Share
  • Link copied

ربيع بين الجدران

تتدفق اللحظات الجميلة من ينبوع الحياة فترتوي منها الروح كما يرتوي الضمآن من قراح بواحة وسط البيداء ، فيواصل المسير وقد تجددت قواه وانتعشت أوردته متمنطقا بآمال متجددة لمعانقة أفق رحب بالتفاؤل واليقين في قدرة الله تعالى لتغيير حياة الإنسان من حال إلى حال  وبلوغ مدارج الرضا والسعادة …

والربيع بما حباه الله من بهجة ووقع على النفس ، يستهوي جميع الكائنات فتدفأ المهج بحب متجدد لشقشقة  الطيور وابتسامة الرياحين كلما طرقت أشعة الصباح الذهبية أعتاب الأرواح  لتنبعث من مرقدها وتعانق ألوان الخضرة المستولية على المكان السارحة هنا وهناك ببساطها الفتان ولحنها الرنان متمنطقة بالورود والبنفسج  وشقائق النعمان … متغنية بآلاء الرحمن إكراما لك أيها الإنسان…

فكم كانت النفس تتوق لتجدد عهدها بالربيع فتزيل عنها بعضا من وعثاء العمر المثقل بالأتعاب والهم مستمتعة بإكرام الرب المنان … والانعتاق من ضيق الجدران وقهر المكان للرفل وبلوغ الأرب من الانتشاء بالآفاق الرحبة والعدو وسط السهول والهضبات كخيل جموح ناله من القهر والحرمان ما أعيى صبره وأثقل حوافره واستوهن نشاطه وهمته

 …

فكم تغنى الشعراء بالربيع و ب (كيوبيد ) وأبدعوا في وصف محاسنه وتفننوا في تصويره  بآيات من البلاغة و البيان وفصاحة اللغة واللسان… وجعلوه كلوحة أبدعها مصور فنان ناطقة بحسنها الفتان وإبداع الخالق الرحمن…

واليوم تدرك النفس وأكثر من أي وقت مضى مبلغ انحرامها من متعة الربيع ورونق الفصل البديع الباسم ببراعمه الغناء ونسائمه الفيحاء … هدية الخالق للأنام وشفاء للروح من الأسقام وصنوف الآلام…  وها قد حل( كوفيد )محل( كيوبيد)  باسطا هيبته جاثما على أبواب الحرية والانعتاق محكما إغلاق مزاليجه على الأبواب وكل رتاج  معلنا تأجيل مواسم الابتهاج والفرح جاثما بسطوته على القلوب المفعمة بالحب والعفوية التواقة لدفءالحياة والجمال … فجعل النفوس تخضع لامتحان عسير فيه سطوة وقوة ابتلاء مخافة شماتة الوباء وغفلة الأخلاء الداعمين لكوفيد ، الموالين له بطيشهم وتغافلهم واصطفافهم بمواقع الأذى وبؤر العدوى … فالداء فتاك لايرحم والخليل عنيد لايفهم ، فلا توسلات تجدى معه ولاضمير من الغفلة  أيقظه … فاعلم رعاك الله أن الحياة هبة ونعمة من الله لخلائقه بل هي أجل النعم وأقدسها … فصنها وتعهدها بالحب والوفاء واستفق من كوابيسك الرعناء والتحق  بطوابير العقلاء العارضين عن إغواءات النفس ونداء الشارع لتكثير سواد المعاندين الحائدين عن سبيل الرشاد والتعقل… 

فالزم دارك واستأنس بأهلك واجعل ضميرك رقيبا عليك واستيقن أن هذا نهج الحكماء وسبيل  العلماء والعقلاء في التصدي للجائحة والوباء … 

فكلنا نسترشد بالهدى والنصح والنفس تتوق لتجدد اللقيا بالحياة ، والآمال وإن تأجلت فكل ماهو آت قريب، فلا تستعجل أمرك والنفس إن زاغت فلا تتبعها… وها قد أوشك ضيف كريم أن يطرق بابك فكن له خير مضيف وأعد له ما يليق له من القرا وطقوس الحفاوة والترحيب وهيء له ماهو به جدير… فالضيف يأتيك ببشائر الخيرات ويبعث في دواخلك أسباب الزيادة في الطاعات والقرب من الله وتطويع النفس وحملها على مايزينها وتنقيتها من الشوائب وتدريبها على الخضوع للأمر وترويضها على حسن الامتثال … فالضيف وافد من الرحمن يجعل نور قلبك ينبعث بعد أن أخمدته زلات النفس وخطيئة الألسن والأعمال فرانت على فؤادك وأغشت بصيرتك وعدوت سائرا في مصاف الغافلين …

فتذكر أن في الصبر حكمة وتبصر، والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل …

فالزم بيتك وأكرم ضيفك القادم لامحالة بإذن الله …وقف في مصاف العقلاء المحبين للخير

و الطاعة  العاشقين للحياة ومكامن الجمال… فلا تجعل آمالنا تتأجل أكثر … وتذكر ثم تذكر…أن هذا الربيع في الخارج يشق عليه غيابنا وقد ألف منا الوصل واللقاء، وهذا الصمت الرهيب المخيم على المكان إلا من شدو طير وخرير ماء ونسيم مرسل يدغدغ جنبات الأرواح قبل الأبدان … لايستسيغ فراغ المكان وأفول ظلك أيها الإنسان ….

سنظل هنا  بمحطة الانتظار لنستقل معا  قطار الحياة وخوض غمار رحلة جديدة نحو أفق رحب بالحب والآمال والطاعة … فبين جدران البيت  فسحة قد تلقي بضيقها على النفس فتقنط وتنقبض ويقل نورها …  ولكن قدسية الحياة أسمى ..

لذلك سنظل هنا كي نستعيد الأمل، كي نعانق الربيع ولو من داخل الجدران…

Share
  • Link copied
المقال التالي