منذ تقاطرت الأخبار حول نية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعيين المغربي منصف السلاوي على رأس فريق البيت الأبيض لتطوير لقاح ضد فيروس كورونا، هناك بعض المغاربة يحاولون إفساد الفرحة والشعور بالافتخار على الآخرين بالقول بأن الدكتور السلاوي ليس مغربيا، بل أمريكيا. وزادوا إصرارا في التأكيد على ذلك، حينما قال اليوم إنه فخور بالقيام بذلك من أجل بلده، أي أمريكا.
بالنسبة لهم أن يقول ذلك أمام الرئيس ترامب، فهذا يعني أنه ليس مغربيا، وينبغي لنا ألا نتباهى بانتمائه لبلادنا وتقاسمنا الجنسية المغربية.
من قال لهم إن الدكتور السلاوي ليس مغربيا؟ هل أعلن في يوم من الأيام تخليه عن الجنسية المغربية؟ هل الحصول على جنسية بلد أجنبي يسقط الجنسية المغربية؟ وهل كانوا يظنون أنه سيتكلم على بلده الأصلي أمام الرئيس الأمريكي بعدما قام هذا الأخير بتعيينه على رأس فريق أمريكي لتطوير اللقاح؟ لماذا جلد الذات هكذا ومحاولة التقليل دائما من أهمية انتماء أي نابغة مغربي ينجح في الخارج؟
كل من يخوض في هذا النقاش يتناسى القول إن الدكتور السلاوي، ولد وترعرع ودرس في المغرب حتى حصل على شهادة الباكالوريا. هذا يعني أن أهم أيام في حياته، أي السنوات التي تتكون فيها شخصية الإنسان ويحصل على التكوين المعرفي والذهني الذي يشكل قاعدة معرفته في المستقبل، قد تلقاها في المغرب. وأخذا في عين الاعتبار أن الدكتور السلاوي من مواليد 1960 وأنه تقلى تعليمه في المدرسة العمومية المغربية وما أدراك ما المدرسة المغربية آنذاك، يعني أنه حصل على أبجديات المعرفة في الرياضيات والكيمياء والفيزياء ومواد أخرى، في المغرب. وهذه المواد بفضل جودة التعليم التي كانت سائدة في المغرب آنذاك، هي التي ستشكل في السنوات اللاحقة من المسار الأكاديمي للدكتور السلاوي الأساس الذي اعتمد عليه لتطوير عبقريته. فهو لم يتلق تعليمه الأولي ولا الاعدادي في بلجيكا أو أمريكا، بل في المغرب، وحينما انتقل لاستكمال دراسته العليا في بلجيكا، فقد كان جاهزا، بفضل المستوى التعليمي للمغاربة آنذاك- للنبوغ والتفوق على زملائه من جنسيات مختلفة.
ولنا أمثلة كثيرة على ذلك مثل الدكتور السلاوي، الذين استفادوا من نفس المستوى التعليمي في المغرب ليسطع نجمهم في المعالي في الخارج، على رأسهم العالمين رشيد اليزمي وكمال الودغيري وعالمة الفلك الدكتورة مريم شديد والدكتورة سارة بلال والدكتورة لطيفة الودغيري وآخرون.
ولا أحد من هؤلاء المغاربة الأبرار الذين شرفوا المغرب عاليا تنكر في يوم من الأيام لوطنه الأم!
صحيح أنهم يحملون كذلك جنسيات أخرى، ولكنهم يظلون كذلك مغاربة، وفخورين بمغربيتهم على الرغم من أن وطنهم لم يمنحهم الظروف المواتية للنجاح والذهاب بعيداً في مجالات اختصاصهم.
ولكن، هل علينا أن نحقد على بلدنا وأن نقلل من شأنها فقط لأنها لم توفر لنا الظروف المواتية لتحقيق الذات وأنها تعاملت بجحود ولا مبالاة؟
بالطبع لا.
وأنا على يقين بأن كل من الدكتور السلاوي والدكتور اليزمي والدكتور الودغيري يحبون وطنهم المغرب ولن يبخلوا عن القيام بأي شيء إذ طلب منهم ذلك. ولعل خير ذلك بالنسبة للدكتور السلاوي، أنه لم يتوان في إتاحة نفسه لإعطاء تصريحات للقنوات المغربية من أجل رفع المغاربة حول خطورة اللقاح.
وكل من يعرف هذا العالم يقول إنه شخص خلوق ومتواضع، وليس لدي ولو ذرة من الشك أنه فخور بانتمائه لبلده وأن المغرب لا يفارق وجدانه. فحينما يصل إنسان ما لهذا النوع من النجاح والمعرفة، فمن النادر أن يصيبه الغرور أو يتنكر لجدوره. ولو فرضنا أن بعد انتهاء مهمته في البيت الأبيض قرر الملك محمد السادس لقيادته مبادرة علمية ما، هل ستظنون أنه سيرفض هذا العرض، وهل ستظنون أنه سيقول أمام الصحافة حينئذ أنه سيخدم بلد آخر غير المغرب؟
من المؤكد في هذا السيناريو أنه سيستعمل نفس العبارات التي استعملها اليوم أمام الرئيس ترامب، وربما بحرارة أكبر.
فنحن حينما نقول إن الدكتور السلاوي ليس مغربياً، فإننا نعطي لأنفسنا الفرصة والحق للحديث باسمه، وحينما ندعي أنه ليس مغربياً، فإننا نستعمل كلاماً فيه تجريح لعائلته الكبيرة والصغيرة المتواجدة في المغرب ونحرمها من حق الافتخار بأن واحدا من فلذات كبدها رفع شأنها وشأن بلدها في العالم. فهل أخذ أي من الذين يقولون إن الدكتور السلاوي ليس مغربيا الإذن منه أو من أحد من أفراد عائلته ليقول باسمهم بأنه ليس مغربيا؟
وحتى لغويا، فإنه من الخطأ القول بأن الدكتور السلاوي أمريكيا من أصول مغربية، لسبب بسيط هو أن هذا الأخير ليس من مواليد الولايات المتحدة الأمريكية، ولا يعتبر من الجيل الثاني أو الثالث أو الرابع من الأمريكيين ذوي الأصول المغربية، بل ولد في المغرب وترعرع فيه.
وإذا قلنا إن الدكتور السلاوي، مفخرة المغرب، ليس مغربيا، فماذا عن عشرات اللاعبين من الجيل الثاني والثالث الذين ولدوا في العديد من البلدان الأوروبية- وفي بعض الأحيان يكون أحد آبائهم من أصول أوروبية- ويلعبون في صفوف المنتخب الوطني؟
لماذا لا نقول بأنهم ليسوا مغاربة ونكون في الصفوف الأمامية من مشجعي المنتخب ونفرح حينما يحققوا نتيجة إيجابية ونحس بالحسرة حينما يفشلون في ذلك؟
ألم يكن الفريق الوطني الذي تأهل لنهائيات العالم بروسيا مكون في غالبيته من لاعبين ولدوا وترعرعوا في أوروبا ولا يتكلمون لا عربية ولا أمازيغية؟ لماذا نقول إذن إن هؤلاء مغاربة ونقول إن الدكتور الذي ولد وترعرع وتلقى تعليمه في المغرب ليس مغربياً؟
في أوقات مثل هذه، علينا أن نفتخر بما يحققه المغاربة في جميع أقطاب العالم، وعوض الخوض في خطاب عقيم مثل هذا، علينا دعوة من يهمهم الأمر في البلاد إلى استخلاص الدروس والعبر من جائحة كورونا ومن تعيين الدكتور السلاوي لإعادة الاعتبار للعلم والعلماء والباحثين والأطر التعليمية والطبية وللبحث العلمي في كافة المجالات ولكل القطاعات الإنتاجية التي بإمكانها الدفع بعجلة المغرب إلى الأمام في العقود القادمة، وإلى إشاعة ثقافة الاستحقاق والمحاسبة وعدم الإفلات من العقاب ومحاربة ومحاكمة كل الفاسدين والمفسدين والمتملقين الذين حالوا دون تحقيق بلدنا للتقدم والازدهار الذي يصبو له كل مغربي ومغربية.
كما علينا كشعب ومجتمع أن نضطلع بدورنا وألا ننتظر أن يأتي التغيير من عدم وأن نقطع مع ثقافة إعطاء الأهمية والتمجيد لكل مروجي التفاهات والخزعبلات في وسائط التواصل الاجتماعي ومع ثقافة المحسوبية والزبونية، وكذلك إعادة النظر في قيمنا وترتيب أوراقنا وتعليم أبناءنا أن المثل العليا التي ينبغي أن يقتدي بها كل مغربي هم أمثال الدكتور السلاوي والدكتور اليزمي والدكتور الودغيري وعشرات الآلاف من النوابغ المغاربة عوض إعطاء الأهمية للتافهين الذين يساهمون في تفشي الجهل والميوعة.
*مستشار سياسي مقيم في الولايات المتحدة، وخبير في السياسة الخارجية المغربية
جزاك الله خيرا