Share
  • Link copied

حميد القانوني

قبل دخوله إلى السجن وقضائه مدة ثلاثة سنوات خلف القضبان، بسبب متابعته بتهم أثارت الكثير من الجدل الحقوقي والقانوني، داخل المغرب وخارجه، بعد دخول المنظمات الحقوقية على الخط، مثل هيومن رايتس ووتش، ومنظمة العفو الدولية، ومراسلون بلا حدود، وتضمين قضيته في تقرير الخارجية الأمريكية، كنت أجد صعوبة كبيرة في إقناع الصحافي حميد المهداوي بضرورة تغيير منهجيته في التعامل مع عدد من القضايا التي كانت تستأثر باهتمام الرأي العام خوفا عليه من الوقوع في الخطأ القاتل، لأن المتربصين بالرجل كانوا موجودين بكثرة آنذاك بسبب أسلوبه في ممارسة مهنة الصحافة!

كان حرصي على حميد المهداوي أكثر من حرصه على نفسه، وبحس الإنسان الدارس للقانون لسنوات طويلة كنت أحاول دائما جر الصحافي حميد المهداوي إلى دائرة القانون، لتأطير عمله الصحفي، وكان رأسه صغيرا بكل صدق، وفي أكثر من مناسبة كان يتصل بي في أوقات متأخرة من الليل للتشاور معي بشأن قضايا لها بعد سياسي وقانوني ودستوري لتفادي كل ما من شأنه جره إلى المتابعة القضائية!

ومادام أن الأخ والصديق حميد المهداوي، لازال على قيد الحياة، مما يسمح له بتكذيبي إن افتريت عليه أي معلومة، كنت أنصحه بالابتعاد عن أشخاص معينين وعن مواضيع معينة، لأنني كنت أعلم من خلال تجربتي في الحياة ومن خلال ما راكمته من محن بسبب البشر أن الثقة العمياء في الناس والانتصار للعاطفة أكثر من الانتصار للعقل، غالبا ما يؤديان إلى الألم والوجع والضرر الجسيم الذي يحتاج إلى سنوات لجبره!

مهما كان الاختلاف مع الصحافي حميد المهداوي حادا في بعض الأمور التي تكون محدداتها ذاتية أحيانا وموضوعية في أحيان أخرى، فإن تعرضه للظلم وللحكرة لا يمكن لأي انسان له ضمير حي وخلفية حقوقية أصيلة السكوت عنه أو تسويغه تحت أي مبرر كان!

حميد المهداوي أصبح مزعجا اليوم للرأسمال الجشع أو الاوليغارشية التي تحاول السيطرة على كل مفاصل الدولة من خلال عدد من الآليات التي يسمح بها موقعها في السلطة. أما علاقته بمؤسسات الدولة فلا يمكن المزايدة على الرجل في ذلك بحجة أنه يسيئ لسمعة البلد من خلال انتقاده للسياسات العمومية للحكومة أو بمبرر أنه يعبر عن مواقف لا تتماهى مع مواقف الدولة في قضايا معينة مثل التطبيع مع إسرائيل، الذي يبقى خيارا استراتيجيا للدولة مراعاة لمصالحها العليا، أو غير ذلك من القضايا التي يراد لها أن تكون طابوا من طرف بعض الجهات لاعتبارات سياسية أكثر مما هي وطنية!

لماذا أصبح المهداوي مزعجا أكثر؟

المعرفة سلطة، وبعد مغادرة حميد المهداوي لأسوار السجن أصبح مسلحا بمعرفة قانونية مهمة جدا في القانون الخاص وفي القانون الدولي والقانون الدستوري، بل أصبحت ممارسته لمهنة الصحافة مؤطرة بحس قانوني كبير إلى درجة أنه يمكن القول اليوم بكل صدق، إن ثقافة حميد المهداوي القانونية تجاوزت بكثير ثقافة الكثير ممن يحسبون أنفسهم رجال قانون، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الرجل كان موفقا في تدبير مرحلة السجن عندما اختار دراسة القانون!

لم ألتق مع حميد المهداوي مند سنوات، ويمكن القول إن لم تخن داكرتي أن آخر اتصال بيننا كان أشهر قبل اعتقاله وعلاقتي به خلال مراحل معينة ساءت بسبب نفوري من أشخاص كانوا مقربين منه لم أكن مرتاحا لهم على الإطلاق، وكنت أعرف أنه سيأتي اليوم الذي سيدرك فيه حميد المهداوي حقيقة هؤلاء ودواعي قربهم منه!

وحتى بعد أن غادر الرجل أسوار السجن لم أزره في بيته واكتفيت بالاتصال به هاتفيا بعد مدة من إطلاق سراحه، وهو الفعل نفسه الذي قمت به في العلاقة مع الصحافي علي أنوزلا والصحافي سليمان الريسوني بعد إطلاق سراحهما لأن المهم في العلاقات الإنسانية هو الجانب المبدئي فقط أما الباقي فمثل زبد البحر يذهب جفاء!

يمكن للصحفي حميد المهداوي أن ينزعج من ذلك وفق ما بلغني من صديق مشترك ولكن ردي كان كما يلي: من يساندك ويدعمك بالرأي وانت داخل أسوار السجن افضل بكثير ممن يصمت عنك طيلة فترة اعتقالك تم يأتي إلى بوابة السجن ليهتف أمامك بشعار “المهداوي يا رفيق لازلنا على الطريق”!

حميد المهداوي صحافي مهني تجرع مرارة الألم وهو داخل السجن وأسرته أدت الثمن غاليا لمدة ثلاثة سنوات متتالية، وما يتعرض له اليوم في ظل دستور الحقوق والحريات من طرف أعضاء في الحكومة أمر ينبغي إعادة النظر فيه، لأنه مهما كانت المبررات فإن السياسي عندما يصل إلى السلطة ينبغي عليه أن يكون مستعدا للنقد ولو خرج ذلك النقد عن سياق المألوف أحيانا لأن تجربة الانتقال الديمقراطي في المغرب تجربة فتية إن لم أقل لازالت في بداية المشوار ومن العيب التشويش عليها بمتابعات تخدش الصورة الحقوقية للمغرب!

أخشى أن تكون المتابعات سياسية، وأخشى أكثر أن يكون الوزاع هو اصطفاف الرجل من موقعه الاعلامي. فكما يحق لأي صحافي الدفاع عن الوزير فلان أو السياسي علان، فمن حق المهداوي أيضا اختيار التموقع الذي يريحه، والدفاع عن المواقف والاتجاهات الفكرية التي يقتنع بها!

نحن في وطن يستوعب الجميع واكبر من الجميع واغلى من اي شيء ويكفينا فخرا أن حميد المهداوي ابن الهامش المنسي الذي يصفه البعض بالهضراوي والبعض الآخر بالحقداوي أصبح ملما بالقانون ونستفيد منه في الكثير من حلقاته الممتعة بدون اي نفاق أو مجاملة!

دعوا حميد القانوني يفكر….دعوه يغضب….دعوه يعبر عن انتهائه الوطني بالطريقة التي تناسبه وتروقه دون أي انزعاج منه. وصف الرجل بالهضراوي والحقداوي لن يضره في شيء عند متابعيه والاختلاف معه من طرف خصومه مهما كانت درجته لا ينبغي أن يخرج عن نطاق المسؤولية والله يهدي من يشاء ويظل من يشاء ويعز من يشاء ويدل من يشاء!

Share
  • Link copied
المقال التالي