شارك المقال
  • تم النسخ

حصار القلعة

لعل أخطر ما تعرضت له الأمة العربية والوطن العربيين والعالم الاسلامي وبقية شعوب الجنوب بالتبعية خلال الأعوام العشرة لما وصف زورا وبهتانا بــ”الربيع” العدوان الأطلسي- الخليجي والصهيوني بل والكوني على قلعة الممانعة ومقاومة الدولة السورية القائدة مجتمعا وحزبا وإدارة.

فبفضل الصمود الأسطوري الشامي المذهل للخصوم والأعداء، والمدعوم من قبل الحلفاء والأصدقاء، وجميع الدول المستقلة حقا والشعوب المشرئبة للسيادة، تمكنت سوريا جيشا وشعبا من هزم المخطط التخريبي- التقسيمي والإرهابي، وذلك برغم ما وفره الاستعمار والرجعية من آلاف المرتزقة والإرهابيين، ومليارات الدولارات، وأجهزة الإعلام والاستخبار وبهتان الجمعيات الدولية (غير الحكومية) والطابور6 في الداخل…الخ إخوانا وغير إخوان.

لم يكن المستهدف هو سوريا وحسب، باعتبارها القلب النابض للأمة جمعاء، كما عبر الزعيم الشهيد جمال، بل والمقاومة الفلسطينية أيضا وبالأحرى، وعموم الممانعات العربية والإسلامية بشتى أنواعها ودرجاتها في المنطقة والعالم، بل لقد كان تاريخها الثقافي والحضاري العريق والمتجذر…مستهدف بالانتقام والمحو، تماما كما وقع التمهيد له خلال العدوان الأمريكي الصهيون والرجعي على العراق سابقا، والذي ما يزال بعد مستمرا بمكر وخبث، رغم مقاومته المظفرة عراقيا، والمدعومة شاميا وإيرانيا…

وفي هذا الصدد، فإنه لا يجوز بحال نسيان كون المنطقة وفي القلب منها القلعة الشامية، كانت تاريخيا ، مهد نشأة الدين والدولة والثقافة والحضارة، بل وأن مدينة حلب ، كانت لبنة تأسيس المدن والمدنية في العالم، وانطلاقا، من نمطها تأسست بقية المدن في مواجهة نمط الهمجية والتوحش الغابوي ( ودمشق هي أول عاصمة في التاريخ) ولعل هذا هو ما يفسر جزئيا، وربما كليا، استمرار العناد في محاصرتها والتضييق الإرهابي على محيطها من قبل الملشيات الإرهابية الممولة والمؤطرة أطلسيا، من خلال التوظيف الأمريكي- الرجعي لقومجية القبائل الكردية، كما لإخوان ودولة تركيا، برغم تناقضاتهما الصورية؟

إن الرأسمالية، وهي في طور احتظارها، بفعل تراكم تناقضاتها القاتلة، كما بفعل مقاومتها من قبل جميع ضحاياها من شعوب العالم ودوله المستقلة والطامحة للديمقراطية والسلام…انتهت إلى أن تمسي إيديولوجيتها الليبرالية، دموية متوحشة، تحارب الدين (الأخلاق) والقانون (النظام والدولة) والثقافة، وتشيع فولكلوريات ما قبل التاريخ: العنف والفتيشية (عبادة الأشياء والأحياء) والمخذرات والعري والتهتك… والفوضى، وهو ما يفسر توجهها لتخريب جميع مظاهر الحياة والحضارة، وما يرمز إليها من مآثر عمرانية وقيم ثقافية ومؤسسات راسخة (العائلة- المسجد…) وفي المقابل، إحياء وترميم المقابر (عبادة الموتى ، حوالي 200 مقبرة يهودية في المغرب الأقصى حتى يومه)

وإذن، فإن ما ضاعف ويضاعف العدوان الامبريالي على الشام والعراق… هو أنهما، وبالأحرى ما يرمزان إليه من انتصار للعقل على الغرائز، والمدنية على الغابة، والحضارة على التوحش وعبادة المجرد على عبادة المجسد (بشرا وحجرا وشجرا…) والنظام على الفوضى والحب والمحبة والعائلة على التهتك…

المسألة إذن أبعد وأكبر من أن تكون سياسية فقط، بل هي ثقافية وحضارية أيضا، وأكبر من أن تخص سوريا وعموم الشام والعرب. لتعم مستقبل البشرية المتحضرة والعالم التقدمي، هي حرب عالمية وإنسانية بامتياز، والمفروض أن يلتحق الجميع بالمعركة، وذلك قبل أن يضطروا إلى ذلك، عندما تلحقهم مآسيها وتشملهم جرائمها، ولقد انطلق بعض ذلك في سياسة تقليل الأفواه (المليار الذهبي) عن طريق نشر الأوبئة وإثارة وتفجير الحروب الإقليمية والحدودية والأهلية…

المعركة كونية إذن، وليست عربية إسلامية فقط، وليست سوريا فيها سوى القلعة الأمامية، بله الطليعية، التي صمدت في مقاومة العدوان العسكري عليها، والمطلوب مضاعفة مساندتها في هذه المرحلة الثانية من العدوان الاقتصادي- المعيشي عليها وعلى أقطار وشعوب المنطقة جميعا (لبنان، الأردن، ومصر أخيرا والمغرب العربي قريبا…).

حصار التجويع ليس جديدا ولا طارئا، بل هو يعود بجذوره إلى همجية وتوحش ما قبل تاريخ الدول، ثم استعملته المجتمعات والدول القديمة جميعا (القبلية والعبودية) وتمكنت الدول الدينية، ثم خاصة البورجوازية الحديثة من تقنيين تحريمه وتجريمه، وها هي ذي الرأسمالية الامبريالية ترتد دينيا وأخلاقيا وقانونيا نحو “الاضطرار” لممارسته، بعد أن أعيتها وسائلها العدوانية، وأخفقت في اقتراف جرائمها العدوانية الحربية، وانقلاباتها “المدنية”.

إنه سلاحها الأخير، قبل الإقرار بالهزيمة، والاستسلام لإرادة الشعوب في الحرية والاستقلال والسيادة، وكما فشلت جميع تجارب حصارات التجويع للجماعات وللشعوب في التاريخ المعروف للبشرية(مسعودة، أو مسعدة ، مكة المكرمة…)، فإنه من المؤكد أن هذه الحرب الاقتصادية الراهنة، ستنتهي إلى الاخفاق، ليس فقط بفعل الصمود الشامي- العربي والاسلامي… وإنما أيضا، بفعل الدعم والمساندة المفترضة والمفروضة على جميع المناضلين العرب وغيرهم في العالم من محبي السلام والعدل والديمقراطية.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي