ونحن نخلد ذكرى عيد العرش المجيد، الذي تتجدد فيه روابط البيعة والولاء للعرش العلوي من كل أطياف الشعب المغربي، أحد ركائز الثقة الثابتة، والمستمرة، التي تتعزز في كل تحدٍّ يواجه المملكة، حيث تجد المواطنين بمختلف توجهاتهم يلتحمون حول ملكهم، ويدعمون توجهاته وقرارته دون الخوض في حيثياتها ودوافعها، وكلهم ثقة في ما سيترتب عنها من نتائج تخدم المصلحة العليا للوطن، وعبرها مصلحة الشعب المغربي بمختلف فئاته. هذا ما تجسد بشكل ملموس في مختلف محطات تدبير الجائحة، والقرارات المرتبطة بها، والتي كانت تستمد مشروعيتها لدى المواطنين من توجيهات المؤسسة الملكية في شقها السياسي، وإمارة المؤمنين في شقها الديني، دون الفصل أو التمايز بينهما.
فمنذ بداية الجائحة، وفرض الإجراءات الاحترازية، التي تم تنزيلها عبر سلسلة من التدابير التي كان لها أثر بالغ على النشاط الاقتصادي، والمؤشرات الماكرو اقتصادية ومخلفات ذلك على المستوى الاجتماعي، كانت النظرة الاستباقية حاضرة بقوة من خلال اعتماد صندوق خاص من أجل مواجهة تحديات الوباء واعتماد مقاربة تضامنية كان ملك البلاد أول و أكبر مساهم فيها، إلى جانب مجموعة من المؤسسات الاقتصادية والمواطنين، ما مكن المغرب من مواكبة الأزمة الاقتصادية بإجراءات اجتماعية كان لها أثر في تخفيف وطأة الوباء ودعم الطبقات الهشة والمتضررة، وكذلك ضمان تحويل بعض القطاعات الصناعية نحو تصنيع حاجيات المغرب من وسائل الوقاية، عبر مبادرات أشرفت عليها القطاعات الحكومية المعنية.
لقد عززت هذه المقاربة الملكية ثقة المواطنين، ورجال الأعمال في قيادة الأزمة، وكانت هناك تعبئة لا مثيل لها على مستوى القطاع الصحي الذي قدم ويقدم أطره إلى اليوم تضحيات في محاربة الوباء، وعلى المستوى الأمني رأينا تظافر الجهود في التوعية ومواكبة تنزيل مقتضيات قانون الطوارئ الصحية، من طرف مختلف رجال السلطة المحلية، ورجال الأمن الوطني، والدرك الملكي، ورجال القوات المسلحة الملكية، الذين كان تدخلهم حاسما في ذروة الوباء عبر تدبير المستشفيات الميدانية وفق تعليمات القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية.
لقد شكل هذا النموذج المغربي مرجعا للعديد من الدول، خصوصا عبر تفعيل آليات الضمان المركزي لقروض المقاولات التي عانت من صعوبات مالية في ظل الجائحة ووضع تدابير تحفيزية للحفاظ على مناصب الشغل، ما جعل المغرب يرتقي في مؤشرات الاستثمار والاستقرار المالي، ويتموقع في مصاف الدول الصاعدة، وهذا نتاج الروابط الوثيقة بين الشعب والملك الذي تجده سندا للمغاربة أين ما كانوا ومهما كانت مرجعتهم وموقعهم الجغرافي، فكان الاتفاق الثلاثي بعد مخاض من المفاوضات، آلية لتسهيل زيارة المواطنين اليهود لبلدهم الأم وتيسير الرحالات الجوية بين المغرب وإسرائيل، دون التنازل عن دعم الحق الفلسطيني، ومركزية قضية القدس بالنسبة لأمير المؤمنين ورئيس لجنة القدس.
وفي السياق نفسه، وبعد ارتباك حكومي واضح في تدبير عملية قدوم الجالية المقيمة بالخارج، تدخل ملك البلاد مرة أخرى بحزمة من الإجراءات لتسهيل عملية “مرحبا” الاستثنائية، باعتماد تسعيرات خاصة للرحلات الجوية والبحرية وتنزيل تدابير لدعم الجالية في عز أزمة كورونا، ورغم التجاذبات الديبلوماسية مع الجارة الشمالية في قضية تهريب مجرم الحرب زعيم البوليساريو المطلوب للعدالة الإسبانية، نظرا لكونها ممرا رئيسيا نحو المغرب للجالية المقيمة بأروبا، هذا الإكراه الذي تم التعامل معه بمقاربة ذكية مع توفير إمكانيات لوجيستيكية مهمة، جعلت جاليتنا تفتخر بملكها ووطنها بين باقي الجاليات الأخرى، بل وشكلت لبعض الدول عامل ضغط من طرف مواطينها في ظل تأزم الأوضاع السياسية والاقتصادية بتلك “الدول”.
إنها مقاربة منسجمة، تجسد النظرة الملكية التي تضمن استقرار المغرب، عبر هذه الملاحم التي توجت بإطلاق المشروع الاستراتيجي بجعل المغرب مركزا لصناعة بيوتكنولوجي، وإنتاج اللقاحات، ما سيزيد في ترسيخ الروابط التي تجمع المؤسسة الملكية والشعب المغربي، الذي يرى كل يوم منجزات تجعلنا استثناءً، و ما تم تحقيقه في معركة الحصول على اللقاح المضاد لكورونا، لخير دليل على اشتغال منظومة متفردة على الصعيد الإقليمي والدولي، تجعل المغرب بلدا متعدد الشركاء والخيارات التي تخدم مصالحه ومصالح شعبه.
بفضل ذلك لا يمكن إلا أن نفتخر بما أنجز وما سيتم إنجازه تحت قيادة الملك محمد السادس، الذي غير الكثير من المعالم السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، للمملكة المغربية في إثنا وعشرين عاما من الحكم، ووضع المملكة الشريفة في عز أزمة جارفة في مصاف القوى الإقليمية، التي تواجه اليوم حملة كذب ممنهج، من طرف تحالفات عدائية، بواجهات إعلامية خارجية، تحاول النيل من دولة أفقدت العديد من الجهات و المصالح البوصلة(..).
ويبقى السؤال متى سترتقي النخب السياسية والأحزاب الوطنية لمواكبة هذا المسار في تنزيل البرامج والوعود لكسب جزء من ثقة الموطنين المفقودة فيهم والذين لا يثقون صراحة إلا في ملكهم؟
باحث في الشأن الاقتصادي
تعليقات الزوار ( 0 )