في الوقت الذي أعلنت فيه الجزائر قرارها بإعادة فتح معبر الدبداب الحدودي بينها وبين ليبيا، دفع المشير خليفة حفتر، السبت، بقواته إلى الحدود الجزائرية (جنوب غرب ليبيا) وأعلنها منطقة عسكرية مغلقة.
تحرك قوات حفتر، جاء كذلك أياما فقط بعد تصريح الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، بأن طرابلس خط أحمر ، في إشارة إلى الهجوم الذي شنه حفتر الصيف الماضي على العاصمة الليبية، التي كانت تحت قيادة حكومة الوفاق الوطني، المعترف بها دوليا.
لذلك، يرى خبراء أن التحرك الأخير للمشير “رد فعل على موقف تبون”.
لكن المحلل السياسي الجزائري، بلقاسمي عثمان، يضيف إلى ذلك سببا آخر ويقول إن “لتحرك حفتر، هدف خفي، وهو تقويض العلاقة المتينة التي تكونت بين الجزائر، والحكومة الليبية الشرعية”.
وفي اتصال مع موقع “الحرة” قال بلقاسمي إن “حفتر يريد إثبات وجوده بينما يتزايد الاعتراف الدولي بحكومة الدبيبة”.
استفزاز؟
في 2014، أغلقت السلطات الجزائرية جميع المعابر البرية مع ليبيا خوفا من تسلل عناصر مسلحة إلى أراضيها، ومنذ ذلك الحين، ترابط قوات الجيش الجزائري على الحدود الجنوبية “وتترصد أي تحركات مريبة” بحسب بلقاسمي.
لكن، نهاية مايو، أعلن وزير الخارجية الجزائري، صبري بوقادوم، أن الرئيس تبون أمر بإعادة فتح المعبر الحدودي الدبداب مع ليبيا، وكشف في السياق بأن البلدين بصدد “استكمال المحادثات لفتح خط بحري بين طرابلس والجزائر”.
وهو ما لم يرق لحفتر، وفق المحلل الليبي جمال عبد المطلب.
ولسنوات، انقسمت ليبيا بين موالين للمشير حفتر (الشرق) وبين فائز السراج، رئيس حكومة الوفاق المعترف بها دوليا.
لكن، في 10 مارس الماضي، منح مجلس النواب الليبي، الثقة للحكومة الانتقالية التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، واتفق الفرقاء على تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية نهاية السنة الجارية، تؤطرها حكومة وحدة وطنية، بقيادة الدبيبة.
تحرك روتيني غير خطير
الدبيبة، زار الجزائر نهاية مايو الماضي، وأكد على “أهمية تعزيز التعاون الأمني ومكافحة الإرهاب بين البلدين.
وبينما يرى بلقاسمي في ذلك “داعيا آخر لتحرك حفتر ضد الجزائر” يقول المحلل الليبي المقيم في مصر، رمزي الرميح، إن ذلك يدخل في إطار المهام العادية المنوطة بقوات حفتر.
وفي حديث لموقع “الحرة” قال الرميح: “حفتر لا يحتاج لشيء مثل هذا لكي يلفت له الأنظار أو يرد على الرئيس الجزائري”.
وأضاف أن قواته (حفتر) بصدد تأمين حقول نفط قريبة من الجزائر، رغم تأكيده على أن للأخيرة “الحق في التوجس من أي تحرك عسكري قريب منها”.
يُشار إلى أن وسائل إعلام ليبية تداولت مقاطع فيديو قالت إنها تظهر سيطرة قوات المشير خليفة حفتر على معبر ليبيا مع الجزائر.
ونشرت قناة “ليبيا الحدث” صورا لانتشار كثيف لآليات عسكرية تابعة لـ “اللواء 128” التابع لحفتر على الحدود الليبية الجزائرية.
رغم ذلك، يرفض الرميح وصف ذلك بـ”التحرك العسكري” هدفه “الرد على تبون أو إرباك العلاقة مع الجزائر” وقال: “الجميع يعلم بأن الجزائر شريك مهم من الناحية الأمنية”.
وترتبط الجزائر مع ليبيا بنحو ألف كيلومتر من الحدود، ومعبر دبداب واحد من ثلاثة معابر حدودية (المعبران الآخران هما طارات وتينالكوم) تم إغلاقها منذ 2011 مع بداية تدهور الوضع الأمني في ليبيا.
تأمين حقول البترول
وكانت هذه الحدود موضع قلق بالنسبة للجانبين، حيث ظلت “مرتعا للجريمة العابرة للحدود، ومقصدا للعديد من المتطرفين” وفق وصف بلقاسمي، أستاذ العلوم السياسية بالجزائر.
لكن الرميح يرى غير ذلك، إذ لا يزال خليفة حفتر، في نظره، رجل المنطقة الشرقية بحكم “العمل الدؤوب الذي تقوم به قواته هناك ضد من وصفها بـ” الجمعات الإرهابية”.
الرميح يرى كذلك بأن الحجة التي دفعت بقوات حفتر لإغلاق هذه المنطقة هي “تأمين حقول البترول” وهو أمر طبيعي، وفق رأيه مستبعدا أن يكون حفتر بصدد “خلط أوراق حكومة الدبيبة أو حتى الجزائر”.
أما عن الخطر الذي يمكن أن يشكله تحرك حفتر قرب معبر “إيسين” بين الجزائر وليبيا، فيرى الرميح بأنه “ليس هناك أي خطر، لأن معبر إيسين يبعد نحو 400 كيلومتر عن كعبر الدبداب الذي تريد الجزائر استغلاله، بالتالي لا يوجد أي خطر” وفق تعبيره.
“سياسة فرنسا”
المحلل الليبي، جمال عبد المطلب، يرى من جانبه، بأن حفتر يجسد “سياسة فرنسا اتجاه الجزائر، ويحاول مضايقتها بسبب موقف الرئيس تبون من باريس”.
وفي حديث لموقع “الحرة” قال عبد المطلب إن “خطاب تبون الوطني الذي طالب فرنسا بالاعتذار عن جرائمها لم يرق لصناع القرار هناك وهو سر تحرك حفتر”.
عبد المطلب أكد في السياق، بأن البلدان التي تؤيد حفتر عموما، لها جميعها “مصلحة” في إبعاد الجزائر عن مسار التسوية الليبية.
يُذكر أن رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، قال لدى زيارته الأخيرة للجزائر بأنها “مؤهلة للعب دور في المصالحة الليبية”.
عبد المطلب أكد كذلك أن حفتر يهدف إلى استفزاز الرئيس تبون الذي أكد مساندته لطرابلس ومن خلالها “الشرعية الدولية التي تمتلكها حكومة الوفاق الوطني”.
وذكّر بأن الجزائر تتحسس مما عاشته خلال العشرية السوداء (مرحلة الإرهاب خلال التسعينيات) وأنها ستصد أي خطر على حدودها، مستبعدا اي مواجهة عسكرية بين الجانبين.
عبد المطلب يتصور بأن الجزائر لن تستخدم أي قوة قبل “إنذار” حفتر عبر دول أخرى مثل مصر أو حتى الولايات المتحدة، وفق تعبيره.
تعليقات الزوار ( 0 )