في حوار خاص لجريدة بناصا، يصف الدكتور لحسن حداد وزير السياحة سابقا، أزمة قطاع السياحة بغير المسبوقة تاريخيابسبب تفشي وباء فيروس كورونا، مؤكدا أن القطاع يعيش شللا شبه كلي.
وحسب تقدير وزير السياحة السابق، فإن استعادة القطاع لحيويته قد يأخذ زمنا طويلا، باعتباره حلقة مهمة يؤثر تفككها، على سلسلة من القطاعات من بينها قطاع النقل الجوي. وطالب الوزير السابق بضرورة تغيير نظرة الإدارة المالية للدولة للقطاع، التي تعتبره غير ذي أهمية كبرى، في تناقض مع معطيات المؤسسات السياحية ومساهمتها في خلق عشرات الآلاف من مناصب الشغل، وحجم معاملاته السنوية بالعملة الوطنية أو ما يوفره من العملة الصعبة.
وبغض النظر عن الآثار الآنية للأزمة، يري حداد باعتباره نائبا برلمانيا عن حزب الاستقلال، أنه يتعين على الحكومة كسر جدار الصمت والشروع في عملية تواصل مع مهنيي القطاع، بغية طمأنتهم وإرجاع الثقة، أزمة قد تعصف بعشرات الآلاف من منصاب الشغل وتسبب إفلاس المقاولات.
كما لم يفوت حداد الفرصة بدعوة البرلمان لخلق منتدي تشاركي، ابتداء من الآن، يجمع الحكومة بالنواب وبكل الفاعلين في القطاع، للتفكير الجماعي في إيجاد صيغ لدعم الفاعلين الخواص والعموميين المشتغلين في السياحة، من بينها إبداع حلول بنكية متوسطة المدى كمنح قروض بدون فائدة تضمنها الدولة.
وعرج الحوار مع لحسن حداد لحسن حداد، باعتباره أكاديميا وأستاذا جامعيا، على تصوره حول بناء اقتصاد ما بعد ازمة كورونا، أهمها البحث العلمي والتكنولوجي ودعم الطبقة الوسطى وخلق الاكتفاء الذاتي. وفي ما يلي نص الحوار الذي أجرته الجريدة معه.
إليكم الحوار كاملا مع حداد..
بداية وباعتبار أنكم شغلتم منصب وزير السياحة سابقا كيف تصفون ما يتعرض له القطاع من توقف بسبب جائحة كوررنا؟
الوضع الحالي غير مسبوق ولم نشهد مثيله في تاريخ قطاع السياحة. نعم مرت على البشرية كوارث طبيعية وحوادث وحروب أو ثورات في العقود الأخيرة أثرت على الاقتصادات الوطنية والعالمية، كتفكك الاتحاد السوفييتي وانهيار جدار برلين وما تلي ذلك من حروب في عدة بقاع من أوروبا، أو وباء سارز في 2002-2003، وأحداث 11 شتنبر2001، أوغزو العراق، أو الأزمة المالية لسنة2008 أو ثورات الربيع العربي وما تلاها من أزمات، لكن رغم كل هذه الأزمات العالمية الكبرى لم تتوقف السياحة كما يقع اليوم حيث نشهد شللاً شبه تام لقطاع الطيران و إغلاقٍ لجميع المؤسسات الفندقية وإقفال للمطاعم عبر العالم. النشاط السياحي الذي يشكل أحد أعمدة الاقتصاد الدولي بحوالي 1500 مليار دولار وحركة المسافرين عبر العالم التي تصل مليار وخمسمائة مليون مسافر تقريبا، توقف وشلت حركته بشكل لم نشهده منذ الحرب العالمية الثانية. إذن ما يتعرض له القطاع اليوم يصعب وصفه، فهو أكثر من كارثة، ستنتج عنه أزمة اقتصادية كبيرة، وأزمات لسلسلة القطاعات الفرعية المرتبطة به. حتما القطاع سوف لن يبقى كما كان عليه، وسوف يتغير بشكل كبير، من ناحية العرض والطلب، وإفلاس مقاولات وأيضا من ناحية الطيران إلى غير ذلك وتحولات كبيرة تنتظره.
وهل ترون أنه بعد خروج العالم والشعوب منهكة من الحجر الصحي و محاربة تفشي الوباء ستعود العافية بسهولة للقطاع و للقطاعات المرتبطة به كقطاع النقل عموما والنقل الجوي تحديدا؟
نعم حتما ستعود للقطاع عافيته فهذه صيرورة الحياة الإنسانية بعد المرور بالأزمات، تحاول الدول العودة إلى الحياة الطبيعية العادية. ولكن هذا بعد صراع ووقت طويل نسبيا، نظرا لكون سلاسل القيم لقطاع السياحة تبعثرت وانهارت، وهناك شركات ومقاولات سياحية ستغلق أبوابها، مما سيؤدي إلى تسريح جماعي وكثيف للعمال، وفقدان مناصب الشغل، وسيكون هناك إعادة النظر في النموذج برمته. أرى بهذا الخصوص أن النموذج سوف يتجه إلى الأخذ في الاعتبار الاستهلاك الوطني الداخلي، المخاطر الصحية الموجودة و أيضا سيتم الإهتمام بالحواجز الصحية، التي ستتخذها مختلف الدول. أظن أن السياحة المقبلة ستأخذ في الاعتبار المخاطر الوبائية، من ناحية النظافة والوقاية، بعدما كانت سابقا تعطي الأولوية للمخاطر الأمنية.
لذلك أرى أن سيأخذ وقتا، ربما سنة أو سنتين، ليتعافى القطاع، ويعود إلى دورة الحياة الاقتصادية بشكل تام وكامل، وإن كنت أرى أنه لن يعود لسابق عهده بنفس الدرجة والمستوى السابق إلا بعد زمن طويل.
إذن ليس هناك قطاع مغربي يمكن أن يعوض مداخيل قطاع السياحة؟
هي حقيقة اقتصادية واضحة، ليس هناك أي قطاع اقتصادي في المغرب يمكنه أن يعوض السياحة. الإشكال المطروح حاليا هو إشكال صعب جدا، بحيث يدور حول الرهان على توفير العملة الصعبة، فكل القطاعات التي توفرها متوقفة حاليا، من صناعة وتصدير السيارات والاستثمارات الأجنبية المباشرة وعائدات المغاربة المقيمين بالخارج.
وانضافت أيضا إليها السياحة التي توفر رقما مهما في احتياطي العملات الأجنبية مما شكل عبئا كبيرا على احتياطي العملة الصعبة، لذلك لجأت الدولة إلى حل لا مفر منه وهو الاقتراض الخارجي، لتوفير العملة الصعبة، حتى تتمكن الدولة من الاستمرار في توفير حاجيات البلاد بالمواد الضرورية من الأسواق الدولية. ربما جزء من هذه القطاعات ستسترجع حيويتها بعد جائحة كورونا، لكنها لا يمكنها أن تعوض مداخيل السياحة. ربما يمكن لبعض الآليات مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي أن تلعب دورا في توفير العملة لكن يبقى الحل والمورد الأساسي لها حاليا هو الاقتراض الخارجي.
ما هي في نظركم الإجراءات المستعجلة على المستوى القريب التي يمكن للدولة أن تقوم بها لإنقاذ المهنيين من الإفلاس والحفاظ على مناصب الشغل؟
أول شيء يمكن أن تقوم به هو تكسير جدار الصمت و التواصل المباشر والإيجابي المطمئن، مع مهنيي قطاع السياحة. مسؤولي القطاعات المعنية عليهم أن يتواصلوا وأن يقولوا للمهنيين، إن الحكومة مدركة لخطورة أزمة القطاع، وأنها بجانبهم لعبور هذه المحنة الاقتصادية الطارئة، فهو قطاع استراتيجي مهم. الملاحظة التي أسجلها هي وجود توجه داخل الإدارة، ترى في القطاع أنه غير ذي أهمية كبيرة. ترى فيه أنه لايساهم بالشكل الكبير في الموارد الجبائية لخزينة الدولة، وأن العاملين بالسياحة والمسجلين في الضمان الاجتماعي عددهم قليل، وبالتالي ترى فيه قطاع غير مهم بشكل كبير، وهذا غير صحيح بتاتا. السياحة قطاع مهم استراتيجي، لأن رقم معاملاته يصل إلى 130 مليار درهم، و عملة صعبة مقدرة بحوالي 75 مليار دولار، وعدد العاملين في القطاع يصلون إلى 750 ألف يد عاملة كمناصب شغل مباشرة، و 2 مليون مناصب شغل غير مباشرة. وأقل ما يمكن فعله هو خروج الحكومة للتواصل مع المهنيين بأنها ستدعمهم وستفكر في حلول لمشاكل القطاع ومناصب الشغل، بمعنى أن الجانب التواصلي مهم للغاية في هذه المرحلة لأنه يخلق نوعا من الاطمئنان والثقة.
ولكن هناك بعض المهنيين يرون بأن الأبناك لا تزال تتعامل مع القاولات الفندقية والسياحية الصغرى والمتوسطة بنفس طرق الفترات العادية في تكوين ملفات الحصول على خطوط تأمينية مالية وتسهيلات التمويل؟
تدخل الدولة مطلوب ليس فقط في قطاع السياحة، وإنما حتى في قطاعات أخرى، وذلك من خلال التدخل لدى البنوك، لكي تمنح القروض المطلوبة لسير المؤسسات السياحية الخاصة، مع ضرورة تدعيم البنوك بصيغ مالية أو ضريبية تحفيزية.
القروض السياحية ينبغي أن تكون على خمس سنوات و بدون فائدة، (بعد تغيير سعر الفائدة المرجعي لدى بنك المغرب)، وتأجيل بداية السداد لمدة سنة. هذا إذا أردنا أن تستعيد المؤسسات والمقاولات السياحية الفندقية عافيتها. شخصيا اقترحت ذلك من خلال سؤال وجهته للسيد رئيس الحكومة حول الإجراءات التي تقوم بها الحكومة لتخطي الأزمة الاقتصاديةالتي أحدثها وباء كورونا. إذا لم تقم الدولة بالتدخل المستعجل فإن الأبناك لن تقوم بعمل كبير في هذا الباب، وستظل حبيسة المساطر العادية في تدبير القروض، في الوقت الذي نحن فيه بحاجة إلى إبداع طرق استثنائية، تتماشى مع الظرف الاستثنائي الذي نعيشه. ما تقوم به الأبناك اليوم من تأجيل لأداء أقساط القروض إلى غاية يوليوز لن يحل الإشكال، لأن آثار الأزمة الحالية ستظهر أكثر حدة بعد توقف انتشار الوباء.
ما هي مقترحاتكم باعتباركم خبرتم تدبير القطاع لإنعاش القطاع بعد مرور الجائحة؟
أظن أنه بعد مرور الجائحة علينا العمل على تعزيز السياحة الداخلية، ثم علينا التفكير في نوع من التدبير الاستراتيجي للقطاع. مثلا علينا تحديد الأسواق التي يمكن أن نرجع إليها بسرعة، كالسوق الألمانية، والسوق الروسية والسوق الصينية والسوق العربية، بمعنى الأسواق التي تأثرت بكورونا لكن ليس بشكل كبير جدا هذا المستوى القريب. أما المدى المتوسط، علينا الإشتغال على الأسواق الفرنسية والإنجليزية والأمريكية وبالطبع الإسبانية والإيطالية على المدى البعيد، لأنهما مهمين جدا بالنسبة لأعداد السواح وحركة الطيران. وأظن علينا اتخاذ إجراءات تنتبه إلى مجموعة من العناصر، منها تدهور القدرة الشرائية في الأسواق الاوروبية، أيضا ضرورة تعزيز العرض السياحي المغربي بالإهتمام بالجانب الصحي، في المطارات والمؤسسات الفندقية والمطاعم وغيرها، باعتبار الجانب الصحي سيصبح أحد المعايير التي تعطي الثقة للأجانب، وتحفزهم على زيارة المغرب، وهي بشكل آخر تعبير تسويقي عن الوعي بضرورة الحماية والوقاية من الأوبئة. والعنصر الثالث هو ضرورة “غزو” العالم الرقمي لتسويق جديد لصورة المغرب بعد الوباء.
العنصر الرابع هو ضرورة إشراك الخطوط الجوية المغربية مع القطاع السياحي بشكل أكبر، باعتبارها فرصة لتعزيز قدرات الشركة لتسترجع حيويتها، وتتفادى آثار الأزمة، وذلك تقديم عروض بشروط تفضيلية وأثمنة مناسبة تنافسية ومشجعة.
أنتم أيضا نائب برلماني عن حزب الاستقلال في تصوركم ما هو الدور المنوط بالبرلمان للتفكير في حلول عاجلة لأزمة القطاع؟
فعلا البرلمان عليه أن يلعب دوره. ويتعين على لجنة القطاعات الإنتاجية أن تشتغل على هذه الإشكالات من الآن ولا تنتظر حتى مرور الأزمة. بإمكان اللجنة المذكورة إعداد حزمة أفكار وسيناريوهات مستقبلية، تمهد لإعداد مخطط إقلاع جديد. أيضا اللجنة عليها أن تشتغل بتشارك مستمر مع الوزارات المعنية، مع ضرورة التحاور مع المهنيين. شخصيا اتصل يوميا بمجموعة من المهنيين للتعرف على وجهات نظرهم للأزمة، ولمآلاتها مستقبلا و على أنجع الحلول لاستعادة القطاع لحيويته. الخلاصة هي أنه ينبغي أن يكون البرلمان منتدى يجمع جميع الفاعلين الحكوميين والسياسيين الاقتصاديين وأيضا المهنيين والأبناك، بغية التفكير الجماعي للخروج من الأزمة ولا ينبغي لنا أن نظل في صف المسائل فقط بل الشريك المباشر للحكومة والقطاع الخص لربح الرهان.
آخر سؤال باعتباركم أكاديمي وأستاذ جامعي، حول نظرتكم حول اقتصاد ما بعد كورونا ودور الدولة فيه هل ستعود للمخططات الخماسية وغيرها وهل سيكون حجم ومساحة تدخل الدولة كبيرا في الاستثمار وكيف ستدير علاقاتها التجارية والاقنصادية مع العالم ومع التكتلات الجهوية والاقليمية باعتبار كورونا غيرت مفهوم الخصم والمنافس والصديق او الحليف؟
أزمة فيروس كورونا المستجد كوفيد 19 أرجعت للدولة دورها الكبير جدا. أعتقد أننا بعد مرور الأزمة سنتوجه أكثر إلى إقتصاد مسير ومخطط له أكثر. ولا أظن أننا سنرجع إلى المخططات التنموية الخماسية، هذه المخططات التي أقرها المغرب في زمن ما لم تكن فيه القدرات الإقتصادية متطورة بشكل كبير جدا. الآن نحن نملك من العناصر والقدرات التي تؤهلنا لإعادة بناء الاقتصاد بشكل صلب وقوي ومنتج، لكن علينا القيام بذلك بشكل مختلف. أولا علينا بالاهتمام بالكفاءات الوطنية علميا، فيما يتعلق ببراءات الاختراع و البحث العلمي ومختبرات التفكير والتجريب العلمي وهذا أمر أساسي يحدث نهضة علمية وتكنولوجية، حتى نتمكن من تقديم عرض اقتصادي متجدد. ثانيا علينا الاشتغال على الطبقة المتوسطة وتوسيع قاعدتها، وإعطائها الإمكانيات لكي تشكل محركا حقيقيا للاقتصاد الوطني وحتى لا نعتمد أكثر على منتوجات العولمة. ثالثا علينا أن نمر إلى مبادرات اقتصادية جديدة، كالزراعات الحضرية، لخلق الاكتفاء الذاتي في المدن وفي القرى. هناك مساحات خضراء كبيرة وكثيرة في الفضاءات الحضرية يمكن استعمالها لأنواع من الزراعات. ثالثا علينا الدفع بالاقتصاد التضامني، لخلق نوع من التبادل التجاري بين المدن وبين القرى وك فيما بينها، والتي يمكنها أن تخلق اكتفاء ذاتيا تضامنيا. رابعا ينبغي التقليل من الاستهلاك وثقافة الاستهلاك المفرط حتى لا يصبح هو أساس الاقتصاد وحياة المجتمع، وإنما يصبح الأساس هو سد الحاجيات المختلفة. خامسا علينا أن نمر إلى تحويلات مالية مباشرة لفائدة الطبقات المتوسطة الدنيا والفقيرة على مدى سنوات لتتمكن من سد حاجياتها والخروج من الفقر. سادسا ينبغي التفكير سن ضرائب جديدة منصفة للدولة والمجتمع، على الطبقات الميسورة والشركات الكبرى وأصحاب الرواتب العليا، من أجل تحقيق توزيع عادل الثروة بالنسبة لجميع فئات المجتمع.
تعليقات الزوار ( 0 )