Share
  • Link copied

رسائل خطاب العرش: التفكير فيما بعد الجائحة لن يكون مثل التفكير قبلها

جاء خطاب العرش لهذه السنة في سياق تلتقي فيه ذكرى وطنية بمناسبة دينية، وإذا كان خطاب العرش عادة يكون لحظة لتقييم إنجازات السياسات العامة والعمومية في المغرب، فإن خطاب هذه السنة في الذكرى ال 21 لعيد العرش ارتبط بتشخيص الظرف الخاص الذي يعيشه المغرب، مثل باقي بلدان العالم، الشيء الذي جعل مضامينه تحمل صور التضامن الذي تعيشه الأمة المغربية وسط هذا الظرف الصعب، ويقدم القرارات التي تم اتخاذها للتصدي لهذا الظرف، وتحديد الانعكاسات السلبية الصعبة، ومن ثمة الدعوة الى اتخاذ مجموعة إجراءات لمعالجة التحديات المستقبلية القادمة ،وذلك بإعادة تصحيح مسار أليات الدولة الإجتماعية.

وخطاب العرش لهذه السنة جاء مغايرا لكل خطابات السنوات الماضية، نظرا للظرف الخاص الذي يعيشه المغرب وباقي دول العالم، وهو خطاب يتوجه في زمنيته إلى التفكير في الإجراءات التي سيتم اتخاذها خلال الخمس سنوات القادمة للحد من تداعيات جائحة كورونا.

ويمكن رصد خمس رسائل كبرى في الخطاب الملكي هي :

الرسالة الأولى، حال الأمة المغربية في فترة كورونا: صور التضامن والعمل التطوعي، حيث أثنى الملك محمد السادس في خطابه على كل الذين بدلوا مجهودات كبيرة خلال فترة الحجر الصحي من أطباء وممرضين وكل الطاقم الصحي وكل مكونات السلطات العمومية وقوات الجيش والدرك والأمن ،كما أثنى الخطاب الملكي على الذين استمروا في الحفاظ على سلاسل الإنتاج خلال فترة الحجر الصحي، والإشارة واضحة هنا إلى الذين استمروا في مد المغاربة بحاجياتهم الضرورية خلال فترة الحجر الصحي.

وأعطى الملك في خطابه أمثلة من صور تضامن الأمة المغربية وعملية التلاحم التي حصلت في لحظات مؤثرة بين السلطات العمومية والمواطنين ،فالأمر هنا يتعلق بصورة الأمة المغربية من خلال التلاحم والتضامن الذي حصل في ظرف صعب داخل مكوناتها بين السلطات العمومية والعائلات والأفراد .

الرسالة الثانية، طريق مواجهة الوباء، حيث أشار الخطاب الملكي إلى أن الدولة اتخذت إجراءات للتصدي للوباء، ومنها إنشاء صندوق خاص لمواجهة الجائحة ،الصندوق الذي لعب دورا كبيرا في سد كل الانعكاسات السلبية للجائحة ولازال مستمرا في دوره ،فالأرقام المالية التي جاءت في الخطاب الملكي تشير الى المجهودات التي قامت بها الدولة خلال الشهور الماضية لدعم المغاربة في مواجهة الجائحة ،فمحاربة الوباء تتم على واجهتين: التصدي للجائحة والتصدي للآثار المستقبلية للجائحة.

الرسالة الثالثة، إطلاق خطة إنعاش اقتصادي وتصحيح مسار الدولة الاجتماعية، حيث أشار الملك محمد السادس في خطاب العرش إلى أن الأزمة كشفت عن مشاكل إجتماعية، لذلك جاءت التوجيهات الملكية إلى الحكومة لتركز على التحديات الإجتماعية والإقتصادية التي تفرضها المرحلة، وذلك بإطلاق خطة إنعاش إقتصادي.

فالخطاب الملكي يدعو إلى التفكير في المستقبل بطريقة استراتيجية ،التي تعني قراءة الوضع الراهن بكل تحدياته الاقتصادية والاجتماعية بهدف التوقع والتموضع.

وجاء تركيز الملك محمد السادس على قضايا اجتماعية برزت خلال فترة الجائحة، فدعا إلى اتخاذ إجراءات طيلة الخمس سنوات المقبلة لمعالجة هذه المشاكل ،فالأمر يتعلق بدعوة إلى تصحيح مسار الدولة الاجتماعية، فالملك محمد السادس رسم بذلك التوجه القادم لوظيفة الدولة خلال السنوات المقبلة التي ستكون دولة اجتماعية بالدرجة الأولى، وفي هذه الرسالة جواب على التساؤلات التي كانت تطرح حول هل ستستمر الدولة بنفس الدور في دعم الفئات الاجتماعية المتضررة خلال مرحلة الحجر الصحي، فالدولة ستكون وظيفتها إجتماعية، ومن هنا يمكن فهم الإشارة الملكية إلى ضرورة إصلاح القطاع العام الذي يعد أحد مظاهر الدولة الاجتماعية.

الرسالة الرابعة، دعوة إلى انخراط القوى الوطنية، والرسالة موجهة إلى كل المؤسسات والتنظيمات من أحزاب سياسية ونقابات وتنظيمات المجتمع المدني وعالم الأعمال، فالكل مطلوب منه الانخراط والتفكير والمساهمة في الخروج من الوضعية الأزمة الناتجة عن الجائحة.

وهذه الإشارة تأتي والأحزاب السياسية تتجه نحو الإنتخابات القادمة ،حيث من الواضح أن الملك محمد السادس وضع أمامها مجال التفكير والعمل ،فالظرف ليس ظرف السياسة بمفهوم الصراع، وإنما ظرف السياسة بمفهوم الخدمة المقدمة للمواطن.

وبذلك، فإن خطاب العرش، وإن كان قد جاء في سياق ظرف عالمي خاص وصعب ،فإنه حمل داخله التفاؤل ،فالتضامن والقوة التي أظهرتها الأمة المغربية يجعل من الأزمة ظرفا استثنائيا واجهته الأمة المغربية بكل مكوناتها ،والأمة الدولة المغربية بكل مكوناتها تستطيع تجاوز الأزمة وبناء نموذج اجتماعي واقتصادي قوي في مرحلة مابعد الأزمة، وهذا يحتاج من كل القوى الوطنية التفكير في مرحلة مابعد كورونا بطريقة مغايرة عن التفكير فيما قبلها .

*أستاذ العلوم السياسية، كلية الحقوق، أكدال، الرباط

Share
  • Link copied
المقال التالي