لاحظ عدد من المتتبعين والمهتمين بإدارة الدولة لزمن طوارئ جائحة كوفيد 19، مفارقة غريبة وازدواجية في تدبير الزمن الاقتصادي المأزوم بسبب كورونا، بين عضوين في نفس حكومة سعد الدين العثماني باتخاذ قرارات متناقضة تهم تدبير الجبايات والضرائب الواجبة لخزينة الدولة.
ففي الوقت الذي باشرت وزارة المالية، التي يرأسها الوزير محمد بنشعبون، بواسطة المديرية العامة للضرائب عمليات حجز لدى الغير خصوصا لدى الأبناك على حسابات مؤسسات سياحية وغيرها لأداء الضرائب بدون سابق إنذار أو تفاوض يتفهم وضعية المقاولة، وسار عبد الواحد لفتيت، وزير الداخلية، في منحى مناقض وأصدر قرارا فوض بموجبه اختصاصا للولاة والعمال في مختلف الجهات والأقاليم لاتخاذ قرار الإعفاء أو التخفيف والتخفيض من الجبايات الواجبة للخزينة العمومية، مما يطرح سؤال التنسيق الحكومي وأيضا مستوى النضج السياسي في دراسة المآلات الاقتصادية والاجتماعية لمثل هذه القرارات.
وكان قد سبب قرار الحجز الذي قامت به إدارة الضرائب، ارتباكا كبيرا لدى عدد كبير من المقاولات منذ نهاية شتنبر الماضي، وخلق لها متاعب مالية جديدة وتعثر في أداء المصاريف والوفاء بالتزامات الممونين وأيضا في أداء أجور العمال والمستخدمين بها.
كما كان هذا الإجراء بمثابة قرار تقني إداري محاسبي بعيد عن الواقع ولا يراعي النتائج الاقتصادية على المقاولة وأيضا لا ينظر بعيدا في أهداف السلم الاجتماعي واستقرار المقاولة.
فيما ذهب عكس ذلك قرار وزير الداخلية، الذي أبان عن فهم عميق وواقعي لصعوبات الأداء، بسبب نقص المداخيل وتدهورها، منذ انتشار الوباء والدخول في حالة الطوارئ والحجر الصحي وإغلاق الحدود وتلاشي السياح الأجانب وضعف الحركية الداخلية، وأيضا بجعل الإدارة الترابية القريبة من المقاول حكما على حجم المدخول الحقيقي والملموس خلافا لإدارة الضرائب التي يبدو أنها لم تنزل للشارع للاطلاع على حجم الخسائر.
هذه المفارقة تطرح عدة تساؤلات على إدارة مختلف المؤسسات للأزمات الكبرى، منها مستوى التفهم الحكومي السياسي للأولويات الاقتصادية والاجتماعية، ومنها مدى قدرة التقنوقراطي (وزارة المالية وإن كان الوزير الوصي ينتمي إلى حزب سياسي معين) غير الممارس للسياسية لتوقع النتائج السياسية والأمنية الاجتماعية لقراراته التقنية المحاسبية التي تغيب فيها الروح، وتحضر فيها القوالب الإدارية غير المستحضرة للواقع المعيش وكأنها صدرت من كوكب أو عالم بعيد عن عالمنا المأزوم.
تعليقات الزوار ( 0 )