المرض خلل يعطل كليا أوجزئيا وظيفة من وظائف الجسم، والسفه خفة تعتري العقل فتخرج التصرفات عن مقتضى الحكمة،والتداوي من آفتي المرض والسفه واجب عيني بالتماس الدواء في حق المبتلين بالمرض، وكفائي بإيجاد الدواء في حق خاصة المتخصصين من أطباء الأبدان والعقول والقلوب، وسدا لذرائع انتشار الأمراض،وعملا بقاعدة ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب يختار الناس في حالات الضرورة الحجر الذاتي بوازع الضمير والقرآن،أو تفرضه الجهات المسؤولة عن تسيير البلد بوازع الجبر والسلطان،وإن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.
وإن ثمة فرقا بين المرض الذي يصيب آحاد الأفراد،وبين المرض الذي يمثل جائحة تصيب عامة الناس،وتهدد العدوى الأصحاء،ويظهر سفهاء الأحلام (العقول)،أحداث الأسنان(صغار السن)،قصار النظر أغرار (قليلو التجربة)، يتصدرون المجالس والمشاهد،ويُنَصبون أنفسهم مفتين،أو مناضلين،أو محررين،وهذا هو داء العقول الذي أعيى تَطلُّبه المُصلحين،ولعمري إن بروز أولئك السفهاء يعد من المنافع التي ساقها الله جل وعلا في قالب فواجع “كورونا” – (وهذا هو معنى اللطف أي سَوْق المنافع في قالب الفواجع) -:
– خلل في العقل ،ومرض في القلب،أن ينبري أناس باسم “الرقية الشرعية” للنصب على الناس باسم الدين،والدين المحرر (الإسلام) من ذلك براء،فيدَّعون شفاء الداء العضال،والمرض القَتَّال، لكنه النهم إلى المال عندما يعمي الأبصار،ويغشي العقول.
– خلل في العقل ومرض في القلب،هو عدم فك الارتباط بين الغيب- الذي يعد الإيمان به شرطا من شروط التقوى والإيمان (ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يومنون بالغيب)- والخرافية التي تُغمِض الأعين عن الأسباب والسنن والقوانيين التي وضعها الله في الكون،ولا يجامل سبحانه بشأنها أحدا لا مسلما ولا مسيحيا ولا يهوديا ولا ملحدا.هذا التفكير الخرافي جاءت رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم حربا عليه، إذ انكسف القمر في عهده صلى الله عليه وسلم ،وصادف الكسوف يوم موت ابنه إبراهيم،فقال بعض الناس انكسف القمر لموت إبراهيم،فقال عليه الصلاة والسلام: “إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، وإنهما لا يخسفان ولا ينكسفان لموت أحد من الناس أو لحياته”.
– خلل في العقل،ومرض في القلب،الخروج عن مقتضيات التعاون والتضامن والتكافل في هذه الظروف العسيرة والعصيبة، واللجوء إلى المزايدات السياسوية، وإشاعة خطابات الكراهية والعنصرية، بالطعن في معتقدات الجمهور، ومؤاخذته بجريرة وقِصَر نظر أفراد وأشخاص ،علما بأن تلك المعتقدات ليست “ماركة مسجلة” باسم حزب أو طائفة أو تيار.
– خلل في العقل، ومرض في القلب،التماس البطولة، وحب الزعامة والرئاسة بدعوة الناس إلى الخروج في مظاهرات تخالف قواعد السلامة العامة لضمان عدم انتشار “فيروس كورونا”، إما بدعوى ترديد “النشيد الوطني”، أو بدعوى “قراءة اللطيف”.
– خلل في العقل، ومرض في القلب، أن يحنَّ افراد من السلطة إلى التصرفات القمعية والحاطة من الكرامة الإنسانية في العلاقة بالمواطنين، بينما يقتضي واجب الوقت الرفق،دون استبعاد الصرامة مع “الجهال”، فضلا عن تصرفات أخرى تثير الشك في صدقية إجراءات السلطة للحد من انتشار الفيروس، فما معنى غياب الأمن عند خروج مظاهرات بطنجة وفاس ليلا، والسماح بتصويرها وبثها على مواقع التواصل الاجتماعي،إن لم يكن الهدف هو خلط الأوراق،وتبادل الاتهامات بشأن المسؤليات.
إننا نحتاج لتمريض هذه المرحلة إلى نبذ الخلاف، والتجمل بالصبر والتحمل، والتحلي باليقظة وبعد النظر، والالتزام الصارم بقواعد السلامة العامة،والتوجيهات الإدارية، والمرابطة في البيوت للاعتكاف في محراب العلم والعبادة،والالتفات إلى أطفالنا الذين أبعدنا عنهم الافتراضي والواقعي،والانشغال بالماهيات الحركية والتنظيمية،والتوجه بالدعاء إلى الباري سبحانه نستمطر رحمته لاستنقاذ أنفسنا والبشرية جمعاء من البلاء والوباء، وليحفظ جنود الخفاء من اطباء وممرضين ومنظمين.
احسن الله إليك
لقد اجملت ووفيت الموضوع حقه بطريقة علمية واسلوب رحيم ورفق وقوة خطاب ملفوفة في اذب