بعد الاقبال الكبير، خلال فترة الحجر الصحي، لعدد من المعاهد والمدارس والشركات والمؤسسات الرسمية والهيئات السياسية والمدنية على استعمال تطبيق “زووم”، سواء لعقد اجتماعات “عن بعد” أو للتدريس أو لتنظيم حلقات نقاش حوارية وتواصلية، عممت المديرية العامة لأمن نظم المعلومات التابعة لإدارة الدفاع الوطني، بداية أبريل المنصرم، بلاغا تحذر فيه من استعمال هذا التطبيق في المحادثات المرئية، وذلك بسبب هشاشة نظامه الأمني، كونه يحتوي على ثغرات تسمح باختراق البيانات الخاصة بالهواتف والحواسيب واللوحات الذكية، وذلك عن طريق إرسال رابط لمستخدميه يستعمل للعبث في البيانات والتحكم في الميكروفون وكاميرا الأجهزة المثبت عليها التطبيق.
وبدوره حذر مكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكي، في وقت سابق، من الاختراقات التي قد يقع مستعملي ذات التطبيق ضحية لها، وذلك بعدما ثبت اختراق فصلين دراسيين أثناء استخدامه، كما نبه ذات المكتب المسؤولين والعاملين في مختلف القطاعات الحكومية من استعمال التطبيق نظرا لخطورته.
وبالرغم من ذلك، لا تزال عدد من المؤسسات المغربية والرسمية، والهيئات السياسية ومنظمات من المجتمع المدني مستمرة في استعمال ذات التطبيق، غير آبهة بتحذير المديرية العامة لأمن نظم المعلومات التابعة لإدارة الدفاع الوطني، حيث لوحظ الاقبال الكبير على استعمال التطبيق من طرف إدارات وشركات وأحزاب سياسية.
أمين رغيب، المختص والمستشار في حماية الأنظمة المعلوماتية، في تصريح خص به موقع “بناصا” الاخباري، أكد أن توقيت وسياق الوثيقة التي أصدرتها المديرية العامة لأمن نظم المعلومات له ما يبرره، نظرا للعدد الكبير من الثغرات التي ارتبطت بتطبيق “زووم”، مشيرا إلى أن “التطبيق لم يكن استعماله في قبل فترة الحجر الصحي بهذا الكم والاقبال الذي نشاهده اليوم، ونعلم أن الهاكرز يهتمون أكثر بكل منتوج تكنولوجي يحظى بالشعبية وبالإقبال عليه وكثرة استعماله، والشركة مالكة التطبيق وجدت نفسها أمام كم هائل من المستخدمين، وبالرغم من سعيها إلى تأمين التطبيق وتدارك الثغرات الموجودة، إلا أن الكثير منها لا تزال موجودة.
وبخصوص استعمال عدد من المؤسسات والإدارات الرسمية لتطبيق “زووم”، قال رغيب “إذا كانت رئاسة الحكومة مثلا ستعقد اجتماعا مع الوزراء يتبادلون فيه مجموعة من الوثائق الرسمية والتي قد تصنف في خانة “السرية”، أو أية إدارة أخرى أو شركة، فالتطبيق لا يعتبر الحل الأنسب، لأنه ليست لدينا ضمانات بأن المعلومات والوثائق التي يتم تداولها عبر هذا التطبيق سوف لن يتم اختراقها واستعمالها من طرف الغير بطريقة من الطرق”.
وبالرغم من عدم تفضيل الخبير في حماية الأنظمة المعلوماتية استعمال هذا التطبيق من طرف مسؤولين في الدولة أو في شركات مهمة، لأنه وبحسبه، “طالما توجد ثغرات فلا يمكن الحديث عن طرق للتقليل من احتمالية الاختراق، لكن إذا كان ولا بد من استعماله، فأنصح باستعمال مضاد لفيروسات الأنظمة المعلوماتية يتمتع بالقوة والشمولية في معالجته، ويتوفر على مجموعة من الخصائص والميزات التي تمكِّن من وقف كل ما يمكن أن يكون نقطة اختراق للجهاز المستعمل”، فقد اقترح برامجا بديلة تُوفر قدرا أكبر من الحماية والخصوصية مثل “google meet” التي أدخلت عليه شركة “مايكروسوفت” مجموعة من التحسينات ليستوعب ويتجاوب مع متطلبات المرحلة وحاجة الناس أكثر للاجتماع والتواصل عن بعد. “أما إذا كان عدد المستخدمين قليلا، فإن -واتساب- قد قام بتحديثات تسمح بالتواصل السمعي البصري الجماعي عن بعد، أعتقد، في حدود ثمانية أشخاص”، يصرح ذات المتحدث.
وارتباطا بما أفرزه انتشار وباء “كورونا” وفرض حالة الحجر الصحي من نقاش عمومي حول تشجيع المنتوج المغربي، فيرى أمين رغيب أن “النظام الرقمي أصبح ضرورة ملحة والدليل ما نشاهده اليوم من إقبال كبير على هذه البرامج وغيرها، ضاربا المثال بوزارة التربية الوطنية التي تم اختراق موقعها الرسمي من طرف يافعين، إضافة إلى ما تعيشه من إشكالية في متابعة التلاميذ والطلبة لدروسهم عن بعد، وهو ما لا تشتكي منه دول أخرى تتوفر على التقنية والبنية التحتية اللازمة للتعليم عن بعد”.
متأسفا، في تصريحه، لغياب الاهتمام بكل ما هو رقمي في المغرب، “وهذا لا يعكس أننا لا نتوفر على معرفة وكفاءة مغربية في المجال، بالعكس، المغرب يُصدِّر هذه الكفاءات إلى الخارج، وأعرف عددا كبيرا من الكفاءات المغربية التي تشتغل في مواقع مسؤولة في شركات ومؤسسات متخصصة في مجال الأنظمة المعلوماتية، في دول خليجية تحديدا، الفرق بيننا وبينها أنها آمنت بالتطور الرقمي وبالتالي تشتغل على تقوية حضورها فيه”.
وعند حديثه عن المنتوج المغربي في مجال الحماية المعلوماتية والصناعة الرقمية، أكد رغيب بالقول “لا نفتقر إلى الكفاءات بقدر حاجتنا إلى دعم ومواكبة الدولة لهذه الكفاءات المغربية، وحقيقة أتأسف أن شبابا مغاربة يقدمون تصورات رائعة ومبدعة لمواقع وتطبيقات وأنظم حماية في غاية الدقة والتطور والحماية الأمنية، لكنهم لا يجدون الدعم والمواكبة من طرف الدولة”.
لافتا الانتباه، في التصريح ذاته، إلى أن “الحرب اليوم لم تعد تلك الحرب التقليدية التي قِوامُها الأسلحة من رشاشات وصواريخ وغيرها، علينا أنفهم أننا وسط حرب رقمية، وأن هناك دول كثيرة تشن حروبا رقمية في غاية الشراسة على بعضها البعض، وهنا أتحدث على سبيل المثال فقط عن الحروب الرقمية التي تشنها الولايات المتحدة الأمريكية، وأيضا عن جمهورية الصين الشعبية التي لها شركات معلوماتية في العالم بما فيه المغرب، والتي تبين أكثر من مرة أنها تزرع رقاقات وبرامج تجسس رقمية في غاية الدقة والتطور في الأجهزة والخدمات التي تنتجها وتوزعها ما يمكّْنُها من تحليل ودراسة سلوكات الشعوب، وبالتالي دراسة سبل اختراقها اقتصاديا واستخباراتيا وثقافيا أيضا”.
خاتما تصريحه بالقول: “أرى أنه من غير المبرر أن نشاهد رئيس الحكومة وهو يستعمل برامج أجنبية في التواصل، عن بعد حيث يتم تداول مجموعة من المعلومات التي لا توجد ضمانات حول مآلها، وهي البرامج والتقنيات التي تكلف خزينة الدولة ميزانيات بالعملة الصعبة، في حين بإمكاننا أن ننتجها محليا بكفاءات وموارد مغربية، فنوفر من جهة العملة الصعبة، ومن جهة ثانية، يمكننا تصدير هذه الصناعة الرقمية إلى أسواق خارجية، خصوصا في إطار تعزيز علاقاتنا الاقتصادية والتجارية مع دول القارة الإفريقية”.
تعليقات الزوار ( 0 )