Share
  • Link copied

تطور الاستثمارات الأمريكية في المغرب بين إدارات الجمهوريين والديمقراطيين

شهدت 2024 انتخابات امريكا افرزت عن صعود المرشح الجمهوري دونالد ترامب على مرشحة الحزب الديمقراطي كمالا هاريس في السباق المحموم إلى البيت الأبيض، وذلك بعد إعلان جمعه نحو 276 صوتا في المجمع الانتخابي وهو ما يتخطى العدد اللازم للفوز البالغ 270 صوتا. وكان ترامب قد أعلن أمام ناخبيه من بالم بيتش بفلوريدا “فوزه” في الانتخابات الرئاسية التي ستحمله مجددا إلى البيت الأبيض.

عودة ترامب إلى الحكم قد تسهم في تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والمغرب، خاصة في مجالات التجارة والاستثمار في الطاقة المتجددة. كما يمكن أن يكون لها تأثير إيجابي على التعاون الأمني والعسكري بين البلدين. ومن المتوقع أن يستفيد المغرب من هذه العلاقة عبر جذب المزيد من الاستثمارات الأمريكية في مشاريع البنية التحتية الحيوية..

 شهدت الاستثمارات الأمريكية في المغرب تطوراً بارزاً على مدى العقود الماضية، متأثرة بشكل واضح بالتغيرات السياسية في الولايات المتحدة، سواء في ظل إدارات الجمهوريين أو الديمقراطيين. ويُعد المغرب من أبرز شركاء الولايات المتحدة اقتصادياً واستثمارياً في منطقة شمال أفريقيا، حيث شهدت العلاقات الاقتصادية بين البلدين نمواً ملحوظاً، خاصة خلال السنوات الأخيرة. فيما يلي عرض لكيفية تطور هذه الاستثمارات في ظل السياسات المتبعة من كلا الحزبين..

حتى أواخر القرن العشرين، كانت الاستثمارات الأمريكية في المغرب محدودة نسبياً وتركزت بشكل أساسي في قطاعات مثل التعدين والزراعة. بالإضافة إلى ذلك، انخرطت بعض الشركات الأمريكية في مشاريع تتعلق بالبنية التحتية والصناعات التحويلية. ورغم وجود تعاون اقتصادي متنوع بين البلدين، إلا أن الاستثمارات الكبرى من الشركات الأمريكية لم تكن بارزة خلال تلك الفترة، حيث ظلت العلاقات الاقتصادية قائمة على شراكات محدودة النطاق..

المرحلة المبكرة (ما قبل 2000)

مع بداية الألفية، وتحديداً في عهد الرئيس جورج بوش الابن، بدأت الاستثمارات الأمريكية في المغرب تشهد نمواً ملحوظاً. وقد تجسد هذا الاهتمام الأمريكي المتزايد في دعم الإصلاحات الاقتصادية في المغرب من خلال توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والمغرب في عام 2004. وبموجب هذه الاتفاقية، أصبحت المغرب أول دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا توقع اتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة، مما ساعد في تعزيز التعاون الاقتصادي وجذب الاستثمارات الأمريكية بشكل أكبر..

عهد جورج بوش الابن (2001-2009): بداية التحول الاستثماري-

تم توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين المغرب والولايات المتحدة في عام 2004، بهدف تعزيز التعاون التجاري والاقتصادي بين البلدين. ومن خلال هذه الاتفاقية، تم إزالة الحواجز الجمركية وتسهيل الوصول إلى الأسواق، مما شجع الشركات الأمريكية على دخول السوق المغربي بشكل أكثر سلاسة. كما فتحت الاتفاقية المجال أمام الشركات المغربية للاستفادة من الفرص التجارية المتاحة في السوق الأمريكي، مما أسهم في تعزيز التبادل التجاري بين البلدين وزيادة تدفق الاستثمارات الأمريكية إلى المغرب.

 أحد أبرز القطاعات التي استفادت من اتفاقية التجارة الحرة بين المغرب والولايات المتحدة هو قطاع الطاقة المتجددة. بفضل إمكانياته الكبيرة في مجالات الطاقة الشمسية والرياح، أصبح المغرب وجهة جذابة للاستثمارات الأمريكية في هذا القطاع. العديد من الشركات الأمريكية بدأت في تنفيذ مشاريع ضخمة للطاقة المتجددة في المغرب، مما عزز من مكانة البلاد كمركز للطاقة النظيفة في شمال إفريقيا..

بالإضافة إلى قطاع الطاقة، شهد قطاع السياحة أيضًا نمواً كبيراً بفضل هذه الاتفاقية. حيث استثمرت العديد من الشركات الأمريكية في مشاريع فندقية ومنتجعات سياحية في المغرب، مما ساعد على جذب السياح الأمريكيين وزيادة أعداد الزوار بشكل عام. كما ساهمت الاتفاقية في تسهيل حركة السياح وتعزيز التعاون بين المؤسسات السياحية في كلا البلدين..

من الناحية الاقتصادية، ساعدت اتفاقية التجارة الحرة في تعزيز الاقتصاد المغربي بشكل عام. فقد فتحت السوق المغربي أمام المزيد من الاستثمارات الأجنبية، وزادت الصادرات المغربية إلى الولايات المتحدة، مما أسهم في تحسين الأداء الاقتصادي. كما مكنت الاتفاقية المغرب من توسيع علاقاته التجارية مع الأسواق العالمية من خلال تسهيل عملية تصدير المنتجات المغربية إلى أسواق أخرى..

أخيرًا، ساعدت الاتفاقية في نقل التكنولوجيا والخبرة إلى المغرب، خاصة في مجالات مثل الطاقة المتجددة والصناعة. فقد جلبت الشركات الأمريكية أحدث التقنيات والابتكارات في مجالات متنوعة، مما ساعد على تحسين الكفاءة التشغيلية في العديد من القطاعات الحيوية وفتح آفاق جديدة لتطوير الاقتصاد الوطني..

عهد باراك أوباما (2009-2017): توسيع التعاون وتعميق العلاقات..

خلال فترة رئاسة باراك أوباما (2009-2017)، شهدت العلاقات الأمريكية المغربية توسعًا ملحوظًا في مجالات التجارة والاستثمار، رغم تأثير الأزمات الاقتصادية مثل الأزمة المالية 2008. فقد ساهمت هذه الأزمات في تقلب حركة الاستثمارات الأمريكية، لكن المغرب استمر في جذب استثمارات هامة بسبب السياسات الاقتصادية المستقرة..

التعاون الثنائي بين الولايات المتحدة والمغرب شهد تعزيزًا في مجالات الطاقة، الدفاع، والتكنولوجيا، مما جعل المغرب مركزًا رئيسيًا للاستثمار الأمريكي. كما كانت اتفاقية التجارة الحرة الموقعة بين البلدين في 2006 عاملاً رئيسيًا في تعزيز الاستثمارات من خلال توفير بيئة قانونية واستثمارية مستقرة..

استثمارات الولايات المتحدة تركزت بشكل خاص في قطاعات الصناعة والطاقة المتجددة والتكنولوجيا، مما ساعد على تقليل التذبذب في تدفق الاستثمارات. في المجمل، تميزت هذه الفترة بتعزيز العلاقات الثنائية على الرغم من التحديات الاقتصادية، مما أسهم في زيادة الاستثمارات الأمريكية في المغرب وتعزيز التعاون بين البلدين.

الاستثمارات الامريكية بالمغرب بمليون درهم

السنةالاستثمارات الامريكية بالمغرب بمليون درهم
20071543,7
2008837,8
2009734
2010633,8
20111064,7
20121863,7
20131979,3
20142706,8
20154249,3
20162339
20172696,1
20182422
20191050
2020673
2021982
20227741
20231615
1er semestre 2024*1012

المصدر: احصائيات مكتب الصرف

عهد دونالد ترامب (2017-2021): تركيز على الاستثمارات التجارية والأمنية

شهدت الاستثمارات الأمريكية في المغرب ارتفاعًا ملحوظًا في 2022، حيث بلغت 7741 مليون درهم، وهو أعلى مستوى في السنوات الأخيرة. قد يكون هذا الارتفاع نتيجة لتحسن البيئة الاقتصادية في المغرب، إضافة إلى الاتفاقيات التجارية الموقعة مع الولايات المتحدة، فضلاً عن استقرار الحكومة المغربية وتشجيعها على جذب الاستثمارات الأجنبية..

على الرغم من الارتفاع الكبير في 2022، تراجعت الاستثمارات في السنوات التالية، وخاصة في 2020 بسبب تأثير جائحة كوفيد-19، حيث انخفضت إلى 673 مليون درهم. كما استمرت هذه الانخفاضات جزئيًا في 2023، حيث وصلت الاستثمارات إلى 1615 مليون درهم. قد يكون هذا التراجع ناتجًا عن تباطؤ الاقتصاد العالمي وتغير استراتيجيات الشركات الأمريكية في الاستثمار.

عهد جو بايدن (2021-الحالي): تعزيز الشراكة الاقتصادية والاستثمار في الابتكار

خلال فترة حكم الرئيس جو بايدن، شهدت الاستثمارات الأمريكية في المغرب نمواً ملحوظاً، مع تركيز كبير على التكنولوجيا المتقدمة والطاقة المتجددة. الشركات الأمريكية الكبرى دخلت السوق المغربي بحثاً عن فرص جديدة، حيث يُعتبر المغرب بوابة استراتيجية للأسواق الإفريقية، مما يتيح لها توسيع نطاقها في القارة..

في مجال الطاقة المتجددة، أصبح المغرب شريكاً أساسياً في تحقيق أهداف الإدارة الأمريكية المتعلقة بالطاقة النظيفة، خاصة في مجالي الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وتعتبر مشاريع الطاقة المتجددة في المغرب جزءاً من التعاون بين البلدين لتعزيز الاستدامة البيئية والاقتصادية..

كما تم تعزيز التعاون في مجالات التعليم والتدريب المهني، حيث تم إطلاق برامج مشتركة بين الجامعات المغربية والأمريكية. هذه المبادرات تسهم في تطوير المهارات وتعزيز التعاون الأكاديمي بين الجانبين، مما يعزز من الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والمغرب..

في النصف الأول من عام 2024، تشير البيانات إلى أن الاستثمارات الأمريكية استقرت نسبيًا عند 1012 مليون درهم، وهو ما يعد انخفاضًا مقارنة بالعام 2022 ولكن أفضل من 2020. هذه البيانات قد تعكس تأثيرات مستقرة نسبيًا للاقتصاد المحلي والعالمي، مع استمرار التحديات الاقتصادية.

في الختام، رغم التذبذب الواضح في حجم الاستثمارات، يظل المغرب وجهة مهمة للاستثمار الأمريكي، مع تأثيرات متباينة للعوامل الاقتصادية العالمية والمحلية. تبقى البيئة الاقتصادية في المغرب جاذبة للاستثمار، إلا أن المستثمرين يظلون حساسين للتغيرات في السياسات الاقتصادية العالمية والمحلية.

*دكتور في الاقتصاد، باحث في المركز الأفريقي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية

Share
  • Link copied
المقال التالي