حاوره نورالدين لشهب
أكد محمد جبرون، أن حزب العدالة والتنمية يعيش عزلة سياسية، ومرد ذلك، في رأي الباحث الأكاديمي، إلى أن هناك “إرادة قوية لعزل حزب العدالة والتنمية سياسيا”، وقد نجحت هذه الإرادة إلى حد الآن، ولم يعد إلى جانب الحزب سوى حزب التقدم والاشتراكية.
وأشار جبرون، في حوار خاص، إلى أن أسباب العزلة التي يعيشها “البيجيدي” متعددة، أهمها يتمثل في رغبة الحزب في استعمال رصيده الشعبي أكثر مما تطيقه “الديمقراطية المغربية”.
واعتبر الباحث في التاريخ أن بلاغ “انتهى الكلام” ينم على غياب استراتيجية واضحة في التفاوض، في حين إن “المسؤولية السياسية ودقة المرحلة تقتضيان أن تبقى الخطوط مفتوحة والاتصالات جارية والتفاوض مستمر”.
إليكم الحوار مع محمد جبرون:
في رأيكم أستاذ جبرون، ماهي العوائق التي تحول دون تشكيل الحكومة؟
بداية أشكرك الصديق نور الدين على هذه الفسحة التي أتاحها لنا لتوضيح بعض الآراء بخصوص الأحداث الجارية ببلادنا اليوم. أما بخصوص سؤالك، فإن عوائق تشكيل الحكومة هي متعددة؛ بعضها يرجع إلى أسباب مباشرة، والبعض الآخر له أسباب غير مباشرة، واختصارا للقول يمكن التأكيد على ما يلي:
ـ نتائج الانتخابات التي لا تعطي أحدا أغلبية مطلقة، وبالتالي تجعل المتصدر للانتخابات في حاجة إلى حلفاء من الأحزاب الأخرى.
ـ المشهد الحزبي المغربي الهش والمختل، الذي يجعل من مسألة بناء التحالفات عملية معقدة بعيدا عن المعقول؛ فلا اليسار يسار ولا اليمين يمين، ولا المحافظ محافظ. فهناك ضعف شديد في منسوب العقلنة في المشهد الحزبي الوطني.
ـ عسر التحول الديمقراطي، وعدم وضوح خريطة طريق الديمقراطية ببلادنا. فبقدر التفاف الجميع حول مطلب وشعار الانتقال الديمقراطي، بقدر اختلافهم حول نظرياته، مقارباته، آفاقه، توافقاته…
ـ ثم أيضا، وهذا مهم، طبيعة المتصدر للانتخابات، الذي هو حزب إسلامي، مع كل ما تعنيه هذه الصفة من تكاليف –اليوم-إقليميا ودوليا، وكان من مقتضيات هذه النسبة (الطبيعة الإسلامية) ورهانات الانتقال الديمقراطي، أو التحول الديمقراطي، أن يعتمد الحزب المتصدر للانتخابات استراتيجية غير الاستراتيجية الحالية، وهو ما لم ينجح فيه.
هناك من يذهب إلى أن حزب العدالة والتنمية يعيش عزلة سياسية، هل تشعر أنت بأن حزب العدالة والتنمية يعاني اليوم عزلة سياسية؟
أعتبر أن المسألة ليست مسألة شعور وحسب، بل واقع على الأرض؛ فهناك إرادة قوية لعزل حزب العدالة والتنمية سياسيا، وقد نجحت هذه الإرادة إلى حد الآن بنسبة عالية في عزله؛ فاليوم ليس إلى جانبه سوى حزب التقدم والاشتراكية، وكان يفترض أن يكون الوضع مختلفا تماما بعد خمس سنوات في الحكومة وفي اتصال بالأحزاب الوطنية المختلفة.
إذن بلاغ “انتهى الكلام” يعني أن الكلام أصبح منتهيا على الأمين العام للحزب أكثر مما هو رسالة موجهة إلى الأحزاب المعنية بتشكيل الحكومة؟
تقديري الشخصي أن بلاغ انتهى الكلام فيه قدر من الانفعال الناتج عن الابتزاز القوي الذي تعرض له الحزب في شخص بنكيران، وهذا يزيد من تعقيد الأجواء مع “الساكنين في الأعلى”، فما هي الرسالة التي يريد إيصالها إلى هذه الجهات من خلال هكذا بلاغ؟ وكيف تتلقى هذه الجهات هاشتاج “كلنا بنكيران”، ثم أيضا، وهذا مهم، ما معنى أن يصرح الأستاذ بنكيران بأن كلامه انتهى مع أخنوش ورفاقه، ثم يهاتفه بعد ذلك؟
إن المسؤولية السياسية ودقة المرحلة تقتضيان أن تبقى الخطوط مفتوحة، والاتصالات جارية، والتفاوض مستمرا وليس العكس؛ أي إغلاق هذه الخطوط، ووقف التفاوض والتحاور.
طيب، هل يعني كلامكم أن عبد الإله بنكيران فشل في قيادة الحزب في الفترة الراهنة؟
إن الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، الأستاذ عبد الإله بنكيران، كان له دور كبير ومؤثر في المرحلة السابقة، فهو الذي خاض الحرب، وبكل قوة، ضد ما أسماه بالتحكم، وهو الذي كان له حضور قوي ومؤثر في الانتخابات الجماعية والبرلمانية وفي صناعة الفوز الانتخابي… إلخ، لكن أفق كل تجربة سياسية، وخاصة تجربة العدالة والتنمية، هي ممارسة السلطة والإصلاح، ومعنى هذا، أن يرفع من أسهم “البيجدي” في بورصة الإصلاح وهي الدولة، لكن تطور الأحداث بعد السابع من أكتوبر، وصعوبات إخراج الحكومة، يطرحان أكثر من سؤال على رهانات الأستاذ عبد الإله بنكيران في ولايته هاته من هذه الناحية، بمعنى آخر: هل حزب العدالة والتنمية اليوم أوفر حظا في تحقيق مساهمته في الإصلاح أم العكس بالرغم من توفره على هذا العدد الكبير من المقاعد؟
ويجب أن نقيم في هذا السياق تأثير الوطني على الجهوي والمحلي. فإذا كان في الماضي استطاع أن يقود الحزب إلى فوز انتخابي عريض، فإنه اليوم، ومع هذا الفوز، يجد صعوبة كبيرة في الاندماج في المشهد السياسي، والتطبيع مع دوائر القرار الاستراتيجي بالمملكة. وفي تقديري الشخصي، الخسارة في هذا المستوى فادحة سياسيا وإصلاحيا.
ما الأسباب التي جعلت حزب “البيجيدي” يعاني من هذه العزلة في الوقت الراهن؟
أعتقد أن أسباب هذه العزلة متعددة، ولكن أهمها: رغبة البيجيدي” في استعمال رصيده الشعبي أكثر مما تطيقه “الديمقراطية المغربية”، وتحفظ جهات مؤثرة في القرار الاستراتيجي للدولة على شخص بنكيران، وقراءته الخاطئة – في نظري-للوضع السياسي وآفاق الدمقرطة ببلادنا.
هل السبب يعود إلى شخصية الأمين العام للحزب، السيد عبد الإله بنكيران؟
إن الأستاذ عبد الإله بنكيران كان دائما يبحث عن التوافق مع الملكية والعمل تحت مظلتها، ووفق أجندتها، فسقفه “الديمقراطي” من هذه الناحية خفيض، لكن الذي لم ينتبه إليه الأستاذ عبد الإله في السنتين الأخيرتين –وهي مشكلة خطابية لديه-هو أنه لا يمكنه أن يملي على القصر طريقة اشتغاله، ولا يمكنه أن يختار له نخبته، وبعض تصريحاته من هذه الناحية كانت سيئة جدا. كذلك، لا يمكن في هذا السياق؛ أي سياق البحث عن موطئ قدم، استدعاء أدبيات وكلاسيكيات الصراع بين الوطنية المغربية والقصر، وفي مقدمتها مفهوم القوة الثالثة… إلخ. فهذه الأمور وغيرها كانت سببا في المآل الذي آلت إليه تجربة الحزب، والأستاذ بنكيران يتحمل جزءا مهما من المسؤولية.
هناك من يرى أن قيادة الحزب، وأغلبها من قادة حركة التوحيد والإصلاح، لا تزال تحمل رواسب الدعوة المبنية على النصح والوعظ وما على الآخر إلا السمع والطاعة، والعكس أن السياسة لها حسابات الربح والخسارة على عكس الدعوة؟
لا، لا أعتقد، لكن الذي أحب أن ألفت الانتباه إليه في هذا السياق هو أن العقل المنهجي للتوحيد والإصلاح، ومنه عقل “البيجيدي”، يقوم على التوافق، والمستطاع من الإصلاح، والتعاون مع الغير، ونبذ منطق الصراع والمغالبة. ولهذا وجدناه يقبل من تلقاء ذاته بمراجعة ترشيحاته والتقليل من مشاركته الانتخابية في مناسبات انتخابية سابقة، والقبول بتغيير رئيس فريقه البرلماني تجاوبا مع “التحكم”، وفي مرحلة أخرى دفع الدكتور أحمد الريسوني إلى الاستقالة من رئاسة حركة التوحيد والإصلاح إثر تصريحات اعتبرت آنذاك مسيئة لإمارة المؤمنين.
إن هذه الثقافة اليوم يتم الانقلاب عليها بدواعي مختلفة.
ما هي التحديات المطروحة على المؤتمر القادم للحزب؟
إن التحدي الكبير المطروح على حزب العدالة والتنمية هو تحدي الأطروحة، فما معنى البناء الديمقراطي في مملكة محمد السادس؟ وهو إزاء هذا الأمر بين وجهتين: إما العودة إلى الوراء وتبني خطاب وكلاسيكيات الأحزاب الوطنية في نضالها الديمقراطي، أو ابتكار أطروحة جديدة تناسب مستجدات عهد جلالة الملك محمد السادس، والتي تجعل من الملكية راعية للديمقراطية، وليس طرفا أو خصما فيها، وهو ما يشرعن لدورها التحكمي والتحكيمي ويجعل تدخلها من مقام الرعاية أمرا مقبولا، وأيضا التطابق مع استراتيجية الدولة على صعيد المجتمع والاقتصاد والديمقراطية.
وفي سياق هذا المؤتمر مطروح –كذلك-تجديد القيادة بطريقة نوعية تسمح بآفاق جديدة للعمل السياسي “للبيجيدي”.
أُجري الحوار يوم 17 يناير 2017 بمناسبة “البلوكاج الحكومي”.
تعليقات الزوار ( 0 )