Share
  • Link copied

تجربتي السياسية… من النظرية إلى الممارسة

منذ بواكير أيام فتوتي وشبابي ، كانت روحي  متوثبة ،دائما  ما تنزع لرفض الظلم والفساد ، والباطل وتنتصر  ،للحق والخير  ، فكنت أحلم بدولة مثالية  ديمقراطية اجتماعية  مدنية  ، تتحقق فيها العدالة ، والرفاهية ، فصادفت في طريقي الطويل حركات سياسية متباينة الاتجاهات تقلبت فيها بين التشدد والاعتدال، وبين اليوتوبيا والواقعية، وبين المحافظة  والحداثة ، ومن الإسلامية إلى اليسارية ، وفي كل مرة ، كان يبدو لي الحل بعيد المنال فتقلبت بين يأس وأمل ، وقد كنت في أيام شبابي أرفض العملية السياسية ، الرسمية برمتها ، لأنني حينها ،كنت لا أرى جدوى المشاركة ، في اي نشاط سياسي رسمي باعتبار أن حدود. اللعبة والملعب محددة سلفا ، قواعدها مرسومة مسبقا ،  وبالتالي  كنت أرى بعقلي الرومانسي الحالم , أن الممارسة صورية وغير منتجة ، ولا يمكن أن تحلحل الوضع الراكد  لأن اللاعبين الحقيقيين يمسكون بخيوط اللعبة من وراء ستار ، وأن من يظهرون في الساحة على المسرح ، مجرد كومبارس او  على أكثر تقدير  مجرد ممثلين ثانويين ،  وكنت حينها  ولفترات طويلة ، وفي محطات مهمة من عمري أميل نحو الفوضوية والعبثية، والوجودية ، والتشاؤم الشوبنهاوري  العميق والرفض النيتشيوي  بالمطرقة  الرامي إلى أفول الأصنام وتحطيم الأوثان، لما كنت أراه حولي اثناء الحياة الجامعية من صراعات أيديولوجية بين حركات كانت تخوض حروبا  وهمية دون كيخوتية  ، نسبة إلى رواية محارب طواحين الهواء لكاتبها الاسباني سرفانتيس.

وما أن انهيت دراستي الجامعية  عدت الى قريتي  الصغيرة ،الساكنة الهادئة لاخوض صراعا  وجوديا  مع البطالة والعطالة ،نجوت فيها باللجوء الى الانغماس  في مكتبتي، والانغراس اليومي في صفحات كتبي ، فكانت ولائم  لأعشاب البحر الميت ، على حد عنوان رواية حيدر ، حيدر ، ومدن مالحة  ملوحة مدن الملح  لعبد الرحمان منيف ،وضجر  كضحر صحراء التتار ،  لكن ما لبتث أن بدأ  الملل يسيطر على نفسي ، فكان لابد  لي من حركة استقلالية انقلابية  ثورية أعلن فيها عن نفسي فكنت اخرج بعيدا عن الأحياء المأهولة في الخلاء  ثم  أبدأ بالصراخ  بأعلى صوتي في الفراغ ، وعملت على ان يخرج ذلك الوحش الكامن ليقضي على هذا  الدرويش المسكين الاقرب الى العبودية والاستسلام ، وما لبتث أن بدأت اخرج إلى  العلن مع مجموعة من الأصدقاء على ضفاف نهر ورغة ، مع ثلة  رائعة من الرجال ، فتشكلت نواة اولى لعمل جمعوي كان الاول  من نوعه في بلدتنا ، أسمينا إطاره التنظيمي جمعية الأمل  للثقافة والفن وأذكر أننا نظمنا معرضا للكتب ، ونظمنا امسيات ثقافية ودوائر مستديرة ومحاضرات قيمة بمقر البلدية ، ثم انتقلت بعدها لفعل اكثر  صدامية ونضالية حين أسسنا فرعا للجمعية الوطنية لحملة الشواهد المعطلين ، وقد كانت انطلاقتي للإعلان عن الانسان الثائر المتمرد ، وكانت فترة رائعة اعتبرها من أكثر الفترات توهجا في حياتي واجهنا فيها ، السلطات محليا ووطنيا بصدورنا العارية وعقدنا حلقيات، في الفضاء  العام ومسيرات احتجاجية ، ولا أنسى خوضنا الاعتصام التاريخي في ساحة اسميناها  ساحة السابع من سبتمبر  ، أمام مقر البلدية والذي استمر لما يزيد عن خمسة عشر يوما بليلها ونهارها  ولا أنسى ما حييت ذلك الاحتضان الشعبي لنا  وقد كانت تلك  الملحمة مع كتيبة من الشباب الجامعي من مختلف التلاوين السياسية والفكرية اليسارية والإسلامية ، والتي كانت تتكون من 50طالبا مجازا او يزيد , وقد انتهت تلك التجربة نهاية سعيدة  اسفرت عن تحقيق نتائج جيدة  حصل على إثرهاعدد من المناضلين على عمل ، أما بالنسبة لي فقد رحلت عن بلدتي الصغيرة في تجاه عاصمة الغرب مدينة القنيطرة  لولوجي الى مهنة المحاماة ،

وخلال هذه الفترة كانت لي تجربة سياسية مع حزب التقدم والاشتراكية  خلال نهاية التسعينات ، وبداية الألفية الثانية ومنذ ذلك الوقت وإنا  أحضر المؤتمرات حتى اصبحت عضوا في اللجنة المركزية ، ثم عضوا في المكتب الوطني للشبيبة الاشتراكية ، رفقة كاتبها الوطني الرفيق سعيد فكاك ،  لكنني ومع ذلك لم الج للعمل السياسي الانتخابي وذلك لأن  تجربتي  كانت نظرية  وبقيت كامنا  الى ان جمدت عضويتي ونشاطي بسبب ما أصبحت الاحظه  من عبث العابثين وفساد بعض الممارسات التي لا  تمت بصلة للمبادئ والمواقف الرجولية والنضالية والشعارات  التي كان يرفعها الحزب أيام علي يعتة، واسماعيل العلوي  .وانكفات الى الظل ، وابتعدت عن رفاق الأمس بسبب ضغط العمل المهني واليومي، وبسبب فقداني  للحافز المعنوي .

ثم بدأت تتغير وجهة نظري للأمور بعد فشل ثورات الربيع العربي ونهاية تجربة الاسلام السياسي  الى الفشل الذريع لأسباب ذاتية وموضوعية ومحلية وخارجية   وتاريخية وفكرية   وأصبحت أعتقد أنه لا حل الا في المشاركة في اللعبة الديموقراطية المغربية على علاتها ونواقصها  لأنه ليس هناك من حلول أخرى ،معقولة وممكنة إلا  الولوج إلى  الخراب ، وقد رأيت تجارب دول انتهت  إلى دمار  ورعب ، وخوف  وفقد الأرواح والأهل والابناء والاموال وتشرد في البلدان ، كما وقع في سوريا. وليبيا ومصر. وأخيرا تونس

وأيقنت بعدها ان لا  أمل في الأفكار الكبيرة والاحلام الثورية التي كانت تدغدغ ، قلوبنا  وعقولنا، بشعاراتها الرومانسية الانطباعية التي  تثير مشاعرنا  وكانت تقشعر لها جلودنا وتخشع لها قلوبنا ، فالقلوب حينذاك كانت صافية لم  تختلط بكدر ، أو  ران، لكن الواقع كان صلبا ومعاندا ومكابرا ، وخلصت خلال كل هذه السنين الى نهاية عصر الايديولوجيا ، والأنظمة الشمولية او الحركات الأصولية او الوثوقية الدوغمائية  ، التي كانت تبشر  بتغيير الكون ونهاية التاريخ على حد قول فوكو ياما في كتابه الشهير ، بالثورات الكبرى .

طبعا لم تتحقق في ارضيتنا  ثورة فكرية تخالف  المألوف باستثناء فلتات  وومضات، مع اعلام كبار من امثال الجابري والعروي وعدد قليل غيرهم  ، لم  يكن لها الأثر الكبير في حلحلة الوضع  الراكد ، واحداث القطيعة و تدشين عصر أنوار وتنوير  عربي مغربي  لأن الشروط الموضوعية الواقعية لم تكن ناضجة بسبب الفقر والامية والإمبريالية الإستعمارية المقيتة ، فكانت تبعا لذلك كل التجارب كسيحة عشنا خلالها  زمنا جامدا لا يراوح مكانه هو زمن الانتقال الديموقراطي ،

لكن ومع ذلك قاومت هذا الاحباط  واليأس ، وانتهيت الى  الايمان بفكرة الفلاسفة الإسلاميين المشائين كالفارابي وابن سينا والقائلة ، بأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان ، وان التجربة المغربية اقل ما يمكن ان توفر  هو الاستقرار والأمان وحرية التعبير ، وأن على المثقف العضوي الفاعل ان ينتقل من برجه العاجي ومن تلك الطهرانية والهالة التي يحيط بها نفسه لكي ينزل الى ارض الواقع ويعاني من التدافع السياسي.

وخلال فترة مرضي بكورونا وتواجدي بالمستشفى  شهر 6 من سنة 2021 زارني اخي , واستشارني حول رغبته المشاركة في انتخابات الثامن من شتنبر  من سنة 2021 فأجبته ان السياسة بئر عميق وانها ارض المكر والخديعة ولا يثبت وينتصر  فيها الا من تشبع   وتمرس بهذه الأخلاق ، وأنها أرض الذئاب وأنه إذا لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب ، وانه لا يصح فيها اعتماد النوايا الحسنة والصدق والوفاء وانه يجب فيها  استعمال  أحيانا الوسائل غير المشروعة والأساليب القذرة ، وقلت له يا اخي أنت رجل قوام صوام  تصلي الفجر وترحم الفقير وتتصدق على المسكين وتصل الرحم ، وأنك رجل مستقيم وستعاني لأنك لن تستطع استخدام اساليب الشر ، والاندماج  والانغماس في مجتمع  الليالي الحمراء  والصفقات السوداء ، فأجابني أن نيته الإصلاح  ومقاومة الفساد ، فلم اعترض وافترقنا ، وبعد شفائي وقضائي فترة العطلة الصيفية التحقت به  خلال الحملة في حزب الاتحاد الاشتراكي برمز الوردة ، وقدت خلالها   الحملة بكل قوة ، كنت اخرج فيها يوميا الى الناس عبر مكبرات الصوت بخطاب شديد الوقع ، وبلاغ كان هو البلاغ المبين  وقد وجدتها فرصة لإيصال رسالتي ، بضرورة محاربة الفساد  وإسقاط  الطغاة ، والمتكبرين والمختلسين ، وبائعي الذمم ، عموما  ،دون تسمية أو قصد  أشخاص بينهم وذواتهم  ، وإنما كان خطابي عاما مجردا  مؤثرا ،  وتواصلت مع الناس  فتبعوني اينما  حللت وارتحلت وبدأت تكبر المسيرات حتى صارت كموج البحر  او طوفان نوح ، وكان ابتهاجا كبيرا  وصلني فيه حب الناس فتفاءلت  خيرا  ، لكن  المال الحرام كان يفعل فعله  فيمحي بالليل  ما زرعته بالنهار ، لكن فئة عريضة لم   تضعف أمام الإغراء  الوهمي  ، ويوم  الاقتراع هلت بشائر  النصر وتحقيق الأغلبية في الثلت الاخير  من الليل  فنمنا على نصر لكننا  استيقضنا على هزيمة وقد فعلت يد خفية فعلها  وأعادت  خلط  اوراقها ووفرز اصواتها ، ومزجت الحابل بالنابل  ،فحللنا في الرتبة الثانية ب8 مقاعد  وما أدهشني وفاجئني هو ان الدوائر الهشة والفقيرة  لم تبع  أصواتها وضمائر ، فساد وجوم على المدينة وحزن وألم لاحظته في عيون الصغار والكبار وقد اعدمت احلامهم بالتغيير وفرض عليهم من أرادوا ، إزاحته ،بخديعة كبرى تمت ليلا  تحت جنح الظلام ، و بالنظر إلى الواقع الذي لا يرتفع  والنتائج  الرسمية المحصل عليها  وجدنا انفسنا بين الطرقة والسندان في وضعية الكماشة  فخضنا بعدها ، مفاوضات عسيرة  من أجل تشكيل الأغلبية والقيام بالتغيير  المأمول لكنني اكتشفت خلالها وضاعة  بعض الفرقاء ممن آثروا السمسرة وبيع إرادة الناخبين ، والهروب الى المدن النائية  والاختطافات القسرية  والسيناريوهات الهوليودية ، ممن كانوا يدعون النضالية والدفاع عن المصالح العامة واتضح لي سخف اقوالهم  وكذب ادعاءاتهم  ،وخلصت مع الأسف  الى انتصار المنافع والمصالح على المبادئ والمواقف ، والمرونة  على الجدية والصلابة ، وانه لابد من مجابهة الشر بالشر ، لأنه لا يمكن  الجمع بين الخبيث والطيب  والصالح والطالح ، ورغم ارادتنا  للمصالحة من أجل تحقيق الأهداف المنشودة وتجاوز الماضي والأحقاد والخصومات السياسية وإزالة الاحتقان العام ، وفتح صفحة جديد وبعد  التحالف والتعاهد  والقسم بأغلظ الأمان  أمام اللله والناس يين جميع  الأطراف على عدم الخيانة ،والوفاء بالعهد ،  كانت صبيحة يوم تشكيل المجلس الجماعي صادمة حين تنكر. الخصوم. لعهودهم وايمانهم  وللطعام الذي اكلوه ، أمام الملأ  دون أن يؤنبهم ضميرهم أو يرف لهم  جفن أو تهتز لهم شعرة ،أو قصبة على رأي مظفر  النواب ،  وكيف يكون ذلك  وقد تربوا على هذا السلوك وألفوه وطبعوا معه  حتى صار ت أقعالا طبيعية وعادية في عرفهم بل  إنهم يعتبرونها ذكاء وفهلوة ، والصدق والوفاء  سفاهة  وبلاهة  وغباء  ، وقد  كنت  متوقعا  كل هذه السيناريوهات ، لأن اعرف طبيعتهم  معرفة جيدة. من سوابق عديدة لا تنساها الذاكرة الجرفاوية  ، لكننا مشينا قدما في   تنفيذ التزامنا من أجل إلإعلاء من شأن القيم ، والمثل ، والمبادئ. الراقية ، وأعلنا  عقب ذلك تموقعنا في المعارضة ، إيمانا منا انه لا يصح الا الصحيح وان الزبد يذهب جفاء ويمكث في الأرض ما ينفع الناس ، وأن السياسة يمكن أن تمارسها من داخل المؤسسات التمثيلية ومن الخارج بالشارع حيث العمل الجمعوي الجاد بالتضييق ومزاحمة الفاسدين ومراقبتهم ، حتى لا يجدون منفذا  يهربون منه او سردابا يلجأون إليه ، وايقنت مع كل الألم  والحزن  مما آلت إليه التجربة، وحمدت الله ان اعفانا من المسؤولية وحمل الأمانة  رغم اننا طلبناها  بنية صادقة وإرادة حازمة ، فرب ضارة نافعة  وانه عسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم واقولها تعالى :(لو اطلعتم على الغيب لوجدتم ما فعل ربكم خيرا) صدق الله العظيم.

 خاصة بعد   اكتشافي  لممارسات   ضحلة لبعض السياسيين النفعيين   .وأنه ومع ذلك لا يأس مع الحياة ولا يأس في الناس وفي التغيير ، والإصلاح،  لأنه لا حلول أخرى. غير سلوك  طريق تجربة الديموقراطية وإن كانت  ضعيفة كسيحة ومخطط لها سلفا ، لأنها ستتغير مع الزمن حتما وتبلغ الرشد، يوما  ولعل الخير يغلب الشر ،  والحق ينتصر على الباطل ، والصلاح على الفساد ، وهذه سنة الله في الكون فلولا دفاع الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض…….، وللحديث بقية.

Share
  • Link copied
المقال التالي