شارك المقال
  • تم النسخ

تحليل: تعديل منظومة القوانين الانتخابية وضرورة العودة إلى الاقتراع الفردي

الديموقراطية ليست غاية في ذاتها، وإنما هي مجرد وسيلة لتدبير الشأن العام وبناء النظام والحفاظ عليه، فبناء المشاركة الإيجابية والفعالية التدبيرية مرتبط بالقدرة على المشاركة الجماعية الإيجابية وفي الفعالة في مسارات الفعل السياسي: مشاركة، انتخابا، تسييرا، اقتراحا وانتقادا.

 ولذلك فإن مشروعية أي نظام سياسي مرتبط بمشروعية الانخراط فيه، عبر فعل  المساهمة و الحضور الإيجابي والنشط للمواطن في كافة تفاصيل المشهد السياسي، لذا فالديموقراطية تعني ميلاد المواطن الفاعل والمتفاعل مع واقعه ومع قضايا عصره.

وهو ما أشار إليه أرسطو من كون الإنسان غير المهتم بشؤون المدينة والدولة ليس إنسانا بالمرة، وإن الفضيلة الأساسية هي الفضيلة المدنية، أي الاهتمام بالشؤون العامة.

 غير أن واقع الحال يكشف حجم الأعطاب في الممارسة السياسية بالمغرب عبر مجموعة مؤشرات منها:

أولا: العزوف عن المشاركة السياسية والانخراط في الأحزاب السياسية.

ثانيا: ضعف المشاركة في المحطات الانتخابية.

ثالثا: هيمنة القطاع الريعي في الفعل السياسي والمتجسد في الكوطا.

رابعا: مظاهر الفساد المرتبطة بالنخب السياسية.

خامسا: غياب الديموقرطية الداخلية في الممارسات الحزبية، وهو ما يكشف حجم الصراع العنف بكافة المؤتمرات.

سادسا: ضعف منسوب الثقة في الفعل السياسي وفي مصداقية السياسيين.

هذه المؤشرات حول أعطاب الفعل السياسي والحزبي بالمغرب لخصها الخطاب الملكي في خطاب العرش بالحسيمة في الذكرى 19 حين دعا إلى استقطاب نخب جديدة وتعبئة الشباب للانخراط في العمل السياسي، على اعتبار أن لكل زمان رجاله ونساءه، وأن الفعل الحزبي الجاد هو الذي يكون مع المواطن، التجاوب المستمر مع مطالب المواطنين، والتفاعل مع الأحداث والتطورات، التي يعرفها المجتمع فور وقوعها، بل واستباقها، بدل تركها تتفاقم، وكأنها غير معنية بما يحدث.

فالزمن الانتخابي لمحطة 2021 سيكون معقدا وصعبا، لاسيما في ظل الركود الذي تعيشه مجمل الأحزاب والمشاكل الداخلية وحجم الخراب والفضائح المرتبط بمؤتمراتها.

محطة 2012 محطة أساسية وحاسمة لأنها ستكون مرحلة لتدبير أزمنة صعبة، ومعقدة في ظل الإكراهات الداخلية والتحولات الخارجية مما يفرض إيجاد تركيبة سياسية فعالة ومؤهلة للتدبير.

ولذلك فإن استعادة المشروعية السياسية يفترض أساسا التفكير في كافة الآليات الجاذبة والتحفيزية لانخراط الجميع والشباب في الفعل السياسي والرفع من نسب المشاركة.

ولتحقيق الهدف هناك مسارات متعددة، وإحدى هذه المسارات إعادة تجديد وصياغة منظومة القوانيين الانتخابية، وكل ما يتعلق بالعمليات الانتخابية من أجل بناء مشروعية سياسية  عبر ضمان مشاركة سياسية  واسعة.

كما أن تعديل المنظومة القانونية المتعلقة بالعمليات الانتخابية بما فيها مدونة الانتخابات 9-97  والتي تم اعتمادها بناء على الفصل 26 من دستور 1996 وهو ما يعني أنها مدونة خارج نسق دستور 2011،  و بالتالي فهي مدونة  متجاوزة وغير قادرة على استيعاب المستجدات والتحولات الاجتماعية المتسارعة، الأمر يجعلنا امام واقع جديد وقوانين قديمة، مما يفرض على الجميع الانخراط الجدي وتوسيع دائرة النقاش العمومي من أجل إنتاج تشريعي ملائم، وينسجم مع خصوصية المرحلة ويستفيد من إمكانيات دستور 2011.

تغيير مدونة الانتخابات والتي أنجزت سنة 1997 أصبحت خارج الخدمة، ومتجاوزة لأن سياق إنتاجها كان مرتبطا بمرحلة انتقال السلطة، أما دستور 2011 فهو مرتبط بالانتقال إلى مرحلة الاستقرار والتنمية والاستقرار في زمن صعب  حيت الأنظمة الصلبة تبخرت.

إضافة إلى تغيير المدونة من أجل خلق توافق بين النص والواقع، أصبح من الضروري  التفكير في تغيير نمط الاقتراع من الاقتراع باللائحة إلى الاقتراع الفردي، لأن الاقتراع باللائحة يتيح فرص الريع السياسي والانتخابي ويمنح سلطة للأحزاب التحكم واختيار من تراه مناسبا لها، وغالبا ما يتم الأمر بشكل خارج الإطار القانوني، ويعاكس مبادئ الحكامة وفق المنصوص عليه في مقتضيات قانون الأحزاب 29/11.

فالاقتراع باللائحة ينتج الكسل ويكافئ النافذين حزبيا، ويعاقب  الفاعلين اجتماعيا وواقعيا، ويكرس منطق التراخي وغياب الحافزية وضعف الحماسة في المشاركة، مثلا الاقتراع باللائحة يكون وكيل اللائحة هو المتحمس الوحيد، في حين المرشحين الثلاثة الآخرين يعتبرون مشاركتهم صورية مما يولد الإحساس بعدم الجدوى. كما الاقتراع الفردي يقوي مساحات الاحتكاك والتواصل المباشر بين الناخب والمنتخب على اعتبار أن الدوائر تكون صغيرة عكس الدوائر الانتخابية الكبيرة، في الاقتراع باللائحة يصبح التواصل معلقا يتم عبر ملصقات تعلق في خانات ربما لا يهتم بها أي أحد.

 الفعل السياسي هو فعل تواصلي، فالفيلسوف السياسي هابرماس ربط الديموقرطية بالقدرة على انفتاح الفضاء العمومي للنقاش والتواصل والحوار، وهو ما يكون غائبا في الاقتراع باللائحة نتيجة كبر مساحة المجال الانتخابي وقلة مدة الحملة الانتخابية.

تماشيا مع هذا التصور أمام المشرع وصناع القرار احتمالين في حالة توفر الرغبة في إعادة تجديد مشروعية الفعل السياسي، إما تغيير نمط الاقتراع باللائحة إلى الفردي، أو تغيير مدة الحملة الانتخابية إلى عشرين يوما على الاقل.

وعلى المستوى السوسيولوجي، فنمط الاقتراع باللائحة لا يلائم المجال القروي المؤسس على منطق قبلي وانقسامي، حيت ترتفع حدة المنافسة في حالة وجود مرشحين أو أكثر لهم انتماءات قبلية مختلفة.

لأن المنطق الانقسامي مؤسس على منطق الائتلاف والاختلاف، المنافسة والتعاون  بناء على معايير الانتماء وشبكات الانتماء، وهو ما يقود إلى حدة في التنافس والاستقطاب، لأن الأمر لا يصبح مجرد عملية انتخابية لمرشح ضد مرشح، وإنما يصبح فعل الترشح هو  انتصار للهوية الاجتماعية للقبيلة والفخذة والجماعة في مدلولها السوسيولوجي.

 وانسجاما مع هذا التصور البنائي والوظيفي للمجتمع القبلي، فإن الانخراط في العملية الانتخابية ليس اقتناعا بالديمواقراطية وبقيمها، ولكن دفاعا عن ابن القبيلة: حيت يتم استبدال الرمز الانتخابي واسم المرشح وبرنامجه الانتخابي بالعبارات:  راه ولدنا  – راه المرشح ديالنا – لي مرشح ولد قبيلتنا – راه ولد بلادنا .. وغيرها من التعابير التي تكشف أن الحافزية وراء الانخراط في دعم مرشح معين يتحدد في المعيار الثقافي والمتمثل في الدفاع عن الهوية الجماعية، الأكثر من ذلك سيصبح من العار أن يصوت شخص ضد ابن بلده وأن ينتصر للبراني الغريب.

يبدو أن المدخل السوسيولوجي أساسي للتفكير في إعادة صياغة القوانين الانتخابية بما يضمن الرفع من نسبة المشاركة والانخراط الجماعي عبر استثمار الرأسمال الاجتماعي والثقافي وتوظيفه سياسيا وانتخابيا عكس الإجراءات  المسطرية التي تبدو جامدة، وتكرس منطقا رياضيا يحول الفعل الانتخابي كفعل سوسيو-تقافي إلى إجراءات حسابية ومعادلات وأرقام وعتبة وأكبر بقية والمعدل الانتخابي.

فالانتخابات ليست مسالة رياضية قابلة للحساب والقسمة وتوزيع المقاعد بشكل قبلي، لكنها فعل اجتماعي معقد يستدعي الأخذ بعين الاعتبار خصوصيات المجتمع، والرأسمال الاجتماعي وشبكات الانتماء من أجل ضمان مشاركة فعالة وإيجابية.

الرجوع إلى الاقتراع الفردي هو إعادة الحرارة إلى المسلسل الانتخابي، من خلال تضييق الدوائر الانتخابية على مستوى المجال الجغرافي مما يساهم في رفع درجة التنافس.

مدونة الانتخابات ونمط الانتخاب وتقطيع الدوائر وقانون الأحزاب كلها إطارات قانونية أصبحت متجاوزة ويجب تغييرها، من أجل الإقامة في نسق دستور 2011 كوثيقة سياسية  مفتوحة ومتحركة  مرتبطة بحراك اجتماعي وسياسي إصلاحي في ظل توابث المملكة.

قيمة القوانين في طبيعتها الحية والمتحركة، وأن تكون قادرة على استيعاب متغيرات الواقع ورهاناته، لأن القوانين التي لا تتفاعل مع واقعها هي قوانين جامدة وميتة، تغييرها يصبح شرطا أساسيا لتحقيق تنمية سياسية  في مدلولها الشامل والمواطن.

المدخل القانوني الصارم والمسطري والذي تحكم في إنتاج المنظمة الانتخابية الحالية، أفقد هذه القوانين حركيتها وعزلها عن سياقها الاجتماعي وعن بنيتها الثقافية والقيمية، مما جعلها قوانين غير قادرة  على التأقلم  مع المتغيرات والمستجدات وحرمها من الاستفادة من خصوصيات الواقع.

بناء مشروعية سياسية  لاستحقاقات 2021 يكون عبر توسيع دائرة المشاركة السياسية والانتخابية، وتحقيق هذا الرهان يفترض التحلي بالشجاعة من طرف الأحزاب الوطنية، وتجاوز الخطاب الأناني والتفكير في مستقبل الوطن قبل مصلحة الحزب وأصحاب الحزب، فالأمر يستدعي الانفتاح على كافة المداخل الاساسية لإعادة صياغة هذه القوانين بما فيها المدخل السوسيولوجي والاقتصادي والأنثربولوجي والقانوني.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي