يبدو أن قائد العمليات العسكرية في سوريا محمد الجولاني ليس له أي توجس من انتهاك الجيش الاسرائيلي لسلامة الاراضي السورية مند إعلان سقوط نظام الطاغية بشار الأسد وفراره الى روسيا التي منحته حق اللجوء الانساني رفقة أسرته لتأمين حمايتهم بعد أن اصبحوا بدون وطن وبدون شعب وبدون سلطة!
عندما تسأل الصحافة محمد الشرع حول توغلات إسرائيل في جبل الشيخ والقنيطرة ودرعة يرد الرجل بأن تركيزهم كقيادة عمليات عسكرية منصب حاليا على تطهير البلد من الميليشيات الشيعية وكأن ما يحدث في البلد أمر عادي جدا ولا مساس فيه بسيادة بلد عضو في الأمم المتحدة وله حدوده المرسمة وفق اتفاقات دولية!
ما نراه الآن من جولات مكوكية للدبلوماسية الأمريكية والاوروبية في الشرق الأوسط، وما نسمعه من تصريحات انبطاحية لقيادة العمليات العسكرية في الشق المتعلق بانتهاك الجيش الاسرائيلي لسيادة سورية، بالتزامن مع التحركات التركية على الحدود السورية التركية، أمور تؤشر على أن هناك طبخة كبيرة تطبخ لمستقبل سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، وأن القادم يمكن أن يكون أسوأ بكثير مما حدث في سوريا مند أكثر من نصف قرن، إذا لم يكن الشعب السوري يقظا خلال هذه المرحلة المفصلية من تاريخ بلاده!
في الوقت الذي تتوغل فيه قوات الجيش الاسرائيلي بكيلومترات داخل العمق السوري وتقترب من الحدود الأردنية، ويخرج رئيس الوزراء الاسرائيلي لالتقاط الصور وتقديم التصريحات حول مكاسب اسرائيل الجديدة، يتجه الجيش التركي أيضا نحو الحدود السورية التركية، مع كل ما يترتب عن ذلك من تهديد للأكراد، الذين سارعوا الى مناشدة الرئيس الجديد للولايات المتحدة الأمريكية، دونالد ترامب، للتدخل بسرعة خشية من تمدد القوات التركية في مناطق نفوذها، عوض مناشدة الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريس!
يبدو أن الأمور بدأت تتضح نسبيا، كما بدأت ملامح صفقة إسقاط النظام السوري تتكشف تدريجيا، لاسيما، وأن رد فعل قيادة العمليات العسكرية، التي تتحكم فيها تركيا وقطر من خلال الدعم العسكري واللوجيستي والإعلامي والدبلوماسي، لم تكن في مستوى انتظارات الشعب السوري، الذي عانى من القهر والظلم، وولدت الكثير من الشكوك لدى عدد كبير من الدول ولدى المراقبين أيضا!
من المفارقات الغريبة التي تم الوقوف عندها مند اعلان سقوط نظام المجرم بشار الأسد، أن الحملة الإعلامية على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى مستوى القنوات الفضائية وفي الصحافة، ركزت على مأساة السجناء في صيدنايا، وعلى المقابر الجماعية التي تم العثور عليها في عدد من الاماكن، وعلى مصانع المخدرات التي كان يديرها النظام السوري، وعلى قصص التعذيب التي تعرض لها الكثير من النشطاء مثل مازن حمادة والطفل حمزة الخطيب، في الوقت الذي تجتاح فيه إسرائيل يوميا مناطق استراتيحية داخل الأراضي السورية، وفي الوقت الذي تتحرك فيه تركيا وقطر أمنيا واستخباراتيا وعسكريا داخل البلد، وكأن سوريا دخلت مرحلة الحماية الدولية!
الادعاء بأن هناك أولويات ملحة اليوم لسوريا، وأن هناك جراح كبيرة تحتاج إلى تضميد، وأن البلد غير مستعد للحرب، لتبرير تصرفات الجيش الاسرائيلي، هو دليل قاطع على أن ما يقوم به الأتراك والصهاينة عبارة عن أجرأة وترسيم عملي لما تم الاتفاق عليه في الكواليس، للاطاحة بنظام حزب البعث الإجرامي في سوريا!
صحيح أن هذا النظام سلب من السوريين حريتهم وعرضهم لكل أشكال التعذيب والقتل والإرهاب من أجل ضمان استمراريته، ولكن، هل هذا مبرر لتفتيت سوريا وتحويلها الى منطقة نفوذ دولي؟
مناشدة الاكراد للرئيس دونالد ترامب ينبغي قراءتها بشكل عقلاني كدعوة للولايات المتحدة الأمريكية من أجل بسط نفودها على المناطق الحدودية مع تركيا بمبرر حماية الأقليات الكردية.كما ينبغي قراءة توجه الجيش الصهيوني نحو الحدود الأردنية السورية كمؤشر على وجود اتفاق مسبق على ذلك، وإلا، فما الذي دفع الأردن الى عقد لقاء قمة في النقب على عجل؟ وما الذي دفع الإعلام المصري والرئيس عبد الفاتح السيسي الى التحذير من خطورة ما يجري في سوريا، بشكل يوحي بان النظام في مصر خائف، وغير مرتاح لما يراه في الواقع من أحداث متسارعة تهدد أمنه واستقراره؟
الى حدود الآن يبقى الموقف المغربي مما يجري في سوريا موقفا عقلانيا (حرية الشعب السوري ووحدة سوريا وسلامة أراضيها) وفيه الكثير من الرزانة الدبلوماسية. كما أن تأخير فتح السفارة المغربية في دمشق على غرار ما قامت به دول أخرى لا يمكن فصله عن التوجس الذي عبرت عنه دول صديقة للمغرب في شأن مخرجات الثورة السورية.
الموقف المبدئي يقتضي دعم حرية الشعب السوري، ومباركة سقوط النظام الأسدي، ودعم حرية الشعب السوري الشقيق في تقرير مصيره بكل حرية ومن دون أي وصاية دولية أو إقليمية، وهذا ما عبرنا عنه بكل صدق في مقالاتنا السابقة التي تناولت الأوضاع في سوريا، غير أنه وفق مبادئ القانون الدولي، لا يمكن القبول بانتهاك سيادة سوريا من خلال المساس بسلامة أراضيها، ولا يمكن التماهي مع أي خرق للاتفاقات الدولية التي تبقى لها قدستيها!
الدول العربية والإسلامية مطالبة بدعم حرية الشعب السوري وحقه في تقرير مصيره السياسي بكل حرية من خلال انتخابات حرة ونزيهة منبثقة عن صناديق الاقتراع. كما أنها مطالبة باستنكار وإدانة أي تدخل اجنبي في سوريا سواء كان هذا التدخل عسكريا او سياسيا او اقتصاديا.
دعم الشعب السوري ينبغي أن يكون ضمن الإطار الذي تسمح به قواعد ومبادئ القانون الدولي، وخارج نطاق اي وصاية دولية أو إقليمية، لأن ما يحدث الآن في سوريا، وما يجري في كواليس اللقاءات والجولات الدبلوماسية المكوكية بين المسؤولين الغربيين والاوروبيين وحكام الخليج والشرق الأوسط، يثير الكثير من المخاوف المشروعة حول مستقبل سوريا بعد الأسد.
تكرار السيناريوا المصري في سورية محفوف بالكثير من المخاطر، وتكرار السيناريو الليبي لا يجدي نفعا في منطقة شديدة الحساسية، ويبقى الحل الأمثل هو ترك الحرية للشعب السوري في تقرير مصيره، من أجل إقامة نظام حكم مدني ديمقراطي، يرتكز على التعددية، وحكم القانون، والانتخابات الحرة والنزيهة، وعلى علاقات ودية مع محيطه الدولي والاقليمي، يكون القانون الدولي هو محددها ومرجعها الأساس.
تعليقات الزوار ( 0 )