم ووصوله الى كرسي الحكم كان بالصدفة بعد وفاة شقيقه في حين أن ملك المغرب كان وليا للعهد مند ولادته، وقد خضع لتربية خاصة لكي يكون ملكا في المستقبل تتماشى مع ثقافة وخصوصية الحكم في المغرب..

حاكم دمشق ورث عن والده تاريخا أسودا من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان دون أن يقوم بأي مصالحة وطنية لجبر ضرر ضحايا تلك الانتهاكات بل استمر على نهج والده وارتكب من المجازر ما لم يخطر على بال والده. أما حاكم المغرب الملك محمد السادس فقد كانت له شجاعة كبرى في طي ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من خلال احداث هيئة الإنصاف والمصالحة بغض النظر عن مآل العديد من التوصيات المنبثقة عنها والتي لازالت مطلبا حقوقيا في المغرب.

قبل وفاة الملك الحسن الثاني رحمه الله هيئ الظروف المناسبة لكي تتم عملية انتقال الحكم منه الى ولي عهده بطريقة سلسة والكل يتذكر احداث المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان والعفو عن المعتقلين السياسيين وعودة المنفيين الى المغرب وإجراء إصلاح دستوري في 1996 وتعيين حكومة التناوب في 1998.

لقد حدثت كل هذه الديناميات الحقوقية والسياسية في المغرب في وقت كان فيه الشعب السوري يعاني من بطش النظام الأسدي الذي حول سوريا إلى سجون سرية وافرع مخابراتية لم يستحييي النظام المجرم من إطلاق تسمية فلسطين على أبشعها!

لا ننكر أن المغرب كانت فيه سجون سرية ولا ننكر أن عددا كبيرا من المغاربة داقوا العذاب الأليم في قلعة مكونة ودرب مولاي علي الشريف وتازمامارت ولكن النظام في المغرب كانت له الشجاعة في التأسيس لتجربة العدالة الانتقالية في المغرب رغم كل النواقص بل قطع مع الأساليب التي كانت سائدة خلال سنوات الجمر والرصاص من اختطاف وتعذيب واختفاء قسري وقمع سياسي!

هناك تجاوزات وقعت خلال السنوات الأولى من حكم الملك محمد السادس (ملف السلفية) وقد كانت للملك كامل الشجاعة في البوح بها للصحافة الأجنبية. كما وقعت تجاوزات أيضا مند سنة 2017 ( حراك الريف وملف الصحفيين) وأنا لدي يقين كبير على أن المؤسسة الملكية ستطوي هذا الملف في القريب العاجل لكي لا يزايد أحدا على المغرب من الناحية الحقوقية!

أي مقارنة لنظام الحكم في المغرب بنظام الحكم في سورية هو ضرب من ضروب العبث بين نظام اختار التعددية وعمل مجهود كبير في مجالات متعددة للارتقاء بالبلد الى مصاف الدول النامية وبين نظام سياسي رمى شعبه بالبراميل المتفجرة وقتل وهجر ملايين السوريين دون أي رأفة وانتصر لطائفة دون باقي الطوائف!

دعونا من محطات 1958، و 1984، ومن حقبة السبعينات التي شهدت محاولتين انقلابيتين ضد نظام الحكم في المغرب، واتركونا نطرح الأسئلة التالية: هل شعر المغاربة يوما أن الملكية في المغرب طائفية وتخدم أجندة العلويين كما فعل النظام السوري المجرم؟ هل توجد اليوم في المغرب سجون مثل سجن صيدنايا يتعرض فيها المغاربة للتعذيب ويتم كبس جثتهم بعد الوفاة لإخفاء معالم الجريمة؟ هل توجد اليوم في المغرب مقابر جماعية للنظام؟ هل توجد أفرع أمنية ومخابراتية تختطف الناس من المقاهي والكليات والشوارع والسيارات والمنازل كما كانت الى الأمس القريب في سوريا الأسد؟

في عز الحراك خرج المغاربة في أكثر من 52 مدينة يرفعون شعارات قوية ضد الفساد والاستبداد تعامل معها النظام في المغرب بطريقة عقلانية باستثناء بعض التظاهرات التي تعرضت للقمع بخلاف ما حدث في سورية حيث أن جملة كتبها طفل اسمه حمزة الخطيب ” جاك دور يا دكتور” كانت كافية لكي يفقد الطاغية بشار الأسد عقله ويرتكب مجازر ابشع من مجزرة حماة!

ثقافة المغرب لا علاقة لها بثقافة الشرق الأوسط والخليج، ومستقبل المغرب غالبا ما يتم التأسيس له من خلال ربط الماضي بالحاضر، وهذا ما قام به الملك محمد السادس مباشرة بعد وصوله الى الحكم، عندما أطلق هيئة الإنصاف والمصالحة لطي صفحة الماضي الأليم رغم كل التواقص.

الوضع في سوريا لم يشبه في أي يوم من الايام الوضع في المغرب، والنظام السوري الذي كان “يتمسخر” على المغرب في إعلامه الموجه، وفي صحافته القذرة التي كانت تشتغل تحت إمرة الفروع الأمنية والمخابراتية، هو الذي انهار اليوم وتهاوى بشكل مثير للدهشة، في وقت يتمتع فيه المغرب بالأمن والأمان، وسيكون في وضع افضل مما هو عليه إذا تم القطع مع الفساد ومع أساليب التحكم التي يحن إليها البعض!

Share
  • Link copied
المقال التالي