إذا كان التاريخ سلسلة أحداث متعاقبة، فالحدث الأبرز هو رمضان في زمن كورونا ،حيث غير الوباء عادات وأنماط سلوك، اعتادت عليها البشرية منذ قرون،وأغلق الأسواق والمساجد والمؤسسات التعليمية والحدود في مختلف دول العالم،وستدون كتب التاريخ أن رمضان 2020 كان مختلفا،وستروي الأجيال الشاهدة للأجيال المقبلة عن التباعد الاجتماعي الذي فرضته الاحترازات الصحية لتطويق الجائحة.
حل رمضان هذا العام ،ونحن محاصرون بمخاوف انتشار العدوى ،وكان الوباء أشد قسوة على الأسرة المغربية والعربية،جعلنا نلتزم بيوتنا ،لاحول لنا ولاقوة،حيث غابت اللمة والتجمعات ،ولم تعد موائد إفطارنا تعرف زحاما ،نبكي على ذكرىات أيام مرت ،كنا ننتظر فيها رمضان حتى يجمع القريب والبعيد،ونرى وجوها لم نرها من زمن بعيد.
إن رمضان هذا العام يهل علينا ، في ظل متغيرات ،مست طقوسا اجتماعية وعادات احتفالية،حيث غاب التعبد الجماعي وحضر التعبد الفردي مع الآسرة داخل البيت،حفظا للنفس البشرية ،ومنعا لأي ضرر قد تسببه التجمعات من تفشي الوباء،كما غابت تلك الافطارات الجماعية سواء العائلية ،أو تلك التي كانت تقدم بالمساجد، كما اختفت خيام الإفطار التي كانت تقيمها جمعيات المجتمع المدني بساحات المدن ومراكز التسوق لفائدة المحتاجين والمعوزين.
في ليالي رمضان ،كان الأطفال بعفويتهم وبراءتهم ولباسهم المميز ،يتجولون بين مختلف الأحياء السكنية،يلاحقون المسحراتي أو ما يسمى عندنا ب “الطبال” أو “الغياط” ،ولن يعودوا إلى بيوتهم إلا إذا أخذوا حصتهم الاحتفائية الرمضانية مع “الطبال”أو”الغياط”قبل أن يتفرقوا إلى بيوتهم،ونشوة الفرح الليلي برمضان تغمر وجدانهم.
غاب المشي قبل الإفطار وبعده،وكانت القاعات الرياضية وملاعب القرب تغص بالمتريضين وعشاق المستديرة،غير أنها في الوقت الحالي اختفت بسبب التزام المغاربة بالبقاء في البيوت تجنبا لانتشار وباء كورونا،
هذا العام ،تميز رمضان بخصوصية أكثر من سابقه،إذ أن انتشار فيروس كورونا،لم يغير سلوك الناس وطبيعة العلاقات الاجتماعية والمهنية فقط منذ ظهوره بالمغرب،لكنه غير أيضا،عادات المغاربة وتقاليدهم المتوارثة في شهر رمضان،والثابت أن المغاربة غالبا ما يتداولون مقولة” رمضان يأتي ببركاته”،وهو الأمل الذي يرفع من مناعة المغاربة النفسية،رغم أيام الحجر الصحي والاجتماعي في هذا الشهر..
ولم يقف الأمر عند هذا الحد ،بل تحولت عبارة “مبروك لعواشر”من واقع حقيقي ملموس إلى ملصقات افتراضية ، تحمل دلالات عميقة ،،فهي تعني مبروك الأيام الفضيلة التي تكثر فيها العبادات وصلة الرحم والتضامن.
تعليقات الزوار ( 0 )