شارك المقال
  • تم النسخ

“تيدغين”.. أساطير وحكايات تلفّ أعلى قمم جبال الريف ومطالبُ بتأهيله

جبل تحيط به الحكايات والأساطير الكثيرةُ، واحدة تتحدث عن “امرأة طائرة”، وأخرى تقول بـ”نزول مسجدٍ من السماء”، وثالثة تربط المكان بنبي الله نوح عليه السلام.. هو جبل “تدغين”، أعلى قمم سلسلة جبال الريف، والذي يبلغ ارتفاعه 2456 متر عن سطح البحر، طبيعته الخلابة جعلته مكاناً جذّاباً، لافتاً للنظر، ومغريا “للبشر”، يقصده المئات من المغاربة والأجانب، بين كل فترة وحين.

يتواجد جبل تدغين، بجماعة عبد الغاية السواحل، التابعة لدائرة كتامة، بإقليم الحسيمة، ويعتبر من الوجهات السياحية البارزة بالمنطقة، نظرا للمناظر الخلابة التي توفرها المساحات الغابوية الشاسعة والمروج الخضراء، إلى جانب أنه يتوشّح باللون الأبيض في الشتاء، وهو ما يزيد من جاذبته، خاصة لعشاق السياحة الجبلية وهواة التزلج.

ويتداول السكان المحليون، العديد من الأساطير بخصوص الجبل، وأصل تسميته، وعن هذا الموضوع، يقول إلياس أعراب، نائب رئيس جمعية أمازيغ صنهاجة الريف، إن جبل تدغين، الذي يقسم 3 قبائل من صنهاجة السراير، وهي أيث بونصار، أيث سيداث، وإيكوثامن أو كتامة، تلفه العديد من القصص، من بينها المرأة الأسطورية، ونبي الله نوح عليه السلام.

وأضاف أعراب، بأن الروايات الشفهية عن تسمية الجبل، تختلف، بين من يعتقد بأنها راجعة إلى مجموعة من الثقوف والحفر التي تتواجد به، و”تدغين” هي جمع لـ”إدغ”، والتي تعني ثقب، فيما يرى آخرون بأن اسم الجبل، يعود لامرأة أسطورية طائرة، كانت تقطن بالمنطقة في السابق، مع اختلاف في الأساطير بين كل قبيلة.

وتابع المتحدث نفسه، بأنه “في قبيلة بني بونصار، يحكى أن هذه المرأة كانت أسطورية قادرة على الطيران، استقرت في البداية بمدشر يسمى إبرقشيشن، وفي أحد الأيام سمعت أماً تنادي ابنها لثلاث مرات، والابن لم يستجب لأمه، وهو ما يتنافى مع العادات وتقاليد المنطقة، الشيء الذي لم يعجب السيدة تدغين، التي قررت الطيران للاستقرار في جبل تدغين، قائلةً قولتها الشهيرة: اللهم العيش وسط الصخور ولا العيش مع شخص ينتمي لمدشر إبرقشيشن”.

لكن في قبيلة أيث سداث، يشير أعراب، “وخصوصا في مدشر أزيلا، الذي يعتبر أقرب مدشر للجبل، حيث يقسم السكان ويحلفون باسم تيديغين ويقولون: وحق يما تيدغين، أي قسما بأمي تدغين، وهذا يعني أن سكان المنطقة، يعتقدون بأن تدغين هي الأم أو الجدة ديالهم، وبأنه أعطت اسمها لهذا الجبل”، مردفاً أما “في باقي مداشر قبيلة أيث سداث، يعتقدون بأن الجبل كان فيه ولي صالح يدعى سيدي غير، وبأن اسم تدغين ليس سوى تحريف لاسم الولي الصالح، وتبقى هذه الأقاويل مجرد روايات شفهية”.

واسترسل أعراب في حديثه عن الأساطير التي تلفّ جل تدغين: “حكاية المرأة، موجودة أيضا عند قبيلة كتامة، ولكن بصيغة أخرى، حيث يتحدث الباحث شريف أدرداك في إحدى مقالاته المنشور بمجلة تدغين للأبحاث الأمازيغية والتنمية، بأن سكان المنطقة المذكورة، يعتقدون بأنه كانت هناك امرأة من الصالحات، والمحبات للسلام، تعيش في مكان يسمى ذايغوث، في أحد المروج”.

واستطرد المتحدث ذاته، بأنه “في أحد الأيام، سمعت أصواتاً بشرية تقترب من المرج الذي تعيش فيه، وبما أنها محبة للسلم والسلام، ولا تحب الإزعاج، قررت الرحيل والانتقال إلى جبل يدعى جبل ذايغوث، ومع مرور الأيام أيضا، سمعت أصوات الرعاة وماشيتهم ترتفع وتقترب من الجبل، لترحل من جديد، وهذه المرة، عند أختها المرأة الأسطورية الطائرة تدغين”.

وذكر أعراب المهتم بتاريخ منطقة صنهاجة، بأن “الأساطير المرتبطة بجبل تدغين لا تقف عند المرأة الأسطورية، بل تصل حتى لمسجد تدغين، عند قمة الجبل، والذي يسمى: ثيمزكيذا نربي، أي مسجد الله، واختلفت الحكايات بشأن كيفية بنائه، فهناك من يقول إنه بني بواسطة قوى خارقة، وهناك من يقول إن امرأة، وفي غالب الظن هي تدغين، صرخت بقوة فاستجاب الله لصراخها وبنى لها المسجد، لهذا سمي مسجد تدغين، ولكن يبقى الرأي الراجع، هو أن سكان المنطقة بنوه في مرحلة معينة من الزمن”.

وأشار المتحدث نفسه، إلى أن هناك مغارة بالجبل، تسمى “ثيمجيجكث، وفي داخلها ممر صخري، يعتقد الناس بأنه ميقياس الطيبوبة والأخلاق، فإن كان الشخص طيباً وذا أخلاق، فسيتمكن من المرور بين الصخرتين بكل سهولن، ولكن إن كان شريراً وخبيث النفس، فسيعلق بينهما، وسيحتاج للفقهاء ليأتوا للقراءة عليه لكي يخرج”، كما أن هناك صخرةً أيضا، يقال إنها تعالج آلام الظهر، حيث تورد الأساطير الشفهية بأ، الاستلقاء عليها، كافٍ لشفاء آلام الظهر.

غير أن الرواية العجيبة بجبل تدغين، حسب أعراب، هي تلك “المرتبطة بنبي الله نوح عليه السلام، ففي الجبل أثار ليد عملاقة، وتسمى: أفوس نسيدنا نوح، أي يد سيدنا نوح، وهناك اعتقاد بأن سيدنا نوح لما حمل المخلوقات جميعاً للنجاة من الطوفان، مر من المنطقة، وحين وصل لجبل تدغين، وضع أثار يده عليه، لكي يُعلِم بأن مر من هنا”، معززاً الأسطورة، بوجود جبل آخر، قريب، يسمى بـ”أذرار ن نوح”، أي جبل نوح، مشيراً إلى أن هذه الأقاويل التي تناقلتها الأجيال، تعطي قيمة مهمة لـ”تدغين”.

ومن جهة أخرى، نوه أعراب، بالمؤهلات المهمة التي يتوفر عليها جبل تدغين والمنطقة المحيطة به، من غطاء نباتي كثيف، وأشجار الأرزق، والبلوط، وعدد من الأشجار الأخرى والنباتات والمروج، التي تعطي للمكان رونقاً خاصاً يجذب السياح، بالرغم من التهميش الذي يطاله، في وقت، يؤكد المتحدث نفسه، كان بإمكان الدولة الاستفادة منه، لجعله منطقة سياحية جلبية، شتاءً وصيفاً، في ظل أن يعرف تساقطات ثلجية مهمة، في الشتاء، وتلبس الأشجار اللون الأبيض، كما تخضر المروج والسفوح المشجرةً بمختلف الألوان في بقية الفصول.

وطالب أعراب، نائب رئيس جمعية أمازيغ صنهاجة الريف، بتحرك الجهات المسؤولة، من أجلا تهيئة الجبل، “وجعله قبلة سياحية بإقليم الحسيمة، من أجل أن تكتمل أركان السياحة في المنطقة، بشقيها الجبلي والساحلي”، خاصة وأن “تدغين”، يتوفر على مؤهلات مهمة، تجعله مرشحاً ليصبح وجهة جذابة، في حال لقي أدنى اهتمام من الدولة.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي