منذ ما يقرب من أربعة عقود، قام دوج فلوتي، لاعب الوسط في فريق بوسطن كوليدج، برمية قوية ناجحة من منتصف الملعب لتحقيق فوز مفاجئ على جامعة ميامي في المسرحية الأخيرة، وأدى ذلك إلى زيادة لاحقة في طلبات الالتحاق بالجامعة فيما أطلق عليه “تأثير فلوتي”.
ووجد فريق من الباحثين في جامعة نيويورك الآن أدلة على هذا التأثير يتجاوز الملاعب والمسابقات الرياضية، وخلال وبعد مشوار المغرب المذهل إلى الدور نصف النهائي لكأس العالم في خريف عام 2022، ارتفعت عمليات البحث على الإنترنت عن مواضيع غير رياضية مرتبطة بالمغرب بنسبة 400٪.
وشملت هذه الزيادة، حسب دراسة حديثة نشرها موقع “فيز دوت أورغ” (phys.org)، ارتفاعًا في أحجام البحث العالمية على المطبخ والثقافة والمعالم السياحية في المملكة المغربية، مع استفسارات على محركات البحث مثل “أفضل وقت لزيارة المغرب” و”تأشيرة إلى المغرب” و”الكسكس”.
بالإضافة إلى ذلك، وجد تحليل المشاعر العالمية على الإنترنت تجاه المغرب – المعبر عنها في منشورات وسائل التواصل الاجتماعي – أن المشاعر تجاه البلاد تحولت من قريبة من الحياد في الشهر السابق لكأس العالم إلى زيادة بنسبة 150٪ تقريبًا في المشاعر الإيجابية خلال البطولة التي استمرت لمدة شهر.
ويقول أنس باري، الأستاذ المشارك السريري في معهد كوران للعلوم الرياضية والحسابية بجامعة نيويورك والمؤلف الرئيسي للدراسة التي ظهرت في مؤتمر علوم الحاسب والذكاء الحاسوب الدولي لعام 2023 (CSCI): “لم يحقق المغرب أداءً رائعًا في كأس العالم فحسب، بل خلق أيضًا رواية مقنعة لنفسه استحوذت على اهتمام عالمي وأثارت اهتمامًا ملحوظًا بالبلاد – بطرق لم تكن متوقعة أو مقدرة سابقًا”.
ودرس الباحثون تأثير الرياضة على صورة الدول، وغالبًا في سياق الأولمبياد، ومع ذلك، فإن تأثير النجاح الرياضي على الاهتمام الأوسع بدولة معينة أقل فهمًا.
ولتقدير ذلك، قام باري، الذي ولد ونشأ في طنجة، وزملاؤه بإنشاء نماذج معالجة اللغة الطبيعية (NLP) لقياس المشاعر (إيجابية، سلبية، أو محايدة) المضمنة في مقالات الأخبار باللغة الإنجليزية المتعلقة بالمغرب قبل (من 19 أكتوبر 2022 إلى 19 نوفمبر 2022) وخلال (من 20 نوفمبر 2022 إلى 18 ديسمبر 2022) كأس العالم – وهي طريقة شائعة لقياس نبرة التغطية الإخبارية.
وكانت المشاعر قريبة من “المحايدة” قبل كأس العالم، لكن المشاعر الإيجابية نمت بنسبة 150٪ تقريبًا خلال البطولة، في حين أن الزيادة في الاهتمام الإيجابي لم تكن مفاجئة بالنظر إلى أداء الفريق الاستثنائي وغير المتوقع، فهل كان لها أي تأثير خارج الملعب؟.
ولاستكشاف هذا السؤال، ابتكر الباحثون سلسلة من “مؤشرات المغرب” مصممة لقياس الاهتمام بالبلاد وبفريق كأس العالم بشكل منفصل. بالإضافة إلى “مؤشر البلد”، شملت هذه المؤشرات “مؤشر القميص” لتتبع عمليات البحث على قمصان اللاعبين، و “مؤشر يوتيوب” لالتقاط عمليات البحث على أبرز اللعبات، و”مؤشر السياحة” لقياس الاهتمام بالسفر والمطبخ (على سبيل المثال، ربط “المغرب” بكلمات رئيسية مثل “تأشيرة” و”رحلات”).
وتم ربط هذه المؤشرات بمنشورات Reddit العامة باللغة الإنجليزية المتعلقة بالمغرب قبل وأثناء وبعد كأس العالم، الذي ستستضيفه المغرب بشكل مشترك في عام 2030.
وبشكل أكثر تحديدًا، صمم الباحثون إطارًا يلتقط كل من تأثيرات الشعبية والمشاعر من ثلاث فترات زمنية: 30 يومًا قبل كأس العالم، والفترة الزمنية التي تبلغ 30 يومًا التي أقيمت فيها كأس العالم، و 30 يومًا بعد كأس العالم.
وكما كان متوقعًا، زادت عمليات البحث المتعلقة بكأس العالم على وجه التحديد خلال المنافسة، ولكن كذلك زادت عمليات البحث المرتبطة بالسفر (شهدت “الرباط” و”الدار البيضاء” زيادات كبيرة في شعبية البحث) والطعام.
ومن الجدير بالذكر أنه من بين المأكولات المغربية، حافظ الكسكس والطاجين على شعبيتهما المتزايدة بعد انتهاء كأس العالم، حيث حقق الكسكس زيادة تزيد عن 90% مقارنة بشعبية ما قبل كأس العالم، يليه الطاجين بزيادة قدرها 81%.
وبشكل أكثر تحديدًا، كان فوز المغرب على البرتغال، الذي يمثل تقدمه التاريخي إلى الدور نصف النهائي، بمثابة ذروة الشعبية مع قفزة هائلة بلغت 4527٪ في الإشارات.
وارتفعت الكلمات المرتبطة لغويا بكلمة “مغربي” بنسبة 3758% خلال كأس العالم مقارنة بالفترة السابقة. بالإضافة إلى ذلك، بدأت العديد من المصطلحات ذات الصلة في الانتشار على موقع Reddit خلال كأس العالم؛ وشملت “Morocco Travel” و”Morocco Food” و”Morocco Capital”.
وفي حين تضاءلت شعبية معظم هذه المصطلحات بعد كأس العالم، فإن المواضيع المتعلقة بـ”سفر المغرب”، على وجه الخصوص، حظيت باهتمام متزايد بنسبة 2356% مقارنة بالفترة خلال المنافسة.
ويقول باري، الذي يقود التحليلات التنبؤية وأبحاث الذكاء الاصطناعي في معهد كورانت: “على الرغم من أننا لا نعرف ما إذا كان نجاح كأس العالم قد حفز السياحة بالفعل – فلا توجد بيانات عامة متاحة عن السياحة في المغرب – إلا أنه أثار اهتمامًا بالبلاد خارج نطاق الرياضة”.
وأضاف، أنه “ربما كان لنجاح المغرب في 2022 تأثير بالتأكيد على قرار الفيفا بالمشاركة في استضافة كأس العالم 2030، لكننا نعلم الآن أن مسيرة الفريق أتت بثمارها بطرق غير متوقعة”.
وكان من بين المؤلفين الآخرين للدراسة أعضاء مجموعة باري لأبحاث الذكاء الاصطناعي في قسم علوم الكمبيوتر بجامعة نيويورك: إدوارد هو، تشارلز وانغ، كايتلين كوي، إيموس كير، أليكس مانكو، نواف العبد الله، علي الشحي، كيلي لولور، سيباستيان ستراسر، وأدفيت أبرول.
تعليقات الزوار ( 0 )