استضاف مختبر الدراسات السياسية والقانون العام، الدكتورة نبيلة منيب، الأمينة العامة لحزب الاشتراكي الموحد (ومنسقة فيدرالية اليسار الديمقراطي)، وذلك يوم الأربعاء 26 ماي 2021 على الساعة الثالثة بعد الزوال بمركز التكوين والندوات التابع للجامعة، حيث يندرج هذا اللقاء ضمن سلسلة حوارات الجامعة التي ينظمها المختبر لغاية ربط جسور للحوار والتواصل بين الجامعة ومحيطها، وبغية خلق فضاء للنقاش العمومي البناء حول مختلف القضايا والتحديات الوطنية والدولية.. إذ اتسم هذا اللقاء بحضور متميز ونقاش ثري، قدمت من خلاله الأمينة العامة نبذة عن مسيرتها السياسية ورؤية ومواقف حزبها من العديد من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية.
وقد افتتح هذا اللقاء، الذي حضره الدكتور رضوان مرابط رئيس جامعة سيدي محمد بن عبد الله/فاس، بكلمتين لكل من الدكتور محمد بوزلافة، عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، فاس، والدكتور سعيد الصديقي، مدير مختبر الدراسات السياسية والقانون العام، كما أشرف على إدارة النقاش ومحاورة السيدة الأمينة العامة، الأستاذان بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية/فاس، الدكتور امحمد العيساوي والدكتور بن أحمد حوكا.
من هذا المنطلق، أكدت منسقة فيدرالية اليسار الديمقراطي بأنها هي نتاج لمدرسة يسارية كانت فيها النساء رائدات وصاحبات العديد من المبادرات كجمع مليون توقيع لتغيير مدونة الأحوال الشخصية، وإطلاق جريدة 8 مارس، ثم المساهمة في تأسيس مجموعة من الجمعيات النسائية كالاتحاد العمل النسائي والجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، كما وضحت بأن الصدفة قادتها إلى رحلة للجزائر وهي في سن 14 سنة، حيث استمعت لأول مرة عن قيم الاشتراكية والاكتفاء الذاتي، لكن مسيرتها السياسية بدأتها داخل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب باعتباره الإطار الذي ناضلت في صفوفه وهي طالبة جامعية، ثم بعدها انتقلت لفرنسا لمتابعة دراستها العليا، فكانت مناسبة لالتحاقها بطلبة منظمة العمل الديمقراطي الشعبي..
وتابعت القول بأنها لما عادت إلى المغرب، ناضلت بالنقابة الوطنية للتعليم العالي عبر الانتماء للقطاع الجامعي للحزب، وتقلدت لمسؤوليات بهياكل جامعية (مدة 15 سنة مجلس الجامعة)، ناهيك على أنها كانت عضوة بالجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إلى أن توجت مسيرتها بانتخابها أمينة عامة للحزب سنة 2012، موضحة بأن تجربتها هي نتاج العمل في العديد من الإطارات، وقد أشارت إلى أن سياق انتخابها اتسم بالحراك الاجتماعي ل20 فبراير، حيث تبلورت قناعة لدى مناضلي الحزب بضرورة أن تتقلد امرأة مسؤولية الأمانة العامة، وكان ذلك دليل على النضج والوعي داخل الحزب، خصوصا أننا نعيش في مجتمع بطريركي الذي يعاد فيه صنع وإنتاج المحافظة.
علاوة على ذلك، أكدت الأمينة العامة لحزب الاشتراكي الموحد بأن اليسار هو فكر كوني غير مرتبط ببلد معين، حيث عرف تراجعا منذ انهيار جدار برلين، إذ أصبح تائها أمام الرأسمالية المتوحشة وانتصار المحافظين الجدد، فقد حاول التكيف معها من خلال تحوله إلى الدفاع عن الديمقراطية الاجتماعية، لكنه انتهى بالاستسلام أمام النيوليبرالية، بما في ذلك بالدول الديمقراطية، أما في المغرب فقد ارتبط اليسار بالحركة الوطنية وببناء الدولة الديمقراطية منذ الاستقلال، لكن ذلك لم يتم، حيث همش المشروع الديمقراطي، الأمر الذي سيؤدي إلى الدخول في سنوات الجمر والرصاص، إلا أنه مع حكومة التناوب التوافقي ستوجه ضربة أخرى إلى اليسار، لأنه لم توفر لهذه الحكومة الشروط الكافية للعمل بشكل مريح، فنتج عنه تناوب توافقي من دون تناوب ديمقراطي، بل الذي حصل هو انتقال الحكم ولم يحصل انتقال ديمقراطي.
واسترسلت الأمينة العامة بالحديث حول كرونولوجية اليسار بالمغرب، سواء خلال حقبة التناوب أو المرحلة التي سيتم الانقلاب فيها على المنهجية الديمقراطية سنة 2003، كما عرجت على العديد من المكونات التي تسمي نفسها يسارا، بعضها شارك في الحكومة، والبعض الأخر يموقع نفسه ضمن اليسار الجذري الذي اختار التحالف مع الإسلاميين لإحداث التغيير، في حين هناك فئة أخرى تسمي نفسها يسارا وتأسست لمحاربة الإسلاميين، لتحيل إلى تجربة الاشتراكي الموحد باعتباره حزب له تاريخ يعود لما قبل منظمة 23 مارس التي كانت تشتغل في السرية، بعدها ستتأسس منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، ثم سيتم تجميع خمسة مكونات ضمن حزب الاشتراكي الموحد، ليقرر الحزب التحالف مع الطليعة والمؤتمر الوطني الاتحادي سنة 2007، باعتبارها أحزاب تقاسمه نفس القيم والأفكار، إلى أن تم خلق فيدرالية اليسار الديمقراطي في سنة 2014 جراء هذا التحالف الثلاثي.
وأجابت الأستاذة منيب عن سؤال معنى أن يكون المرء يساريا في هذا العصر بالقول هو أن تناضل من أجل بلورة مشروع بديل عن العولمة المتوحشة، وأن تربط السياسة بالأخلاق، ثم أن تبقى متشبثا بالقيم اليسارية، بما في ذلك مبادئ تحرر الإنسان والتضامن ورفض الاستغلال، أي يسار يؤمن بمركزية حقوق الإنسان في المشروع المجتمعي وبالتوزيع العادل للثروة بحكم انه نعيش العنصرية الاجتماعية (مجموعة صغيرة تمتلك الثروة ومجموعة كبيرة تمتلك الفقر والهشاشة والتحقت بهم الطبقة الوسطى)، محيلة إلى أن الحزب بقي متشبثا بمبادئه، لكنه يحمل فكر متجدد ومواكب لمتغيرات العصر وتحدياته الراهنة.. فاليسار حسب رأيها هو أن ندافع عن تحرر الإنسان بالعلم والقيم، لأنه هناك على المستوى العالمي انهيار لمنظومة القيم، فالعمل التطوعي أصبح مؤدى عنه، ثم انه في هذا العصر من يمتلك المعرفة يمتلك السلطة، مؤكدة بأن المشروع اليساري الذي تدافع عليه مع كل ما من شأنه أن يساهم في بناء الدولة القوية.
فضلا عن ذلك، اعتبرت الأمينة العامة بأن اليسار هو الارتباط بهموم المواطنين والمواطنات من خلال الانخراط في الديناميات الاجتماعية التي تعبر عليها الحركات الاجتماعية، وهذا هو ما يعطي لليسار بعده الشعبي، كما وضحت بأن مشروع حزبها هو الملكية البرلمانية باعتبارها الأفق الممكن أن يرسي لبناء مؤسسات قوية وديمقراطية حقيقية.. وذلك عبر دستور ديمقراطي، متطلعة إلى انفتاح حقوقي وانتخابات نزيهة، كما أشارت إلى ضرورة مراجعة اتفاقيات التبادل الحر مع حوالي 55 دولة، لأنها لم تستفد منها الدولة، ملحة على ضرورة إعادة النظر في مجموعة من الاختيارات الخاطئة.
على غرار ذلك، أكدت الأمينة العامة بان الذي يتحكم ويسيطر في عالم اليوم هي المؤسسات الدولية (المؤسسات النقدية، مجلس الأمن، الاتفاقيات، اقتصاد السوق..)، الأمر الذي أدى إلى تراجع السيادة، بل إلى التبعية، وهذا الأمر يحصل حتى بالديمقراطيات الغربية، إذ رغم الانتخابات والديمقراطية التمثيلية، إلا أن الأحزاب تجد نفسها مكبلة ومقيدة في عملها نتيجة لتدخل أطراف فوق وطنية، إلا أن الجائحة أكدت بأنه لا بد من الديمقراطية، فالكل يقول بأنه يجب الارتباط بالديمقراطية التي تحقق التماسك الاجتماعي، بما في ذلك داخل البلدان الغربية والنامية، بينما أقرت بأنه لا يمكن في المغرب تحقيق الديمقراطية بدون إصلاح سياسي وبدون أحزاب قوية وانتخابات نزيهة، حيث وضحت بان الانتخابات باللائحة تكرس للشفافية، بينما الانتخابات بالفردية تشجع على ترشيح الأعيان.. وهذا من بين القضايا التي نعترض عليها في المنظومة الانتخابية.
من جانب أخر، أكدت الأستاذة منيب بأن هناك سكيزوفرينية في الخطاب السياسي لبعض الأحزاب، لأنها لا تتوافق مع تطلعات المواطنين والمواطنات، أكثر من ذلك، فإن ما تقوله لا يعكس ما تنجزه، فكيف لأحزاب تخاطب الشعب على أنها مع العدالة الاجتماعية، بينما هي في الواقع مع خوصصة التعليم والصحة وتصادق على قوانين تستهدف القطاعات الاجتماعية؟ مبرزة بان هذا النوع من الخطاب السياسي لا يحترم ذكاء المغاربة، إذ لا يمكن الكذب على المغاربة بخطاب شعبوي وديماغوجي، كما أقرت بأن هناك أحزاب خلقت من لا شيء وليس لها أي شيء تقدمه، فمن بين 35 حزب سياسي فأكثر من نصفهم ليس لهم مشروع سياسي حقيقي ولا وجود مجتمعي.
وقد اعتبرت الأمينة العامة بأن النظام الرأسمالي في أزمة، لأن محاولات إصلاحه خلال مرحلة الثمانينات والتسعينات أدت إلى المزيد من الغطرسة، والنتيجة أن ذلك كان له انعكاسات سلبية على الإنسان (الاستغلال) والبيئة (التغير المناخي..)، حيث ساهمت السياسة النيوليبرالية المتوحشة في ارتفاع الفوارق الطبقية، بما في ذلك بالدول الأوربية، وإلى الكوارث البيئية، بل وصلت الغطرسة إلى الإطاحة بكل نظام ديمقراطي صعد إلى الحكم، خصوصا إذا كان معارضا لقيم العولمة، فقد تمت محاصرة الفكر الاشتراكي في جميع دول العالم، على سبيل المثال، الحزب العمالي البريطاني هو الذي سن قانون التقاعد من 60 سنة إلى 67.. وهذا دليل على أنه تخلى عن مرجعيته الاجتماعية.. إلا أنها أقرت بأنه كانت هناك مساهمات لبعض المفكرين لإعادة تجديد الفكر الماركسي، وبالموازاة مع ذلك، ظهرت حركات اجتماعية على المستوى العالمي (بوديموس؛ سيريزا..)، فاليسار لن يكون له شعب إلا إذا اجتهد في إبداع مشروعه.
وحاججت الأمينة العامة لتحالف الرسالة بأن هناك محاصرة للأحزاب، خصوصا التي تحمل المشاريع المجتمعية الحقيقية، على سبيل المثال، فالحزب حصل على 46 مليون سنتين من الدعم العمومي، وهي منحة ضئيلة جدا مقارنة مع ما يقوم به، بينما هناك أحزاب تحصل على الملايير، لكن تشتغل فقط في الموسم الانتخابي، ناهيك على الحيف الذي يطال الحزب في القنوات الرسمية، إذ لا يظهر في الإعلام العمومي إلا مرة كل أربع سنوات، ومع ذلك، فإن الحزب يشتغل بشكل تطوعي من مناضليه رغم كل هذه التحديات، بل أن الحزب حافظ على استقلاليته ولم ينخرط في اصطفافات مصطنعة، كما أكدت بأن الحزب غطى جميع الدوائر في 2016، فرغم قلة الإمكانيات وبروز العديد من الاختلالات في العملية الانتخابية، إلا أنه نجح في كسب العديد من المواطنين/ت بعد الانتخابات، حيث عبر العديد منهم عن اقتناعهم بمشروع الحزب.
في معرض أخر، أقرت الأمينة العامة للحزب بأن العالم تغير كثيرا، والثابت بأن المدخل للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي هو الإصلاح السياسي، لهذا لابد من بناء الديمقراطية بالمفهوم الشامل، فإذا أردنا البناء فلابد من محاربة الفساد، لأنه يشكل نزيف داخل جميع المجالات ويشكل حاجزا أمام أي تطور مجتمعي (الريع؛ الامتيازات؛ استغلال النفوذ؛ الإفلات من العقاب..)، كما ألحت بأنه لابد من تحقيق العديد من الإصلاحات العميقة، خاصة تكريس لاستقلالية القضاء، وضرورة إصلاح الإدارة، فالملاحظ – حسب رأيها – بأن الإدارة تم تخريبها، بل يقتضي الأمر محاربة بعض الظواهر التي اعتادت عليها الأحزاب التي تتولى المسؤولية الحكومية من خلال إغراق الإدارات بأشخاص بمنطق الانتماء الحزبي من دون الأخذ بمعيار الكفاءة.
وقد طالبت بضرورة العمل بالتخطيط في القضايا الاجتماعية والاقتصادية، عبر إرساء مخططات شاملة وذات أفق استراتيجي، وفي ذات السياق، ألحت على مسألة البحث عن حل لسؤال المديونية، لأن هذا الإشكال يشكل تحديا حقيقيا أمام جميع الدول النامية، كما طالبت على أن تبقى الدولة لها دور مهم في الاقتصاد؛ مقدمة لسلسلة من المقترحات في نقاشها، من أهمها، لابد من دعم الصانع التقليدي لأن الانفتاح الاقتصادي الغير معقلن كانت نتيجته تضرر الصانع التقليدي؛ ضرورة مراجعة اتفاقيات التبادل الحر؛ الاهتمام بالأمن الغذائي والطاقي والصحي والتربوي من خلال مراجعة المنظومة التعليمية؛ البقاء على الطب عمومي؛ الدولة لابد من تحمل مسؤوليتها في القطاعات الإستراتيجية؛ لابد من قطاع خاص مواطن؛ راهنية الإصلاح الضريبي، بما في ذلك سن ضريبة على انتقال الثروة الموروثة وإلغاء الضريبة على البحث العلمي؛ لابد من دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة؛ البحث عن السبل لخلق برجوازية وطنية أو دعمها، لأن البرجوازية القائمة (البرجوازية الريعية) تساهم في تفقير المواطنين/ت؛ بالإضافة إلى ضرورة أن يكون للدولة نظرة استباقية واستشرافية.
وفي ختام هذا الحوار السابع؛ تحدثت الأمينة العامة عن القضية التعليمية، حيث أكدت بأن الاشتراكي الموحد يدافع عن المدرسة والجامعة العمومية، ويريد تعليما عموميا يلقن المعارف والقيم وقيمة العمل، ويطور الحس النقدي والمواطنتي، كما أن الحزب يريد من الأستاذ أن يكون متميز، في وضع اجتماعي مستقر وليس في وضعية هشاشة، وجادلت بأن المدرسة هي سؤال إديولوجي، فما يريده الليبرالي ليس هو ما يريده التقدمي، لأن المدرسة هي التي يتم إعادة إنتاج فيها التشكيلات الاجتماعية والبنيات الثقافية السائدة، لذلك فالمدرسة التي يدافع عليها الحزب هي التي تضمن التعدد والاختلاط المجتمعي بين جميع أبناء طبقات المجتمع، وهذا النوع من المدرسة هي التي أنتجت المفكرين والمبدعين في وقت سابق كالجابري والعروي وغيره.. مؤكدة بأن الآلية الأساسية لبناء الإنسان هي المدرسة، إلا ان هذه الأخيرة تعرضت للهجوم منذ الثمانينات.. لتختتم مداخلتها على التأكيد على ضرورة وقف نزيف هجرة الأدمغة من الجامعات المغربية.
*باحث في سلك الدكتوراه، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، فاس.
تعليقات الزوار ( 0 )