شارك المقال
  • تم النسخ

رسالة مفتوحة إلى المجلس العلمي الأعلى

إلى السادة العلماء أعضاء المجلس العلمي الأعلى.

تحية طيبة، وبعد.

يسرني أن أراسل السادة أصحاب السعادة علماء المجلس العلمي الأعلى الموقر، باعتباره هيئة علمائية، وباعتباره هيئة دستورية ذات مكانة مرموقة في النسق السياسي المغربي المعاصر.
سادتي العلماء، قد تعد مراسلتكم مخاطرة غير محسوبة وغير مدروسة، خصوصا إن صدرت من أمثالنا من العوام، لذا لا نخفيكم أننا لم نقدم عليها إلا بعد تردد، حيث تأرجحنا بين إقدام وإحجام، وكان الإحجام سيد الموقف مدة من الزمن.
سادتي علماء المجلس العلمي الأعلى المحترمين، لعل السبب الذي فرض علينا الإحجام وجعله مسيطرا على الإقدام، هو ما تُعرفون به من قبيل: ملح البلد، وأن لحومكم مسمومة، وأنكم الموقعون عن رب العالمين، وورثة النبي الأمين صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك من التوصيفات التي تفرض علينا الابتعاد عن جنابكم خشية الوقوع في لحم مسموم قد يودي بنا فنخسر الدنيا والآخرة.
سادتي أعضاء المجلس العلمي الأعلى المحترمين، إن المتابع لأنشطتكم، والمتمعن في برامجكم، يصاب بالدوار، إذ يتساءل، ومن حقه ذلك، ماذا ورثتم من النبي الأمين؟
لو جثونا على الركب لتلقي دروس السيرة النبوية من معينكم لما ترددتم في تشنيف مسامعنا حول حلف الفضول، وانخراط الرسول صلى الله عليه وسلم فيه، ورغبته في إحياء معالمه ومراسمه. وما يصيبنا بالدوار، هو أنه من الناحية العملية، لا أثر لذلك على مستوى واقعكم وعملكم وبرنامجكم وأنشطتكم.
بالأمس القريب، أطلق سراح مجموعة من مظلومي السجون بعفو ملكي، وهو العفو الذي ما فتئ يطالب به كثير من السياسيين، وقد انخرط في ذلك المطلب قضاة أمميون، وهيئات دولية، ووزارة الخارجية الأمريكية، وهم بمجموعهم قد ينطبق عليهم حلف الفضول في هذا الملف الحقوقي، ومع الأسف الشديد، غاب عن هذا الحلف علماء المغرب ورثة النبي صلى الله عليه وسلم، فماذا عساكم ورثتم عنه سادتي الفضلاء؟ ألم ينبهكم الخطيب البغدادي إلى ضرورة: اقتضاء العلم العمل.
إن التاريخ يسجل عليكم ما سجله زميلكم الدكتور أحمد عبادي صدْر كتابه المفيد: “الإسلام وهموم الناس” ، حيث أشار إلى معضلة المسلمين الكبرى، وهي جعلُ الخطاب التعليمي خطابا تجريديا قائما على تحديث الناس مع إغفال طبيعة الدين العملية، وهذه المعضلة معضلة كثير من علماء الإسلام المعاصرين.
إن المطالبة بإطلاق سراح المظلومين تعد منقبة في سجلكم، وشرفا مسطرا على جبينكم، لكنكم لا تلتفتون إلى هذا الشرف وتصرون على الابتعاد عنه، وهذا لعمري من أغرب ما يصدر عنكم، وهو لا يتماهى مع أخلاق ومواصفات أبي عبد الله الحسين وسعيد بن جبير والإمام زيد والإمام أبي حنيفة والعز بن عبد السلام وسيدي عبد القادر الفاسي ومن على شاكلتهم من العلماء غير التجريديين.
إن تبني هموم الناس ــ سادتي العلماء ــ والسعي لإزالتها وتفريجها قدر الطاقة هيئة نفسية ملازمة للمسلم كما يقول زميلكم الدكتور أحمد عبادي، وهذا ما لا نعثر عليه البتة في أنشطتكم وبرامجكم، فأين الخلل؟
سادتي العلماء، منذ عشرة أشهر والأمة في محنة عظيمة، مركزها قطاع غزة، وأطرافها كل العالم بدون استثناء، وقد قرأنا تصريحات وبيانات مشيخة الأزهر ومفتي سلطنة عمان وغيرهما من مراجع الإسلام، ولم يلذ بالصمت إلا مجلس حكماء إسرائيل بالإمارات العربية المتحدة، والمجلس العلمي الأعلى بالمغرب. فهل هذه المحنة غائبة عنكم ولم يصلكم خبرها؟ أم أنه وصلكم لكنه لا يعنيكم أمرها؟
أيها السادة، إن العالم اليوم يؤمن نظريا وعمليا بمبدأ حلف الفضول، لذلك تجمعت دول الغرب كله في كفة واحدة دعما لإخوانهم في أوكرانيا، وهذا يُسجل لهم. وها هي اليوم أمريكا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا على قلب رجل واحد في دعم الكيان الصهيوني رغم أنه في موقف همجي وغير أخلاقي، وهم يدعمونه علنا بالسلاح والمال والموقف السياسي وغيرها من أوجه الدعم والمساندة، والفرصة سانحة أمامكم لدعوة المغاربة للدعم المادي لإخوانهم، وكذلك كانت الفرصة سانحة أمامكم لتخصيص خطب جمعية حول النازلة، وتخصيص أدعية وابتهالات حولها، والدعوة إلى القنوت في الصلاة ضد العدو، وصلاة الغائب على الشهداء الذين تجاوزوا الحد المعقول، ولم تحركوا ساكنا في واحدة من هذه المبادرات، وكأنه لا علم لكم بالمأساة، أو أنها لا تعنيكم.
سادتي العلماء، إن لم تبادروا إلى نصرة إخوانكم ضد أعداء الأمة بأقل مبادرة، فإنكم تخطئون موعدكم مع التاريخ، وتخطئون موعدكم مع المغرب والمغاربة، لأن بعض المغاربة المقربين من الدوائر الصهيونية بادر منذ الوهلة الأولى لدعم إخوانه الصهاينة بمقال واضح صريح، لا كناية فيه ولا استعارة، وعنونه ب: كلنا إسرائيليون. لقد كان بإمكانكم الرد على هذه المبادرة بمبادرة أخرى قد تكتبونها بكل أساليب التحفظ لإحداث نوع من التوازن في المجتمع، كأن تصدروا بيانا تدعون إلى ضبط النفس، وعدم التصعيد، والدعوة إلى تطبيق قرارات الأمم المتحدة، وبس. وحتى هذه لم تستطيعوا فعلها، يا بختكم سادتي ملح البلد.
وهنا أفتح قوسا وأشير إلى عضو مجلسكم الفقيه محمد الروكي، لأنه صار متخصصا في السنين الأخيرة في نظم قصائد الرثاء في الموتى، ولم نسمع له نظما في رثاء الشهداء، ولم نقرأ له قصيدا في رثاء القائد العظيم إسماعيل هنية، فما الأمر؟ ألم يعلم بالخبر؟ أم أنه لا يعنيه أمر هؤلاء؟ أم تعقدت عليه الزحافات والعلل والأرواء فتعسر القريض؟
أين هي خصلة تبني هموم الناس التي أشار إليها صديقه الدكتور احمد عبادي؟
سادتي العلماء، إن الأمة اليوم بمجموعها في ساحة المعركة، كما أن الأمم الغربية كلها اليوم في ساحة المعركة بكل جد، فما هو التكييف الفقهي لسكوتكم وعدم انخراطكم في الحد الأدنى من الفعل والمبادرة؟ ألا يمكن تكييف سكوتكم: فرارا من الزحف؟ وألا يعد ذلك من الكبائر.
على الأقل، يمكن اعتبار بيان واحد منكم سندا ودعما للمرابطين المحتاجين للمساندة بكل أشكالها، ويمكن اعتباره تأطيرا للرأي العام وتحصينا له من الانسياق وراء التضليلات الإعلامية المتكاثرة والتأثر بها، لذلك فإن عدم انخراطكم الفعلي في المعركة قد لا يوصف إلا بالتولي يوم الزحف، وياويل المتولين، ويا ويلهم إن كانوا علماء.
سادتي العلماء، إن عدم مساندتكم وعدم دعمكم لإخوانكم في أرض المواجهة وخط التماس، هو إسلامهم للعدو، وخذلان لهم في وقت هم أحوج ما يكونون إلى الناصر، وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا فقال: “المسلم أخو المسلم، لا يخذله”، وقال: “المسلم أخو المسلم، لا يسلمه”، فأين ورثة النبي صلى الله عليه وسلم من حديثيه الصحيحين؟
سيسجل التاريخ أن علماء المغرب قد أسلموا إخوانهم، وخذلوا إخوانهم، وهذا عار بالمغرب وعار بعلماء المغرب لم يُسجل في التاريخ قط، وما بالأمس من قدم، فبيانات رابطة علماء المغرب في 1962 و1968 و1975 و1977 و1979 و1981 و1987 حبلى بالدعوة إلى فتح باب الجهاد بالنفس والمال لتحرير المسجد الأقصى والتنديد بمجازر الصهاينة النازيين والتنديد بحركة تهجير اليهود وغيرها من النقاط. ومقالات علال الفاسي وعبد الله كنون وإدريس الكتاني والرحالي الفاروقي وغيرهم لا تتردد في تبني قضية فلسطين.
سادتي العلماء، إن المسجد الأقصى تُنتهك حرمته مرات وكرات من قبل المتطرفين اليهود، حيث يقتحمون باحاته المرة تلو المرة، ولم نسمع لكم أثرا ولو لمرة واحدة، أليس هو المسرى المقدس لرسولنا الكريم صلوات ربي وسلامه عليه؟ وأليس هو أولى القبلتين؟ وأليست الصلاة فيه تفضل الصلاة في غيره؟ وأليس هو الأرض المباركة كما في القرآن الكريم؟ وهل سكوتكم عن هذه الاقتحامات المتكررة إقرار لها وتشجيع عليها؟ أم أنه مجرد حياد سلبي؟
إنه من حق العوام أمثالنا أن يسائلوا علماءهم هذه الأسئلة حتى يتسنى لهم التأطير السليم في مثل هذه القضايا الخطيرة التي تمر بالأمة وتمر منها الأمة، خصوصا أن علماءنا يتقاضون رواتبهم من المال العام.
سادتي العلماء، إن المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص، فأين واقعكم من هذا؟
لقد كان علماء المغرب عبر التاريخ منخرطين في الشأن العام ولو خارج الحدود، فهذا الإمام التسولي يبادر للإجابة عن تساؤلات الأمير عبد القادر الجزائري فيما يخص قضايا الجهاد ضد الاحتلال، وها هو أبو مدين الغوث الذي لم يتردد في الانخراط في نصرة الأقصى بعد أن وصل نداء صلاح الدين الأيوبي إلى السلطان أبي يعقوب المنصور.
سادتي العلماء، للنظم السياسية إكراهاتها، أما أنتم العلماء فلا إكراهات ولا ضغوط عليكم، لأنكم علماء الدولة، ولستم خداما عند الدولة. بل قد أزيد الأمر وضوحا وأقول: لا عذر لكم أمام الله ألبتة في هذه القضايا المصيرية خصوصا عند سؤالكم عن علمكم: ماذا فعلتم به؟
إن الحاكم قذ يتذرع بكون علمائه لم ينبهوه ولم يبينوا له، أما العلماء فلا عذر لهم أمام الله.
سادتي علماء المغرب، أنتم ورثة الإمام التسولي، وورثة الإمام أبي المحاسن يوسف الفاسي، وورثة سيدي عبد القادر الفاسي، وورثة الصوفية شيوخ رباطات الجهاد، فنرجو أن تكونوا خير خلف لخير سلف ولو في الحد الأدنى.
وختاما أقول: كيف للعلماء الذين لم يمارسوا التبليغ أن ينتقلوا إلى تسديد التبليغ؟

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي