شارك المقال
  • تم النسخ

استفزازات دبلوماسية وإعلامية رخيصة

خاطئ من يعتقد أن إسرائيل تعول فقط على خدمات رئيس مكتب الاتصال في الرباط، ديفيد غوفرين، الذي يقدم نفسه في بعض الأحيان كسفير لبلاده، دون أن يكون الأمر كذلك، وفق ما تنص عليه اتفاقية فيينا للعمل الدبلوماسي لسنة 1961.

الرجل لم يقدم أوراق اعتماده كسفير لبلاده في المغرب، ولم يحظى بأي استقبال ملكي بهذه الصفة، ومنصب رئيس مكتب الاتصال الذي أسند له، عبارة عن منصب بروتوكولي فقط، يندرج في إطار تفعيل اتفاق أبراهام. كما أن مكتب الإتصال في حد ذاته، يبقى تمثيلية دبلوماسية منخفضة، لا ترقى إلى مستوى بعثة دبلوماسية، حتى وإن كان رئيس هذا المكتب، يتمتع بالحصانات والامتيازات المخولة لجميع الدبلوماسيين، بموجب اتفاقية فيينا السالفة الذكر.

إسرائيل، لا تعول كثيرا على خدمات دبلوماسييها المعتمدين في البلدان التي تقيم معها علاقات دبلوماسية، بل تعول على خدمات لوبيات في تلك البلدان، تتمتع بنفود كبير في الصحافة، والاعلام، والسياسية، والقضاء، والأمن، والجيش، والمخابرات، والمقاولات، والأبناك، وغيرها من المؤسسات ذات الحساسية الكبرى، بالنظر لما يتوفر لإسرائيل من وسائل وإمكانيات ضخمة لاستقطاب المتعاونين، حتى لانقول العملاء، وفق تعبير التيارات المناهضة للتطبيع!

لا نقول هذا الكلام، من أجل تبخيس الأدوار التي يمكن لدبلوماسي صغير، من حجم ديفيد غوفرين، القيام بها من موقعه كرئيس لمكتب الإتصال الإسرائيلي بالرباط، بل نقوله من باب الرد على بعض المعارضين للوجود الإسرائيلي في المغرب، الذين بالغوا في تقدير الموقف من التطبيع مع إسرائيل، وطالبوا بإغلاق مكتب الإتصال بالرباط، مثل رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع أحمد ويحمان، الذي قال في تصريح صحفي : إذا لم يسقط النظام التطبيع فالتطبيع هو الذي سيسقط النظام، وكأن علاقة المغرب باسرائيل لم تكن قائمة من قبل!

هناك سياق دولي وإقليمي، هو الذي دفع السلطات العليا في المغرب، إلى إعادة فتح مكتب الإتصال، كآلية دبلوماسية مؤقتة، في أفق بناء علاقات دبلوماسية متكاملة، إن توفرت شروط ذلك، وفق ما تم التأكيد عليه في بلاغات الديوان الملكي، التي كانت واضحة تمام الوضوح في متنها.

لا شك أن ديفيد غوفرين، شخص غير لائق، وتصرفاته كرئيس لمكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط، تقطع الشك باليقين، بأنه يفتقد للخبرة في مجال الدبلوماسية، التي تبقى لها أصولها وقواعدها على مستوى الممارسة.

ومن هذا المنطلق، يمكن تسجيل ملاحظتين أساسيتين، حول البلاغ الذي صدر عن مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط، وأثار ردود فعل واسعة في صفوف بعض الأوسط المدنية والسياسية الرافضة للتطببع مع إسرائيل.

أولا: البلاغ فيه مزايدات رخيصة على توجه الدولة المغربية، التي أعلنت موقفها بكل وضوح، من القضية الفلسطينية، ومن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وذلك من خلال البلاغات الصادرة عن الديوان الملكي، قبل توقيع اتفاق أبراهام، وبعده أيضا.
ثانيا: استفزاز الشعور الوطني العام، على خلفية ما يقع الآن من عمليات عسكرية كبرى، بين إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية، والكل يعرف أن قادة حماس سبق لهم وأن زارو المغرب ( خالد مشعل، واسماعيل هنية) بناء على دعوات رسمية من جهات عليا بالمغرب، أو بناء على دعوات أحزاب سياسية بعد التشاور والتنسيق مع نفس الجهات.

بمقارنة بسيطة بين مضمون البلاغ الصادر عن مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط، وفحوى المقال الذي نشره الكاتب والإعلامي أحمد الشرعي” كلنا إسرائيليون”، سيستشف بكل يسر، أن هناك التقائية في عدد من الافكار الواردة في البلاغ والمقال ، وهو الأمر الذي يطرح أكثر من علامة استفهام، حول هذا التطابق الغريب في الافكار الأساسية، وحول الجهة المعنية برسائلهما الصريحة والضمنية؟

أعتقد، أن السياق الحالي للمواجهة المسلحة بين إسرائيل وفصائل المقاومةالفلسطينية، لا يسمح بإصدار رد فعل مغربي رسمي على بلاغ مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط ،لاسيما، وأن الدبلوماسية المغربية تواكب بحذر شديد، تصريحات كبار المسؤولين في الولايات المتحدة الأمريكية، المؤيدة والداعمة لإسرائيل، وترصد بشكل يومي تفاعلات الأمم المتحدة، والصين، وروسيا، والاتحاد الأوروبي، وتركيا، ودول الخليج، مع تطورات الوضع في قطاع غزة، وفي الأراضي المحتلة أيضا.

بلاغ مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط زلة دبلوماسية كبيرة من الجانب الإسرائيلي، وفيه استفزاز رخيص لثوابت الدبلوماسية المغربية، التي تدخل في نطاق المجال المحفوظ للملك محمد السادس، الذي يبقى رئيسا للدولة المغربية، وممثلها الأسمى بنص الدستور، إلى جانب صفته كأمير للمؤمنين، وكرئيس للجنة القدس.

أما بخصوص مقال أحمد الشرعي فما يعاب عليه أنه تحدث بنون الجماعة ومارس وصاية غير مقبولة على شعب الجزء الأكبر منه يرفض التطبيع مع إسرائيل ويرى في دعم القضية الفلسطينية ثابتا من ثوابت الدولة.

من حق أحمد الشرعي أن يكون له تقدير سياسي مختلف، لما قامت به حركة حماس وباقي فصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة يوم 7 أكتوبر، ومن حقه أن يرى في إسرائيل أمة ديمقراطية، وفي حماس تنظيم إرهابي، مادام أن حرية الرأي والتعبير مكفولة له بموجب الدستور والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ولكن ليس من حقه التحدث بنون الجماعة، وممارسة الوصاية والحجر على باقي الاراء المعبر عنها على المستوى الرسمي والشعبي، والمزايدة على الدولة المغربية التي تعرف ماذا تفعل وماذا تريد، ومن تستقبل ومن ترفض استقباله.

ليس هناك ما يمنع الدولة المغربية من اعتبار رئيس مكتب الاتصال بالرباط، ديفيد غوفرين، شخصا غير مرغوب فيه، طبقا لأحكام اتفاقية فيينا، غير أنني استبعد اللجوء إلى هذا الاجراء في الظرف الراهن، لاعتبارات موضوعية، مادام أن إسرائيل في حالة حرب. كما أن الدولة المغربية، لاتتسرع في إصدار ردود الفعل، عندما يتعلق الأمر بقضايا ذات أبعاد جيوبوليتيكية.

قبول المغرب بعودة ديفيد غوفرين إلى منصبه بمكتب الإتصال الإسرائيلي بالرباط، بعد الضجة التي أثيرت حوله، بسبب اتهامه بالتحرش الجنسي ضد موظفات بالمكتب، كان خطأ فادحا في تقدير الموقف الدبلوماسي من جانب المغرب، لاسيما، وأن الرجل راكم عدد من الأخطاء الدبلوماسية، مند تعيينه في هذا المنصب البروتوكولي. أتمنى تصحيح الوضع في المستقبل، لوقف الانزلاقات الدبلوماسية، واحترام ثوابت الدولة، واختياراتها، ومواقفها، وتوجهاتها على مستوى سياستها الخارجية.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي