شارك المقال
  • تم النسخ

حركة النهضة وانتخابات الرئاسة في تونس: الحسابات والدوافع

بناصا ـ متابعة


صوت مجلس شور حركة النهضة التونسية، يوم 7 غشت 2019، لفائدة ترشيح نائب رئيسها، رئيس مجلس نواب الشعب (البرلمان التونسي)، عبد الفتاح مورو، للانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها منتصف سبتمبر 2019، بأغلبية 98 صوتا من دون اعتراضات ومع تحفظ 5 أعضاء على القرار. ويأتي حسم شوری النهضة في مسألة الترشح لانتخابات الرئاسية، بعد أشهر من الجدل داخل أطر الحركة وخارجها، بين من يرى ضرورة تقديم مرشحها الخاص ومن يذهب إلى دعم مرشح من خارجها. فتح القرار الباب أمام تساؤلات أخرى حول آفاق هذه الخطوة، وحظوظ الحركة ومرشحها في الاستحقاق الرئاسي المقبل، ثم في الاستحقاق البرلماني، وخريطة التحالفات المتوقعة، والتعامل مع السياق الإقليمي، على الرغم من أنه حسم الجدل حول هوية المرشح


ترشيح مورو: الدوافع والسياق

تعود علاقة مورو بالحركة الإسلامية إلى عام 1968، حين التقى رفيقه راشد الغنوشي، وأسس، معه، «الجماعة الإسلامية» التي تحولت إلى «حركة الاتجاه الإسلامي» سنة 1981، ثم إلى «حركة النهضة» سنة 1989. انتخب مورو في المؤتمر العام لحركة النهضة عام 2012 نائبا لرئيس الحركة، وأصبح عضوا بمجلس النواب، عن دائرة تونس المدينة، سنة 2014، حيث تولى مسؤولية نائب الرئيس، قبل أن يصبح رئيسا لمجلس النواب إثر تولي رئيسه السابق، محمد الناصر، رئاسة الجمهورية بعد وفاة الرئيس محمد الباجي قائد السبسي يوم 25 يوليو 2019″. لم يكن قرار ترشيح مورو لخوض السباق الرئاسي المقبل بالأمر الهين؛ إذ شهدت مؤسسات حركة النهضة جدا كبيرا، طوال عام 2018، بين من يرى أن المشهد السياسي التونسي والسياق الإقليمي والدولي لا يحتملان تصدر الحركة، المحسوبة على الإسلام السياسي، سدة رئاسة الجمهورية، وأن من الأنسب لها دعم مرشح من خارجها، ومن يعتبر أن الوزن السياسي والانتخابي للحركة، صاحبة الكتلة الأكبر في البرلمان والفائزة بأغلب المجالس البلدية، عوامل تحتم عليها خوض غمار الاستحقاق الرئاسي بمرشح من داخلها. وكان الرأي الغالب حتى قبل أسابيع بحسب تصريحات أعضاء المكتب التنفيذي وقياديي الصف الأول في حركة النهضة يميل إلى الموقف الأول، غير أن اجتماع مجلس الشورى، في 7 غشت 2019، انتصر للخيار الثاني، بأغلبية كبيرة، وذلك بعد يومين من المداولات.


وحرصت الحركة، في بياناتها وتصريحات قياداتها، على إظهار أن هذا الخيار هو قرار ديمقراطي نابع من داخل مؤسساتها، وأن صندوق التصويت، وحده، هو الذي فصل في الخلاف بين خيار أغلبية المكتب التنفيذي التي كانت تفضل دعم مرشح من خارج الحركة، وخيار أغلبية مجلس الشورى. لكن من الواضح أن التوافقات الداخلية وحسابات ما بعد رحيل الرئيس السبسي لم تكن غائبة عما انتهت إليه قرارات المجلس وعن الدفع بمورو إلى مضمار السباق الرئاسي المقبل. على المستوى الداخلي للحركة، شهدت الأسابيع التي سبقت ترشيح مورو تجاذبات متعددة بين القيادات المركزية والجهوية بخصوص القوائم المرشحة للانتخابات البرلمانية.


وعبر قياديون تاريخيون في الحركة، عبر حساباتهم الشخصية وفي وسائل الإعلام، عن عدم رضاهم عن تدخل رئيس الحركة، الغنوشي، وهو تطور لافت في مسار الحركة التي استطاعت، طوال السنوات الماضية، الحفاظ على وحدتها التنظيمية واحتواء خلافاتها داخل أطرها الرسمية، عكس الأحزاب الأخرى التي شهدت انقسامات أضعفت حضورها، على غرار «نداء تونس» حزب الرئيس الراحل السبسي، وحزب الرئيس الأسبق محمد منصف المرزوقي، والجبهة الشعبية (ائتلاف يساري قومي). لكن الغنوشي بتقديمه مورو لخوض السباق الرئاسي، وإعلانه ذلك بنفسه أمام أعضاء مجلس الشورى، أسهم في جسر الهوة بين قياديي الحركة، وترك أثرا إيجابيا، حيث خفتت أصوات الغاضبين وانطلقت مختلف المكاتب المركزية والجهوية في الإعداد لخوض الحملات الدعائية للاستحقاقين الانتخابيين، الرئاسي والبرلماني. أما على مستوى الوضع السياسي العام، فقد أحدثت وفاة الرئيس السابق السبسي خلطا جديدا للأوراق؛ دفع الأطراف المتنافسة إلى خوض السباق الرئاسي بمرشحها الخاص. فعملا بمقتضيات الدستور، الذي يفرض إجراء انتخابات رئاسية سابقة لأوانها في أجل أدناه شهر ونصف الشهر وأقصاه ثلاثة أشهر، قامت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بتقديم موعد الدور الأول من الانتخابات الرئاسية على موعد الانتخابات البرلمانية، خلاف ما كان مقررا سابقا. وتدرك الأطراف المتنافسة أن نتائج الانتخابات الرئاسية ستكون مؤثرة، في كل الأحوال، في توجهات الناخبين في الاستحقاق البرلماني. وبهذا الحساب سيكون توجيه الخزان الانتخابي الحركة النهضة إلى التصويت لمرشح من خارجها مساهمة في إضافة مكاسب إلى الطرف السياسي الذي يمثله على حساب رصيدها المفترض في الاستحقاق البرلماني، وإن بمقادير نسبية).


حسابات الداخل والخارج


لم ينه ترشيح حركة النهضة نائب رئيسها، مورو، المعروف بتوجهاته الديمقراطية التوافقية، لخوض السباق الرئاسي الجدل حول هوية المرشح داخل الحركة، فحسب، بل أنهى، أيضا، آمال عدد من المرشحين الآخرين الذين كانوا يعولون على دعم الحركة لهم. فقد ظل الحوار قائما مع رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد إلى حين انعقاد مجلس شورى النهضة، غير أن اختيار الشاهد الترشح باسم حزبه، «تحيا تونس»، ورفضه الترشح مستقلا، أديا، إلى جانب عوامل أخرى، إلى المضي في خيار ترشيح مورو). وفي السياق ذاته، تخوض حركة النهضة ومرشحها، مورو، السباق الانتخابي الرئاسي في مواجهة أسماء أخرى بارزة محسوبة على المنظومة التقليدية، إلى جانب الشاهد، بينها وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي، ورئيس الحكومة الأسبق مهدي جمعة، إضافة إلى رجل الأعمال ومالك قناة «نسمة» الفضائية نبيل القروي. وتدرك حركة النهضة أن تعدد المرشحين المحسوبين على المنظومة التقليدية سيجعل الاستحقاق الرئاسي المقبل مختلفا، في كثير من تفاصيله، عن الاستحقاق الرئاسي سنة 2014. ففي الرئاسيات الماضية، استطاع السبسي، بصفته سياسيا مخضرقا، أن يجمع حوله طيفا كبيرا من مناهضي حكومة الترويكا وحركة النهضة، وأن يفعل الاستقطاب الثنائي من خلال تقديم نفسه، وحزبه، بديلا حداثا من الإسلام السياسي، ولم يكن للمرشحين الآخرين المحسوبين على المنظومة التقليدية حظوظ تذكر معه.


تدل المؤشرات على أن المرشحين المحسوبين على المنظومة التقليدية سيمضون في قرار ترشحهم من دون أن ينسحب أي منهم لمصلحة مرشح آخر، غير أن لجوء القاعدة الناخبة لهؤلاء المرشحين إلى «التصويت المفيد» لأحد المرشحين يظل واردا. وفي الآن نفسه، يظل تنسيق عملية التصويت المفيد» أمرا معقدا ومحدود الفاعلية في الدور الأول، في حين سيكون أشد فاعلية وحسها في الدور الثاني لتقلص خيارات الناخبين وانحصارها في مرشحين. ومقابل ذلك، تخوض حركة النهضة السباق الانتخابي الرئاسي موحدة وراء مرشحها، مورو. وقياسا على نتائج الانتخابات البرلمانية والبلدية السابقة، التي أظهرت تقدقا للحركة في أغلب الدوائر، وبالنظر إلى القدرة التنظيمية والتعبوية التي ميزت حملاتها الانتخابية السابقة، وإلى تشتت منافسيها، من المرجح أن يتأهل مورو إلى الدور الثاني في مواجهة من سيتأهل من المحسوبين على المنظومة السابقة، والذي سيكون، بحسب مؤشرات موضوعية، وفي حال صحت استطلاعات الرأي، أحد أربعة هم: رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد، أو وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي، أو رئيس الحكومة الأسبق مهدي جمعة، أو رجل الأعمال نبيل القروي، كما برز مؤخرا اسم المرشح المستقل قيس سعيد. ومقابل ترجيح تأهل مورو للدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، يظل فوزه النهائي محل شك ومحكوقا بعوامل عدة. إذ من الممكن أن يحدث «التصويت المفيد» للمرشح المحسوب على المنظومة القديمة فارقا مهما عن نتائج الدور الأول، غير أن مورو، أيضا، سيستفيد، على الأرجح، من «التصويت المفيد» من جانب أنصار بعض مرشحي الدور الأول الذين يرفضون التصويت لمرشح المنظومة التقليدية، مثل أنصار الرئيس الأسبق المرزوقي والمرشح المستقل قيس سعيد ورئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي وبعض أنصار مرشح التيار الديمقراطي محمد عبو؛ وهم مرشحون تمنحهم استطلاعات الرأي حضورا نسبيا في الدور الأول. وإضافة إلى تأثير العوامل والحسابات الداخلية في النتيجة النهائية للانتخابات الرئاسية، من المتوقع، قياشا على تجارب سابقة، أن تحاول بعض الأطراف الإقليمية المناهضة للمسار الديمقراطي في تونس التدخل لترجيح كفة منافس على آخر ومؤازرته بالدعم الإعلامي والمالي، وهو ما بدأ يظهر، مبكرا، في الحملات التي دشنها الإعلام المصري والإماراتي خصوصا.


خاتمة


تختلف الانتخابات الرئاسية المقررة منتصف أيلول / سبتمبر 2019، في كثير من تفاصيلها، عن الانتخابات السابقة إذ تتقدم حركة النهضة، أول مرة، بمرشحها الخاص، من دون أن يثير ذلك رد فعل حاڈا، ما يدل على تطبيع الديمقراطية التونسية ورسوخها، في حين تشهد المنظومة التقليدية انقساقا حادا وتعدا في مرشحيها؛ ما يمنح مرشح النهضة فرصة المرور إلى الدور الثاني، حيث سيعاد توزيع التحالفات وتفعيل «التصويت المفيد» من الطرفين. وفي الآن نفسه، من المتوقع أن يتكثف التدخل الإقليمي، للتأثير في النتيجة النهائية وهي فرضية ترجحها التجارب السابقة والمؤشرات الحالية. لكن يبقى أن تقديم النهضة مرشحا عنها يعد خطوة مهمة لتعزيز مسيرة تونس الديمقراطية، ذلك أن التجربة التونسية قد نضجت بما يكفي حتى يعتاد الجميع، داخل تونس وخارجها، على وجود مرشح عن حركة إسلامية ملتزمة النظام الديمقراطي ودستوره، يقرر الناخب بشأنه، بدلا من البقاء في خلفية المشهد السياسي، والتخوف من ممارسة العملية الديمقراطية بكل الشفافية التي يتطلبها نجاحها.


كلمات دلالية
شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي