شارك المقال
  • تم النسخ

جدلية الألم والحب

في لحظات البعد والجفاء. والصفاء الذهني  والكشف  والتجلي، يتحقق عندي انه في الجرح لا يشعر بالألم.  إلا أنت ،ففي الجرح تكون وحدك ،لأن الألم منغرس منغرز  في جسدك أنت وحدك وليس في جسد  احد  آخر  غيرك ، فحتى لو اشفق العالم  كله عليك، وواساك فإنه لن يشعر  بما تشعر به  من كمد،لأنه كامن  في مسامك  وجلدك  لا تستطيع  الانفكاك منه  او  التملص من تأثيره، والهروب من وجعه  ،كما تهرب الطريدة  عندما تصاب  برصاص الصياد معتقدة  انها ستنجو.  من جلدها ومن الموت والألم…

          فشعور الشفقة والمواساة  ليس هو   إحساس الألم ،  فانت تموت وحدك  ولا يموت معك احد وعند البعث تبعث وحدك ،  ، لأن الألم فردي ذاتي بامتياز ،ولو في حالة الجرح الواحد  لأن شفافية  كل فرد تحدد مقدار. المه ، ومستوى. وعيه ، وإيمانه  بقضيته يحدد مدى صبره  وتجلده  ومقاومته  لانه لا يحمل معك  الجرح   ايا كان  سواك ، فالآخر  مهما كان قريبا منك  إنما يتمثل  ويقارن  ما  يقع لك ويتخيله  من خلال تجربته هو  وليس من خلال  ما اصابك  انت ،  فالالم  ليس مشاعا ولا يقبل  القسمة…

         كما انه في لحظات العزلة والانعزال عن كل المتعلقات  اليومية،  من عمل واهل وولد ، وعند التوحد  بالذات ،  و تركز  ، وتكثف الشعور  بالحزن والشجن  ينكشف  الغطاء والستار وينزاح الحجاب الخادع ،

  وعندها  أتساءل  بصدق  هل الحب  يستطيع  مجابهة. الألم  والقضاء عليه هل يستطيع المتحابين  التوحد. في الألم. الى حد التماس  والحلول  والاتحاد. ويصير قول الحلاج تعبيرا حقيقيا عن حالة وجدانية من الفناء. في ذات المحبوب  إذ يقول :

 بيني وبينك إني ينازعني // فارفع  بإنيك إني من البين

وقوله كذلك :

أنا ومن أهوى أنا // نحن روحان حالنا بدنا  .

فهو في البيت الاول  يقول ان بينه وبين الله توجد ذاته  الفانية عائقا  تحول بينهما  ولذلك فهو يدعو الله ان يمحو. ذاته لأنها  حائل بينه وبينه .

ولذلك قال في البيت الثاني ان  ذاته تنمحي وتفنى بالحب .

 وقد حكى  عبد الرؤوف بن محمد المناوي في كتاب الكواكب الدرية في سيرة الحلاج: قال الحلواني: قدم الحلاج للقتل وهو يضحك فقلت: يا سيدي ما هذا الحال. قال: دلال الجمال، الجالب إليه أهل الوصال.

فهل يستطيع الحب  فعلا مواجهة الموت  وجعل الألم  والعذاب لذيذا  عذبا  ،؟؟!!  يعترف الفلاسفة والعرفاء المسلمون بلزوم حصول العذاب والشقاء بعد الموت، لكنه على رأي اغلبهم لا يدوم، بل مآل الكل يصير الى الرحمة واللذة. مع هذا لا يعني انكارهم دوام العذاب انهم ينكرون الخلود في النار. . ومن ذلك اعتبر ابن عربي في (فصوص الحكم) ان خلود العذاب منقطع ومآله اللذة والنعيم في النار ، على رأي ابن القيم الجوزية  القائل بفناء. النار. وزوالها ، كما. ذكر. ذلك  في  كتاب حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح من ص 254 إلى ص 280. وكتاب  شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة التعليل من ص 252 إلى ص 264

والشيخ ابن عربي في (الفتوحات المكية) اعتبر انه لا دليل للعقل على وجود العذاب الدائم او غيره، بل يجوز ان يرتفع هذا العذاب عن اهل النار مع كونهم فيها، فعلى رأيه انه لا يلزم من وجود الشرط وجود المشروط،

لكن  هل يمكن  ان يكون الحب مجرد وهم  يتمسك به الإنسان ليلطف به بشاعة وقبح  وزيف العالم المادي الأصم الأبكم الأعمى المجرد من العواطف والإحساس المليء بالشر  المهيمن  على البشر ،  وانه مجرد سراب يلين قساوة الحياة ،ويرمم  عبثية الوجود ، ؟!!

أم أن  الحب هو كمياء السعادة والسحر  الجميل والمغناطيس  الذي ينجذب به العاشق  للمعشوق ويفنى به المحب في المحبوب وبأثره خلق الخالق المخلوق وبه تتبرعم البراعم وتزهر الزهور   وهو الحقيقة المطلقة الوحيدة التي تعطي المعنى وهو الجوهر السامي الذي لا يفنى ؟؟!!!  تبقى الحقيقة عصية. عن الظهور.  والانكشاف ! لكن يبقى  انه لولا الحب مهما  كان سره  ضرورة حتمية. لإمكانية الاستمرار في العيش. ومقاومة الشر. فهو   وجه الخير  وسنده    الأهم .والاكبر .

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي