عقد مركز منصات للأبحاث والدراسات الاجتماعية، يوم الخميس الماضي بمدينة بني ملال، ندوته النقاشية الرابعة حول موضوعات الروابط والجسور الممكنة بين المجتمع المدني العلمي والمؤسسات الأكاديمية، وذلك بعد ثلاثة محطات سابقة استقبلتها كل من مدينة، المحمدية، الدار البيضاء وتطوان.
وعرف اللقاء الذي انطلق على الساعة التاسعة صباحا، مشاركة فاعلين ومتدخلين من مشارب علمية وجمعوية مختلفة. وكانت المدخلة الأولى للدكتور عزيز مشواط رئيس مركز مؤسسة منصات، والذي قدم في بدايتها نبذة عن المؤسسة وكيفية اشتغالها.
وأشار مشواط إلى السياق الذي جاءت فيه المراكز البحثية، كظاهرة جديدة، تختلف عن المختبرات ومراكز البحث داخل الجامعة، وأوضح من خلال المقارنة أن لهذه المراكز فراغات أكبر للاشتغال وهوامش أوسع للحرية، كونها نوافذ للعمل بشكل مختلف وطرق أقرب للواقع المحلي.
ورغم تنامي هذه المراكز المستقلة في المغرب، وكونها حليفا أساسيا للفاعل الجمعوي بالمجتمع المدني فلايزال الطلب عليها جنينيا في نظره، حيث إنه من خلال دراسة قامت بها المؤسسة، حول مجموعة من مراكز الأبحاث المختلفة المستويات، أوضحت النتائج أن هناك العديد من الإكراهات التي جملها الدكتور في ثلاثة جوانب.
الجانب الأول، حسب مشواط، قانوني، يتجلى في استمرار الاستناد على قانون الجمعيات داخل هذه المراكز، ما يؤجل الاعتراف بها كبنيات مستقلة في المغرب. أما الجانب الثاني، فسياسي، ويرتبط بعدم تواجد علاقة تلاحم بين هذه المراكز والفاعلين الأساسيين في صناعة القرار، وعدم اتخاذ النتائج والتوصيات البحثية على محمل الجد.
وأوضح مشواط، أن الجانب الثالث، تنظيمي، وهو مرتبط بكيفية الاشتغال وبمسألة التمويل حيث يعتبرهما أساسيين، للحفاظ على الاستمرارية والاستدامة.
واختتمت المداخلة بمجموعة من المحاور الاستراتجية التي يحتويها المركز، أهمها تعزيز التعاون والشراكة بين المراكز البحثية، تبادل الموارد والخبرات للوصول إلى بيانات دقيقة والعمل على توعية الفاعلين الأساسيين بقيم هذه المراكز.
من جانبه، أبرز عبد الهادي الحلحولي أستاذ علم الاجتماع المداخلة الثانية، بصفته رئيس مركز أطلس للأبحاث والدراسات الاجتماعية، دواعي خلق المركز الذي جاء نتاج عملية تشخيص، استمرت لسنتين، دفع مجموعة من الباحثين الأكادميين والفاعلين المدنيين، للاعتراف بالحاجة لضرورة تأسيس هذا المركز، ومقاومة النفور السيكولوجي للمعرفة العلمية بالمجتمعات المحلية.
ونوّه الحلحولي بالعديد من الدراسّات والتجارب البحثية التي أتنجت داخل الحقل العلمي المدني، واهتمت بالشأن المحلي، حول موضوعات الهجرة والتعليم والسياسات العمومية.
أما بشأن الإكرهات، يرى الحلحولي أن مشكلة التمويل لا يجب أن تنيسنا أن الاشتغال ضمن هذه الهيئات والمنظمات يقوم على فكرة التطوع، أي لابد من توفر استعدادت بنذاتية للقيام بهذه الأعمال من طرف الفاعلين، مع تنبيهه إلى أن مسألة التمويل مهمة، خصوصا في شقها المتعلق بالبحوث الجهوية التنموية.
وركز الأكاديمي نفسه، على الآفاق التي يتغياها من خلال المنتدى، وهي محاولة تعميم تجربة جيل للمؤسسة منصات، عبر تبادل التجارب والخبرات بين الشباب، تخصيص ورشة حول كيفية التدبير والتمويل في العمل الجمعوي، تعزيز الزيارات الميدانية بين مراكز الأبحاث، وتأسيس دليل خاص حول هذه الزيارات.
وفي المداخلة الثالثة، سلط حوسا أزارو بصفته الكاتب العام لمؤسسة روح أجدير الأطلس، الضوء على كرونولوجي المؤسسة وكيف انتقلت من الجمعية إلى المؤسسة وعلاقتها بخطاب أجدير 17 أكتوبر 2001.
واستهل مداخلته بفكرة جوهرية مفادها، مسألة التضفير بين الثقافي والعلمي، مبرزا أن أغلب مشاكل الجانب العلمي في الفعل الجمعوي تعود للثقافي. مما جعله يتساءل عن مدى إمكانية بناء المعقولية في الثقافة، والانتقال بهذه الأخيرة كضرورة إلى الثقافة كمنتوج مدني، وكمنتوج قادر على استحداث التغيير في المجالات الترابية. ومن خلال الاستعانة بتجربته داخل المؤسسة أشار إلى أن المزاوجة بين العلمي والثقافي، قادرة على خلق القدرة في ترسيخ الثقافة المحلية وبناء التنوع بكيفية مغايرة.
وبين أستاذ علم الاجتماع، أنه لا ينبغي للباحث أن يسعى لإنتاج المعرفة العلمية الخالصة بدون آثار مدني مجتمعي، بل هو ملزم بالمساهمة في إنتاج آليات الفعل المدني، ما يجعل رهان المراكز البحثية اليوم ليس فقط الوقوف عند حد التشبيك وتبادل التجارب والمعارف، ولكن تسهيل الولوجيات للأكبر عدد من الباحثين و المتخصصين الأكادميين في قضايا المجتمع.
وطرح مجموعة من المشاريع التي تكللت بالنجاح، كالمشروع الترافعي الإقليمي، والتجربة الناجحة للحصول على اللواء الأزرق للبحرية (ضاية) أكلمام أزكزا، كقيمة إيكولوجية مساعدة على جذب واستقطاب السياحة الخارجية، وكذلك إنشاء مكتبة ببيوغرافية متخصصة في الموضوعات التي تهم الشأن المحلي متنوعة بين المكتوب والسمعي البصري.
وخلص في نهاية مداخلته إلى فكرة مفادها أن المجتمع المدني بدون إحداث التغيير هو مجرد إديولوجية وأن مراكز البحث دون تسويق علمي يجعلها عاجزة على خلق الآثار، ما يجعله يحث على الاشتغال على كلا الجانبين، كمرتكز إقلاع ناجع وفعال لبناء التنمية المجتمعية.
وانتهت الجلسة الصباحية بمداخلة الأستاذة فاطمة ايكا، والتي كانت متسمة بطابع عملي تطبيقي، يتلاقى مع جل الأفكار المتداولة في المدخلات السابقة، وأوضحت من خلالها تجربة منصات ” لبرنامج جيل شباب تأثير و ريادة” حيث تستهدف هذه الأخيرة تكوين جيل من الطلب الباحثين، عبر ثلاثة مراحل، التكوين/المخرجات/ وما بعد المخرجات، وتستهدف في بشكل كبير المتخصصين في العلوم الاجتماعية.
وخصصّت الجلسة المسائية، إلى عرض تجارب مجموعة من الهيئات الفاعلية بالمجتمع المدني في الجهة، وتقديم أوراق إنجاز من جمعية الانطلاقة للتنمية والثقافة و البيئة بأفورار، وورقة ثانية لجمعية تأهيل الشباب في بني ملال. وعززت مدخلات الفاعلين الأفكار المتداولة في المؤتمر حول ضرورة التعاون بين الفاعل الأكاديمي والفاعل المدني والمحلي، للتحقيق العديد من المكاسب التنموية.
تعليقات الزوار ( 0 )