Share
  • Link copied

تواركة بين متطلبات الخدمة  وضرورات الانفتاح على المحيط الخارجي

 ظلت القصور الملكية في المخيلة الشعبية ملتصقة بالبذخ، حيث يتصورها أغلب المغاربة في بلد ندرة وكفاف فضاءات عامرة بالعبيد والجواري والخدم والحشم. فقد ظل البلاط بالمغرب طيلة قرون يحجب أسراره وراء طقوس تقليدية عتيقة نسجت حولها أساطير وحكايات همت قاطني دار المخزن والعاملين بها، وساهمت في إسباغ قدر كبير من الإبهار والهيبة على القصور والعاملين بها. ولازالت الأسطورة والإشاعة والخيال يطبعون أحاديث عموم الناس حول خدم وعبيد دار المخزن، بما فيهم ساكنة تواركة.

1-أسطورة تنقل تواركة إلى الرباط

هناك بعض المغالطات التاريخية والسوسيولوجية تحيط بأصل ساكنة تواركة  حيث كثيرا ما يتم الخلط بينهم وبين عبيد البخارى الذي جلبهم السلطان المولى اسماعيل من السودان، أو بينهم وبين الحرس الاسود من فرق خدم وعبيد دار المخزن الخاصة جدا.،ففرقة حراس الفضاءات الحميمية للقصر الملكي هي في الأصل فرقة أمنية من نوع خاص يتشكل أفرادها من جماعة منغلقة على نفسها، حيث يشاع أن أصلها أوروبي وليس إفريقيا كما هو الحال بالنسبة لساكنة تواركة؛ فبشرتهم بيضاء وأحيانا عيونهم زرقاء ويرتدون لباسا مغايرا لجميع ألبسة العاملين بدار المخزن سواء منهم الخدم أو العبيد أو الحرس الملكي. ومن نماذج هذه الفرقة الحراس الحاملون لحربة خاصة والمتواجدون في الأركان الأربعة لضريح محمد الخامس بحسان بالرباط، الذين يحرسون الضريح من الداخل ويرتادون لباسا مميزا غير شائع بالمغرب. وحسب بعض المؤرخين، فإن أحد السلاطين العلويين قد جلب عبيدا ذوي بشرة بيضاء من إحدى أراضي أوروبا الشرقية للقيام بحراسة العائلة السلطانية عن قرب في وقت عرفت فيه البلاد بعض القلائل، حيث ظلوا مرتبطين بالبلاط السلطاني دون اختلاط بالمغاربة أو عبيد البخاري.في حين أن أصل تواركة يرجع بالأساس إلى  منطقة تورك التي تبعد عن  الريصاني ب 35 كلم ، حيث كانت قبيلة تواركة تزاول الفلاحة والرعي في واحات هذه المنطقة التي استقر بها العلويون بعد استقدامهم من ينبع بشبه الجزيرة العربية للتبرك بهم كشرفاء ينحدرون من البيت النبوي. وقد بقيت قبيلة تواركة ، التي يرجع بعضهم أصولها إلى اليمن ، تعيش في هذه المنطقة حتى استقدمها السلطان العلوي عبد الرحمان بن هشام إلى مكناس ثم فيما بعد إلى الرباط  ليستقر أفرادها في بسيط الرباط التي قيل أن أهل الرباط أهدوا أراضيه للسلطان سيدي محمد بن عبد الله ليشيد بها مسجد السنة ودار المخزن . ومن ثمة ، أصبح التوركيون  أو التواركة يقومون بالخدمة داخل دار المخزن مقابل حصولهم على المونة بخلاف قبائل الاوداية التي حظيت بتملك أراضي الكيش مقابل خدمتها للمخزن. وبهذا الصدد هناك سردية مشاعة بين التوركيين حول دعاءأحد لسلاطين العلويين في مخاطبتهم لتواركة (الله يجعلكم ما تجوعو وما تشبعو  ولي تخص فيكم جي يخدم دار النبي الكريمة). وبعدما تحولت الرباط إلى عاصمة للمملكة عوض فاس بقرار من أول مقيم عام الجنرال ليوطي ، بنى السلطان مولاي يوسف القصر الملكي الذي تم تجهيزه على ما يقال من طرف القايد الكلاوي ، في حين تم استقدام 50 كانون من تواركة مكناس انضافت إلى ساكنة تواركة التي أصبحت تجاور أكثر المشاور حساسية، وتحولت إلى حي يعمره مئات من جيران الملك الدائمين، بالمشور السعيد في الرباط الذي يوجد في قلب عاصمة الحُكم، وفي قلبها أيضا، يستقر القصر الملكي، وإلى جواره حي «تواركة» الشهير.

 2-الطابع الإداري الخاص لحي تواركة

      منذ بناء سور تواركة الذي بني في سنة 1912 بأمر من السلطان مولاي يوسف ، أصبح الدخول إلى هذا الحي عصي جدا إلا على أهله.  حيث يفترض ولوجه المرور عبر بوابات السور المحيط بالقصر الملكي ورحابه. وعند كل باب رجال أمن يراقبون كل شيء. وعلى غرار الاحياء الشعبية بمدن المملكة ، يكاد الحي يشبه حومة شعبية على الرغم من قربه من مؤسسات إدارة الحكم المركزي بالمغرب . حيث ينقسم هذا الحي إلى «فاقة»، أي الجزء الفوقي من تواركة، والقريب من القصر ومن مقر الديوان الملكي والمشور السعيد ورئاسة الحكومة ووزارة الأوقاف ومؤسسة الوسيط ومن مسجد أهل فاس الشهير.وتتميز الشوارع المحيطة به بنظافتها اللافتة، فهي تؤدي إلى القصر وإلى كبريات مؤسسات الدولة. لكن رغم هيبة  هذا المجال  الذي يتواجد فيه حي تواركة ، فهناك أمارات تشير إلى أن سكان الحي هم سكان عاديون يسكنون “بنايات من طابقين تعلوها حبال لنشر الغسيل. ترفرف ملابس مغسولة معلقة مع كل هبة ريح وترفرف معها رايات معلقة في مؤسسات متراصة. داخل المشور، أيضا، مقرات جمعيات تشرف عليها أميرات القصر, على الخصوص. اتخذت المقرات قريبا من قصر الرباط لضمان حماية أكثر، فالمشور كله تحت أعين الأمن، بمختلف أجهزته.” و«تحاتة»، الجانب السفلي من «تواركة».. يكون الدخول إليه عبر بوابة محروسة أيضا، إلى جوار ثانوية مولاي يوسف. مدخل هذا الحي أشبه بباب حومة من حومات مدينة قديمة. لولا الرايات المرفوعة فوق مقرٍّ لضباط الجيش ومؤسسات وزارية لَبدا أن الحي عادي مثل كل أحياء المغرب.ليست لأزقة تواركة أسماء. يعرف الحي كله ب«حومة سيدنا».. اسم يحيل على أصل تواركة عندما كان حومة خاصة بعبيد القصر وبخدمه. ومن أبرز عائلات تواركة المعروفة هناك عائلة احساين ,ايت سيدي حساين ، وعائلة البخاري ، وعائلة حامي ، وعائلة بريك أمي،  وبلمقدم ، وبوستة ، وبوشو…وقد دفعت حساسية هذا المجال إلى استصدار محددات قانونية خاصة للغاية، محددات تضبط أحياء العاصمة كلها بما فيها حي تواركة. فضمن الميثاق الجماعي المحدد لاختصاصات وأدوار الجماعات المحلية، أُفرد باب تاسع تحت عنوان «الأنظمة الخاصة». ينص على أن الجماعات، أي المشاور، التي تضم قصورا ملكية، لا يسيرهما رئيس منتخب بل ممثل للسلطة ، المتجسد في الباشا السبب هو أن حساسية هذين القصرين ومحيطهما لاتحتمل إسناد أمورهما إلى سلطة سياسية منتخَبة. وبالتالي ، فقد خصص لجماعة تواركة نظام أساسي خاص بها، بموجبه لا ينتخب من بين الأعضاء التسعة رئيس للجماعة، كما هو حال الجماعات الأخرى، في المملكة بما فيها جماعات العاصمة، بل يرأس الجماعة باشا تابعٌ لوزارة الداخلية الذي يمارس نفس اختصاصات رؤساء المجالس الجماعية، ويساعده في ذلك مساعد يمكن أن يفوض إليه جزءا من اختصاصاته أو ينوب عنه إذا تغيّب أو أعاقه عائق.في حين أن قرارات جماعة تواركة ، وعلى غرار باقي جماعات المشور ، لا تكون قابلة للتنفيذ إلا بعد مصادقة وزير الداخلية بنفسه عليها أو شخص آخر يفوض له الوزير أمرَ التوقيع. وبالتالي ، فإن الوالي عامل عمالة الرباط هو الذي يمارس اختصاصات رئيس المجلس الجماعي للرباط، فهو الذي ينفذ الميزانية ويضع الحساب الإداري ويتخذ القرارات لأجل تحديد سعر الرسوم وتعرفة الواجبات ومختلف الحقوق. كما أن للوالي أيضا اختصاص القيام، في حدود ما يقرره المجلس الجماعي، بإبرام وتنفيذ العقود المتعلقة بالقروض، إلى جانب إبرام صفقات الأشغال والتوريدات والخدمات.

3-ساكنة تواركة والانفتاح على المحيط الخارجي

    ارتبطت ساكنة تواركة بخدمة المخزن مما جعلهم لا ينفتحون على عالمهم الخارجي إلا لماما .

فقد انتظم جل الساكنة ضمن خدم القصر الملكي حسب تراتبية خاصة ضمن فرق، وعلى رأس كل فرقة منها قائم على أمورها، وبعض القائمين عليها رقاهم الملك الراحل الحسن الثاني إلى درجة قائد (قائد “البراد” أو “قائد الأتاي” وقائد البلغة والجلباب)، وتسمى فرق الخدم والعبيد في عرف دار المخزن بـ “حناطي المخازنية”. كما اشتغلت نساء تواركة هناك كإماء بدار المخزن تكلفن بالزينة واللباس التقليدي الأصيل لاميرات وشريفات القصر ويقمن بالإشراف على تزين الحريم ومؤانستهن. بل منهن من يقتصر دورهن على إطلاق الزغاريد خلال المناسبات وغيرها .وقد حرص الملك الراحل الحسن الثاني أن لا تخرج نزاعات ومشاكل قاطني دار المخزن أسوار البلاط، وذلك حفاظا على هيبته ومرتبته في عيون المغاربة. فلم يكن الملك الراحل يسمح لأهل دار المخزن (بما فيهم سكان تواركة) باللجوء إلى القضاء، إذ أن كل الخصومات والنزاعات والخروقات القانونية كانت تحل تحت إمرته من خارج المنظومة القضائية داخل القصر، وغالبا ما كان يبث فيها بنفسه. لذلك كانت دار المخزن تتوفر على منظومة جزائية وعقابية خاصة، بما في ذلك سجن خاص (البنيقة) لإيداع الخارجين عن قواعد سلوك ونظام دار المخزن وذلك لمدة محددة. وبالتالي ، فيبدو أن واجبات الخدمة المخزنية بما تتطلبه من سرية وتحفظ ، والعيش خلف الأسوار نمى في ساكنة تواركة بعض الشعور بالانغلاق  وعدم مخالطة ساكنة الاحياء الأخرى . فقد كان  ممنوعا على الغرباء ولوج الحي السكني لتواركة الذي يتوفر على مدخل فرعي كائن بالقرب من حمام تواركة قبالة الباب الخلفي لجامع السنة، في هذا المدخل يقف على الدوام، ليل نهار، أحد عناصر الشرطة ولا يسمح بالدخول إلا لقاطني الحي أو لمن لهم أقارب هناك. وهكذا ظل خدم وعبيد القصر يقطنون بتواركة، إذ كان لا يسمح لهم بالسكن خارج دار المخزن. كما ظل العاملون بدار المخزن، سواء منهم الخدم والعبيد أو المستخدمين، يحظون بوضعية خاصة ويخضعون لإجراءات تميزهم عن باقي العاملين في أسلاك الدولة وعن المواطنين العاديين. فهم يحملون بطاقة تعريف وطنية تقر بإقامتهم بالمشور مع رقم خاص يثبت تحت خانة العنوان والذي يفيد بهذه الخصوصية. كما أن ساكنة تواركة لا يخضعون، في حالة ضبطهم خارج القانون، إلا لمساءلة واستنطاق شرطة المشور. إذ في حالة اعتقال أحدهم بمكان ما، يكون لزاما على الجهة الأمنية التي قامت بالاعتقال إخبار أمن المشور بالنازلة وبفحواها أولا ثم إتباع المسطرة الخاصة ثانيا. إذ كان من المعروف في عهد الملك الحسن الثاني عدم اللجوء إلى المحكمة في أي حال من الأحوال. فكل النزاعات، حتى بعض الجرائم منها، كانت تحسم بدار المخزن دون عرضها على أنظار العدالة، ونادرا جدا ما تم عرض نازلة كان أحد سكان تواركة طرفا فيها على أنظار العدالة في العهد الحسني .كما أن العاملين بدار المخزن يخضعون من حين لآخر لعملية تفتيش مباغتة بمحل سكناهم بدون سابق إنذار ودون حدوث ما يدعو إلى ذلك، سواء كانوا يقطنون بالمشور (تواركة) أو خارجه.حيث يقوم بهذا التفتيش عناصر من أمن المشور أو من الحرس الملكي حسب الحالات وحسب موقع ورتبة الشخص موضوع التفتيش. وقد تم اعتماد هذه الطريقة تلافيا لوقوع أي مشكل من شأنه توريط العاملين بدار المخزن في كل ما شأنه النيل من سمعتهم، كما أن هذا الإجراء يعتبر سبيلا من سبل المراقبة اعتبارا لطبيعة العمل الذي يقومون به وحساسيته.

   من هنا ، فضاء تواركة (المشور) لا يتميز فقط باستقلاله الإداري ونوعية الشريحة الاجتماعية القاطنة به، وإنما يتميز كذلك ببنية علائقية انتشرت وتفرعت عبر عدة قنوات. وفي هذا الصدد يقول الطوزي إن “الملك (السلطان) أب لعائلة كبيرة يمتد عمليا ليشمل كل سكان المشور ومختلف القصور الملكية وعبيد قدامى وخدم و”مخازنية” وحرس ملكي… أي أنه رب عائلة فعلي لكل أولئك الذين يعيشون في الفضاءات التي يتحرك فيها الملك”. كما أنه إلى حدود الثمانينيات  من القرن 20 كان التواركة نادرا ما يتزوجون بغير التوركيين. فزواج خدم القصر الملكي يخضع لقواعد وترتيبات خاصة، إذ أنهم لا يمتلكون الحرية في الزواج بمن يريدون ومتى يريدون حتى وإن كانت الزيجات بين عائلات سكان تواركة. فلا يتم الزواج إلا بعد موافقة الملك وإن كان ذلك رمزيا، وبعد القيام ببحث إن كان أحد الطرفين يقطن خارج المشور، ويهم هذا البحث الاسم والنسب والسيرة والأوضاع المعيشية. فقد ظل الملك يشرف مباشرة على كل ما يرتبط بزواج أهل القصر والمشور وسكان تواركة من خدم وعبيد وحتى مستخدمين. فقد ظلت عقود القران الخاصة بالخدم والعبيد تعقد في القصر الملكي بعد صدور موافقة الملك ، الذي كان أيضا يتقبل عزاء أفراد كل عائلة يتوفى فيها  أحدهم.

لكن يبدو أن هذا الوضع بدأ يتغير بالتدريج،  حيث أضحى الكثير من ساكنة تواركة (رجالا وإناثا) يتزوجون خارج تواركة. كما أن جيل الستينيات والسبعينيات من سكان تواركة وما بعدهما تابعوا دراستهم وولجوا وظائف في مختلف الإدارات بما فيها القوات المسلحة والدرك وفي القطاع الخاص ، لاسيما وأن الخدمة بدار المخزن لم تعد مقصورة على أهل تواركة كما كان الحال عليه في السابق، وإنما فتحت أبواب الخدمة بها لغير التواركيين. بالإضافة إلى ذلك ، فقد ساهم النسيج الجمعوي في انفتاح ساكنة تواركة على محيطها الخارجي ، حيث تمثل ذلك بالخصوص في تأسيس فريق رياضي من شباب تواركة أصبح ينازل ليس فقط فرق العاصمة بل باقي فرق مدن  المملكة. فمنذ إنشاء نادي الاتحاد الرياضي التوركي بوصية من الملك الحسن الثاني في سنة 1971، وصل هذا الفريق إلى البطولة الوطنية الممتازة خمس مرات (1980، 1982، 1986، 2004 و2022) بعد أن كان يطعم فريق الجيش الملكي الذي أسس في سنة 1958 ، بمجموعة من اللاعبين من أبناء تواركة حيث  كان النادي التوركي بمثابة الفريق الرديف لفريق نادي الجيش الملكي حيث كان هذا الأخير يستفيد من اتحاد تواركة وذلك بجلبه لأجود العناصر الممارسة في فريق الاتحاد والذي كان من أبرزهم اللاعب النجم محمد التيمومي . فهذا اللاعب التوركي استطاع أن يظفر بحب جميع عشاق كرة القدم بالمغرب مسلطا الضوء بشكل لافت على ساكنة تواركة . فوسط أبناء تواركة بالرباط ، ترعرع الشاب محمد التيمومي، حيث داعب الكرة بين أزقة حي تواركة ليلتحق بصفوف فريق إتحاد تواركة، حيث وجد كامل الدعم والمساندة من أبناء حيه، الذين كانوا أول سند له بعدما لمسوا عبقرية اللاعب الكروية صاحب اليسرى الساحرة التي جعلت خصوم اللاعب قبل رفاقه، يجمعون بأنه نجم استثنائي وأيقونة كروية ورياضية لا مثيل لها . وهكذا انضم هذا اللاعب إلى  فريق الجيش الملكي، الذي كان آنذاك يستحوذ على كل نجوم الكرة المغربية. فقد التحق محمد التيمومي، بفريق الجيش الملكي سنة 1982 ليبدأ رحلة المجد والتألق مع الفريق العسكري، الذي كان يهمين في تلك الفترة محليا وقاريا، وظل التيمومي رفقة الجيش لأربعة مواسم، ذاع صيته فيها بعدما توج بلقب دوري أبطال أفريقيا سنة 1985، لينال الكرة الذهبية الأفريقية في نفس السنة كأحسن لاعب في القارة السمراء،وثاني لاعب مغربي يفوز بهذه الجائزة بعد اللاعب أحمد فرس هداف فريق شباب المحمدية والمنتخب الوطني. وبالتالي ، فقد عكس صعود هذا البطل الكروي انفتاح ساكنة تواركة على محيطها الخارجي وطنيا ودوليا ، إذ لم يتوقف التيمومي الشاب الخجول والكتوم في ثمانينات القرن الماضي عن العطاء، ليبرز ويقدم الكثير لـ “أسود الأطلس” في مونديال المكسيك 1986، بعدما ساهم في عبور المنتخب المغربي للدور الثاني لمواجهة ألمانيا الغربية التي أقصت رفاق “حمودة” كما يحلو لأصدقائه تلقيبه. لتكون العودة للمغرب الذي كسب فيه التيمومي احترام الجميع بعد أداء خرافي قدمه في كأس العالم. وبالتالي ، فبعدما خطف التيمومي الأضواء في المكسيك، أصبحت العديد من الأندية الأوربية تترصده وتسعى لضمه، فحصل آنذاك على عروض من فرنسا وبلجيكا ، لكنه فضل الانتقال إلى البطولة الإسبانية، حيث جاور فريق مورسيا الذي قضى معه موسما واحدا. ليعرض عليه فريق لوكرين البلجيكي الانتقال إليه، حيث قضى معه موسمين ناجحين، ليقرر بعدها شد الرحال صوب الخليج العربي، في مغامرة جديدة ، بتوقيعه لفريق السويق العماني الذي قضى رفقته 4 سنوات، قبل أن يقرر هذا اللاعب  التوركي إنهاء مغامرة الاحتراف خارج المغرب، والعودة إلى من حيث انطلق منهيا مسيرته الكروية رفقة الجيش الملكي، الذي خاض معه موسم 1994-1995، قبل أن يقرر الاعتزال، تاركا ورائه مسارا حافلا بالإنجازات الكروية، ورابطا علاقات إنسانية مع العديد من الرياضيين لسنوات طويلة.

لكن محمد التيمومي ، الذي يعتبر أسطورة المنتخب المغربي والجيش الملكي بعد الأسطورة الكروي لعربي بنمارك، ظل يتجنب التواجد في مراكز المسؤولية داخل الإدارة التقنية للفريق العسكري، و البقاء في الهامش، رغم أنه لا يبخل على الشباب الصاعد بالنصائح ، معتزا بانتمائه لفريق الجيش الملكي الذي كان سببا رئيسيا من وراء اكتسابه كل الشهرة التي نالها. وبسبب  تداعيات الكسر الذي تعرض له في مباراة مع الزمالك المصري سافر محمد التيمومي إلى باريس، حيث أجرى بها عملية جراحية على الركبة، على نفقة الملك محمد السادس، الذي التقى به خلال مراسم تدشين مركز محمد السادس لكرة القدم بالمعمورة رفقة نجوم الكرة المغربية، وعندما لا حظ الملك أن التيمومي يتحرك بعكاز استفسر عن حالته الصحية وقرر التكفل بمصاريف علاج أيقونة الجيش والمنتخب المغربي. حيث دخل التيمومي المستشفى الفرنسي وتماثل للشفاء وأصبحت حالته الصحية في وضع أحسن، حيث تخلى عن العكاز الذي كان يتكئ عليه، وهو الخبر الذي أسعد الكثير من أصدقائه ومحبيه. وحتى بعد انعزاله وابتعاده الطوعي عن الأضواء مازال اسم التيمومي حاضرا رمزا من رموز الجيش الملكي، أو “الزعيم العسكري” كما يحلو لعشاقه مناداته، كونه جمع بين الأخلاق العالية وفن كرة القدم .وقد جسد بصفاته وخصاله هذه بعض الخصال  والطباع التي تميز ساكنة  تواركة من  تكتم ، وتواضع ، وروح الدعابة. فرغم أن محمد التيمومي كان دوما إنسانا كتوما لا يتحدث إلا قليلا، إلا أن المقربين منه يؤكدون أنه رجل مرح مع معارفه مقابل ذلك يبني سياجا حول نفسه مع الغرباء. وهذه كلها من بين طباع ساكنة تواركة.   

Share
  • Link copied
المقال التالي