في الحقيقة، مع الاحترام الكامل واللازم للجميع، هزلت الأمور
وانحطت إلى أدنى مستوياتها، عندما تنام وتستيقط فتجد أن الدنيا قامت ولم تقعد في
نقاش فارغ، ثار في وسائل التواصل الاجتماعي، حول شخص أدلى بدلوه في موضوع فيروس
كورونا، وتكلم في اختصاصه بما تكلم، شأنه شأن من تكلم شمالا وجنوبا، شرقا وغربا، والرجل
سواء أصاب او أخطأ فهو بشر مثل غيره يؤخد من كلامه ويرد، فلم كل هذه الحرب الضروس
الطاحنة كأنها حرب داحس والغبراء، ألم نتعلم بعد درس كورونا، أم على قلوب أقفالها،
هذا الشخص له الحرية في أن يعبر عن رأيه وفق ما يقرره القانون ويسمح به. وإن أخطأ
فالأولى على من يعلم تصحيح أخطائه، دون نيل من أحد بسبب خلفيات سياسية أو
أيديولوجية.
نعم أختلف معه على طول الخط فيما يذهب إليه، في كثير من الأمور المتعلقة بالخلط بين التغدية والطب، ولكن قد أتفق معه فقط، فيما هو أهل له من أمور تتعلق بالتغدية، التي تبث أنه مختص فيها بشهادات علمية، دون نظر إلى هويته أو لونه أو عرقه، أو انتمائه، فأنا عندما أريد زيارة طبيب، لا أبحث عن فقيه او إمام وإنما أبحث عن من يعرف المرض ولو كان هندوسيا أو وثنيا، لا على نجار يعرف تقطيع الخشب، أما أن أجرم الرجل أو تسبب بشكل مباشر، في الأذى لأي شخص فالقانون يطاله، كما يطال الجميع، وعلى من تضرر أن يلجأ للقضاء ، طبعا لا يختلف شخصان أو يتناطح عنزان، في أن العلم هو ما يجب أن يسود، وأنه هو الحل لتجاوز الأزمات والكوارث والأمراض، خاصة والموضوع قد عجز عن مواجهته العلماء والخبراء والأطباء، في مراكز بحثية قامت دول عظمى بالإنفاق عليها، بملايين الدولارات، ومع ذلك لا زال الطب يراوح مكانه ليس عجزا من العلم ولكن عجزا من العلماء، لأن الأمر يحتاج فعلا وقتا طويلا، للقيام بتجارب سريرية على أشخاص مرضى ومتعافين، والفيروس نفسه لا زال يعرف طفرات متوالية، وكل ساعة تصدر له تعريفات وآلاف المعلومات، تفند ما سبقها، مثل ارتداء الكمامة من عدمها، وانتشاره في الهواء، وعودته مرة ثانية للمتعافين كما أكدت تقارير طبية وإخبارية من كوريا الجنوبية واليابان .
نحن أمام جائحة إعجازية أوقفت عجلة التاريخ والزمن، كل واحد يحاول فهمها، وإيجاد الحلول لها في حدود مبلغ علمه، فالشاعر يقول فيها شعرا والفيلسوف يقول تنظيرا ويطرح إشكالا، والفقيه يقدم نصيحة وموعظة، والصحافي يقول خبرا، وخبير التغذية يعطي رأيا في الأغذية المقوية للمناعة، قد تكون مفيدة قبل الإصابة بالفيروس، وهي ليست علاجا وإنما وقاية، ومناعة، فأكلنا الثوم وشرب القرفة والزنجبيل و أكل فيتامين س والزنك ثبت أنه ينفع ويقوي المناعة فعلا، ولا يقول أنها مواد علاجية بعد الإصابة بالمرض إلا جاهل.
أما رأيه فيما يتعلق بالصوم في زمن كورونا فالقول هو قول الطب،
فمريض السكري مثلا لا يصوم إلا بإذن من الطبيب ثم إن الله تعالى قال في محكم كتابه
برخصة الإفطار للمرضى :(فإن كنتم مرضى أو على سفر فعدة من أيام أخر) صدق الله
العظيم.
وعلى العموم ورغم ذلك فقد دلت أبحاث علمية رصينة ومحكمة لباحثين
غربيين غير مسلمين مثل الدكتور إيرك بيرج صاحب حمية الكيتو التي تعني الصوم
المتقطع، وباحثين مسلمين مثل الدكتور معز الإسلام فارس، والذي نشر ورقة بحثية
بعنوان الصوم ومناعة الجسم ضد العدوى، في أرقى الدوريات العالمية مثل المجلة
البريطانية للتغدية، والمجلة الأوروبية للتغدية والمجلة الرسمية للاتحاد العالمي
للسكري، المعترف بها لدى الأكاديمين، وقد انتهى في ورقته العلمية بالأدلة إلى أن
الصوم ليس له أي أثر سلبي على المناعة بالنسبة لغير المريض، بل تبين أن الصوم يعين
الجسم على نوع من الباكثيريا وله آثار إيجابية على أمراض معينة كأمراض المناعة
الذاتية، مثل التصلب اللويحي، وكذلك المتلازمة الأيضية، وغيرها من الأمراض، وهي
نفس النتائج التي توصل لها علماء آخرون، ليس لهم خلفية إسلامية أو دينية، وتوصلوا
إلى أن الامتناع عن الأكل، لفترة طويلة أو متقطعة، أو الأكل المقيد بالوقت، او
صيام الأيام المتناوبة، أو الحمية المحاكية للصيام، تبين أن لها آثار جيدة في
تطهير الخلايا المناعية وتدمير الخلايا الميتة ، وخلص إلى أنه من خلال الرصد
التجريبي العلمي ليس هناك دليل على أن الصيام يزيد من عرضة الجسم للأوبئة
والأمراض، والعدوى الفيروسية، كما نقل ذلك الدكتور إياد قنيبي وهو دكتور مختص في
علم الأدوية حاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة هيوستن الأمريكية. وهو بالمناسبة
من بين أول من تكلم عن دواء الهيدروكسي كلورو كين كبروتوكول علاجي لفيروس كورونا.
وحيث لذلك فالأمر كان سيبقى عاديا لو فند رجل علم او طبيب مختص
رأيه، أو رأي غيره.
أما أن تقوم حرب شعواء، لمجرد ان شخصا بعينه قالها فتفترق
القبيلة، فريقين، ويبدأ كل حزب شحذ سيوفه ويوغر صدر أنصاره ، وتنسى القبيلة أن
وحشا يدق بابها وينتظر اقتتالها، للانقضاض عليها، فيفايروس كورونا سيسحق الجميع
غير مفرق بين أسود اوأبيض، كان النبلاء الإقطاعيون في العصر الفيودالي لا يتقاتل الواحد منهم مع
صاحبه، إلا بعد أن يمكنه من سلاحه ويعلمه بساعة النزال، فهل هذا وقت النزال
والعراك البيزنطي، إنها معركة خاسرة لأ نها حرب دون كيخوتية تعرفون الكاتب
الاسباني سيرفانتس لقد خلق شخصية دون كيشوت الفارس الخشبي الذي خرج لابسا درعه
وخوذة رأسه وركب على حصان هزيل وهو يظن أنه فارس الفرسان، واختار ذلك الفلاح
البسيط الساذج سانشو تابعا له. وتخيل أنه يخوض معارك مع أبطال وهميين للقضاء على
الأشرار والظالمين وهو في الحقيقة لم يكن يحارب إلا هواء الطواحين والفرسان
الخياليين، ومع ذلك كان تابعه الأبله سانشو يصفق له. بغباوة.
لا يجب أن نبدأ حربا غير أخلاقية ولو مع العدو أو المختلف عنا
فكريا أو عقائديا أو أيديولوجيا، حتى يمكن الانتصار بجدارة واستحقاق ، لأن الجمهور
بلغ الرشد العقلي ولم يعد ذلك السانشو الأبله البسيط، نعم يجب أن يخرس من لا يعلم،
ويعاقب من أجرم، بدون حقد دفين، او غل قديم، ألم نتعلم بعد درس كورونا وقد حصد
الأخضر واليابس، والأقوياء و الضعفاء والاغنياء قبل الفقراء. وعلى الناس جميعا، أن
لا تأخد برأي غير صاحب اختصاص، في كل ما يتعلق بمعاشهم ومعادهم فإن تعلق الأمر
بالصحة أخذوا برأي الطبيب، وإن تعلق الأمر بالصلاة والدين أخذوا برأي الفقيه، وليس
أي فقيه وإنما الدي أفنى عمره في التحصيل العلمي ومنحته الدولة رخصة الإفتاء، حتى
لا يتنطع المتنطعون ويتقول المتقولون، ويهرفوا بما لا يعرفون، وإن تعلق الأمر
بالأكل سألوا عالم التغدية والمناعة،فلاضير ولا إشكال، وهكذا حتى لا يتجاوز أحد
مهما كان، حدود ما يعلم.
لنهدأ فهذه الحرب الوهمية ليس وقتها وقتها، فقد ينقلب السحر على الساحر، وتقول المرأة لصاحبتها في الصيف ضيعت اللبن !!
*محام بهية القنيطرة
تعليقات الزوار ( 0 )