رمضان شهر الدعاء، ففي الآيات التي نزلت في الصيام، نقرأ قوله سبحانه وتعالى: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني، فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون. )
ويذكر المفسرون في سبب نزولها أن قوما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم: أقريب ربنا فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟ فنزل القرآن ببيان أن الله سبحانه قريب من عباده، بل هو أقرب إليهم من أنفسهم. ثم أمرهم بالدعاء، ووعدهم بالإجابة، وشرط عليهم الاستجابة له والإيمان به، كما قال لإبراهيم: (إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين.)
ويوجد أقوام يستكبرون عن دعوة ربهم، كأنهم يأنفون من التذلل بين يدي خالقهم ورازقهم.. لكنهم لا يسأمون من تملق بعض المخلوقين ومن بسط رجائهم أمام بشر مثلهم.. إنه الجهل الآدمي، والطغيان الآدمي، والظلم الآدمي.. كما قال سبحانه: (إن الإنسان لظلوم كفار.)
إن الدعاء هو إعلان بالعبودية لله تعالى، هو خضوع له سبحانه، لذلك قال العلماء في قوله تعالى: (إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين)، أي يستكبرون عن دعائي.
إن الدعاء عبادة، بل الصلاة نفسها في اللغة تعني الدعاء، وهي بقيامها وركوعها وسجودها وأذكارها وقوف بين يدي الله ودعاء له. وفي حديث أبي داود: ” الدعاء هو العبادة، قال ربكم ادعوني أستجب لكم “.
فإن قيل: فما للداعي قد يدعو فلا يستجاب له؟ فالجواب أنه قد يكون من المعتدين في دعائه. قال تعالى: (ادعوا ربكم تضرعا وخفية، إنه لا يحب المعتدين)، وأنواع الاعتداء كثيرة، منها طلب المستحيل في العادة، ومنها سوء سلوك الداعي، كما في الحديث: ” الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام، فأنّــى يستجاب له ؟”
والقاعدة في الدعاء أن على العبد التمسك به مادام حيَا، ولا يستعجل الجواب، فقد قال عليه السلام: ” لا يزال يستجاب للعبد ما لم يستعجل، قيل كيف .. قال: يقول قد دعوت ودعوت فلم يستجب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء “.. ذلك أن كل دعاء يدعو به المسلم لابد أن تكون له واحدة من نتائج ثلاثة، فالداعي رابح في كل الأحوال: قال نبينا: ” ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخر له، وإما أن يكف عنه من السوء بمثلها .” فإما أن يعطي الله لعبده ما سأل، وإما أن يجازيه على دعائه في الآخرة حتى يتمنى لو لم يستجب الله لأي من أدعيته، وإما أن يكون قد نزل قدر شديد أو مصيبة.. فيرفع الله ذلك عنه ببركة الدعاء. ثم لينتبه الداعي إلى أن عدم الإجابة السريعة الظاهرة قد يكون ابتلاء له واختبارا لعبوديته، نسأل الله العافية في الدنيا والآخرة.
ومن جهة أخرى فإن في الدعاء متعة عظيمة، هي الوقوف أمام ملك الملوك ومناجاته والطلب منه ومخاطبته، والعبد على يقين بأن البارئ يسمعه ويعلم ما في صدره.. هكذا لا يكون الإنسان مجرد ذرة تائهة في بحر الكون العظيم، بل كائنا محترما، له مكانته في الوجود، وله موقعه بين الخلق. كيف لا، وهو في اتصال دائم مع رب العالمين، يكلمه ويناجيه، يرجوه ويطلبه.. في كل وقت وآن، إذ باب ملك الملوك ـ على خلاف ملوك الدنياـ باب مفتوح سرمدا ، وهو لا يغلق أبدا، ليس دونه حجاب ولا حاجب.. لأن خزائن الله لا تنتهي، ومفاتحها لا تدرك، وغناه لا يحدّ، وانظر إلى هذا الكون الهائل لتدرك أنك بالدعاء تسأل غنيا جوادا واسعا يهب بلا قيود ويعطي بلا حدود.. تقدَم وتعلم أن تدعو ربك رب العالمين، وأن تشكو إليه ما يضرك، وتطلب منه ما ينفعك.. وجرَب تعرف.
*مفكر وأستاذ جامعي
الدعاء الدعاء في السراء والضراء، وسينجينا الله في الشدة إذا عرفناه في الرخاء، فاعتبروا بأوروبا وأمريكا وكل الأقوياء، عندما أعلن الرؤساء والوزراء: انتهت حلول الأرض وننتظر حلول السماء