شارك المقال
  • تم النسخ

“زارعو السّمك”.. قصة المصطلح القدحيِّ الذي يعود أصله لـ”ابتكار فلاحيٍّ” بالمغرب

تتناقل ألسن مجموعة من القبائل المغربية، العديد من المصطلحات القدحية في حقّ، نظيراتها المجاورة، من بينها، “زارعو السمك”، الذي يراد به الاستهزاء والسخرية من قبيلة، عمد أناسٌ منها، قبل عقود طويلة، إلى ما سميَّ بـ”غرس الحوت”.

“كبدانة”، قبيلة تقع في الريف الشرقي للمغرب، لُقبت، في ألسنِ جيرانها؛ “أولاد ستوت”، “أيث يزناسن”، و”أيث بويحي”، و”قلعية”، بـ”زارعة السمك”، وكان يُقال لأفرادها، دائما، على سبيل الاستهزاء، وباللهجة الريفية الكبدانية “تزووم يسلمان”، أي “تزرعون السمك”، دون أن يعرف أغلب المنتمين إليها، قصة هذا اللقب وأصله.

وأحيى الباحث في التاريخ والتراث الكبداني، في تدوينة نشرها، يوم أمس الإثنين، على حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، نقاشَ أصلِ التسميةِ، وسببها، بعد أن كتب تدوينةً، تطرق فيها للموضوع الذي شغلَ بالَ سكان القبائل التي أطلقَ عليها هذا المصطلحُ، دون أن تعرفَ قصته.

وعن هذا الموضوع، يقول نورالدين شوقي، الباحث في التاريخ والتراث الكبداني، في تصريحه لجريدة “بناصا”، إن أصل المصطلح يعود إلى القرن الـ 19، حين اكتشف، على سبيل الصدفة، بعض مزارعي المنطقة، وعلى الأرجح، بعد سنة 1800 ميلادية، أن غرسَ السمك، مع البطاطس، يمنح الأخيرة نمواً سليماً وإنتاجاً غزيراً.

وأضاف شوقي بأن مزارعي قبيلة كبدانة، يعدّون من المغاربة الأوائل الذين استخدموا السمك كسماد لزراعة الخضراوات، حيث جاء استعماله، وفق المتحدث، “بناءً على تجربة عفويةٍ قام بها أحد الفلاحين، حين دفن السمك، وبعض من تقاوي البطاطس معاً في التراب، ليكتشف بعد بضعة أسابيع، أن البطاطس قد نمت بشكل سليم، وتضاعف عدد تقاويها، دون أن تتعفن”.

وتابع المتحدث ذاته، بأن هذه التجربة، كانت سبباً كافياً لمزراعي كبدانة، من أجل استخدام السمك كسماد لغرس الخضروات منذ ذلك الحين، مشيراً إلى أن الروايات الشفهية تحكي بأنه، وبعد هذا الاكتشاف، شاعَ خبرٌ لدى القبائل المجاورة، بأن أهالي كبدانة يزرعون السمك، لتتناقله الألسن، في قالب من السخرية والاستهزاء.

وأوضح شوقي بأنه، بعد تناقله بالصيغة الأخيرة، انقلب المعنى الحقيقي، وعُكست الغاية من زرع السمك، مردفاً بأن الأمر لم يدم طويلاً، حتى أتى الخبر اليقين من القارة الأوروبية، حين اكتشف علماء الزراعة، أهمية غرس الأسماك مع الخضروات، وخاصة السردين، متوصلين إلى نتيجة مفادها، أن السمك، يحتوي على عنصر الفوسفور، وتحلله في التربة، يمنح الأخيرة مادةً عضويةً تساعد على تسريع نمو المزروعات، إضافة لمضاعفة الإنتاج.

ونبه شوقي إلى أن توفر شواطئ قبيلة كبدانة، على ثروة سمكية هائلة، ساعد على هذا النوع من الزراعة، حيث لم يكن يكلف الساكنة كثيرا، في ظل غنى البحر بالسمك، ومحدودية الأراضي المزروعة، مسترسلاً بأن هذه الطريقة في الزراعة، ما تزال متبعةً إلى اليوم في عدد من دول العالم التي تتوفر على واجهات بحرية تسمح لها، بغرس السمك مع الخضروات.

وأشار الباحث المتخصص في التاريخ، إلى أن البطاطس القادمة من النرويج، تعتبر الأفضل والأجود والأغلى ثمناً على مستوى العالم، وذلك لاحتوائها على كمية عالية من الفسفور، الذي تنتجه طريقة زرع السمك مع تقاوي البطاطس، تماما مثل ما فعله مزارعو قبيلة كبدانة قديماً.

واستدرك المتحدث ذاته، بأن كبدانة، ليست القبيلة المغربية الوحيدة، التي استعملت السمك كسماد لتحسين ومضاعفة إنتاج الخضر، حيث يقول إن هناك قبيلة نواحي تطوان، استخدمت الطريقة نفسها، فيما رجح أن يكون إطلاق لقب “زارعي السمك”، على قبيلة بقيوة بإقليم الحسيمة، راجعاً إلى قربها الجغرافي من تطوان، دون أن ينفي إمكانية لجوء ساكنتها أيضا، لـ”السمك” في الفلاحة.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي