كغيرهم من رحل الجنوب الشرقي، يعيش رحل جبال صاغرو، في المجال الترابي لجماعة النقوب بإقليم زاكورة، حياة قاسية، وسط تضاريس جبلية، وعرة لم تذق طعم التنمية،سمتها الأساسية القحط وتدهور المراعي، مما أصبح يهدد حياة العشرات من الأسر المترحلة بالمنطقة ويهدد قطعان مواشيهم بالنفوق والموت، في حال لم تتدخل السلطات المعنية، في إيجاد حلول جذرية مناسبة، وتخفيف الإجراءات لهم لمواصلة عادتهم المعروفة، “الترحال” إلى مراعي الأطلس الكبير، بمنطقة أيت امحمد بإقليم أزيلال.
من هم رحل صاغرو بالنقوب؟
ينتمي الرحل بجبال صاغرو، في المجال الترابي لجماعة النقوب، إلى قبيلة أيت أونير النقوب (أحد الفروع الأصلية لقبيلة أيت عطا الشهيرة)، والتي سطرت بطولات تاريخية ضد المستعمر الفرنسي، وهي قبيلة أنجبت عدة مقاومين شاركوا إلى جانب عسو أوبسلام في دحر المستعمر، ونذكر على سبيل المثال المقاوم موحا أحمو أومعرير، وأوتاصرحانت وغيره من من شاركوا في تقديم الذخائر لرفاق عسو أوبسلام.
ويبلغ عدد هؤلاء الرحل ،حسب إحصائيات أولية لجمعية رحل صاغرو للتنمية (إطار جمعوي للرحل بمركز النقوب)، ما يقارب ال 50 أسرة، تعيش تحت الخيام، وفي ظروف قاسية جدا، وفي مجال لم تبقي فيه الظروف المناخية، لا عين ماء ولا مراعي خضراء.
جفاف كاسح، يهدد حياة الأسر والمواشي
كغيرها من المناطق، نالت جبال صاغرو ،معقل رحل أيت أونير،نصيبها من تداعيات التغيرات المناخية، التي شهدتها منطقة الجنوب الشرقي عموما، وجبال صاغرو بالخصوص، حيث قلت التساقطات، وجفت عيون المياه،و تدهور الغطاء النباتي، مما كان له انعكاسات خطيرة على حياة الأسر من الرحل، وقطعان مواشيهم المكونة بالأساس من رؤوس الماعز ،الغنم، والإبل، والتي تعتبر موردهم الأساس في العيش، ويفوق عددها إلا جمالي 10.000 رأس (رقم تقريبي فقط)، بالإضافة إلى العشرات من البغال والحمير.
ندرة المياة، وتدهور الغطاء النباتي، يهدد حياة الرحل بشكل جدي ويضع حياتهم وحياة مواشيهم على المحك، فلم يعد هناك مياه كافية لإرواء عطش تلك القطعان الكبيرة، ولا تكفي بضع أكياس من العلف المدعم، بإنقاذها من الموت المحتم ،ويبقى الترحال نحو مراعي الأطلس الكبير الحل الوحيد بالنسبة لهم.
إجراءات الحجر الصحي، خنقت الرحل بدون رحمة
رغم الجانب الإيجابي للحجر الصحي وحالة الطوارئ الصحية، المفروضة في المغرب،نتيجة انتشار فيروس كورونا، فانعكاساته السلبية ألقت بظلالها على حياة الرحل بصاغرو، وزادت من خنق حياتهم المخنوقة أصلا بالعوامل الطبيعية، الفقر والتهميش، فأغلقت أسواق المواشي في وجههم،وكبلت حركتهم، فلم يعد بمقدورهم بيع رؤوس مواشيهم،لاقتناع مواد غذائية أساسية مثل السكر،الشاي ،الزيت،الطحين وغيرها، والتي تعتبر إكسير حياتهم اليومية.
بل أكثر من ذلك، ظل أغلب هؤلاء الرحل، خارج مجال تغطية شبكة الهاتف،في مجال جبلي، يخلو من بنيات طرقية،يسيرون لمسافات للوصول إلى المراكز القروية القريبة.
وأما عن دعم الأسر من صندوق جائحة كورونا، فحدث ولا حرج، فغالبيتهم (حسب معلوماتنا) فنسبة 90٪ منهم لا يتوفر على بطاقة رامييد، ولم يستفد من هذا الدعم، فالظروف القاسية، كافية بجعلهم ينشغلون بحياتهم وحياة قطعانهم، ومابالك بالبحث عن أمور أخرى.
حتمية الترحال، والحاجة إلى تبسيط إجراءات التنقل
أمام كل ما ذكرناه من قساوة الطبيعة، وغياب استراتيجية تنموية موجهة لهذه الفئة المجتمعية، ذات الإسهام الكبير في الإقتصاد الوطني (توفير اللحوم)، لا مفر لرحل صاغرو، من النجاة بأرواحهم وأرواح مواشيهم، إلا بالترحال نحو مراعي الأطلس الكبير (أودال) بإقليم أزيلال، كما هي العادة كل عام، سيرا وراء خطى أجدادهم من “أيت عطا”، وفي ذات الإطار، شرع الرحل بصاغرو هذه الأيام، بالإستعداد لرحلة الصيف نحو الشمال، كما قامت جمعية رحل صاغرو للتنمية، وهي إطار جمعوي لهؤلاء الرحل، بمراسلة السلطات المحلية والإقليمية في هذا الصدد، قصد المساهمة في تخفيف المعاناة عنهم وتبسيط إجراءات تنقلهم، والمعروف أن الرحل أنفسهم ملتزمون بإجراءات الحماية من فيروس كورونا ورثوها من إرثهم الثقافي، حيث يضعون اللثام أينما حلوا وارتحلوا،كما أنهم يتركون مسافات شاسعة بين الأسر المترحلة، تفصل بينها أحيانا يوم أو يومين ،لتنظيم استغلال نقط المياه على طول طريق الترحال نحو مراعي منطقة أيت امحمد بإقليم أزيلال، التي يشاركها رحل أيت عطا مع قبائل أخرى بالمنطقة، بموجب اتفاق تاريخي يعود إلى سنة 1937، موثق من طرف الإدارة الفرنسية، ومازال ساري المفعول إلى يومنا هذا، ويعتبر فاتح يونيو من كل سنة هو بمثابة التاريخ القانوني لدخول الرحل إلى مراعي “أودال” .
تعليقات الزوار ( 0 )