خلف انتشار جائحة “كورونا” نقاشا مجتمعيا هم جملة من القضايا التي كانت في الأمس القريب مصنفة في خانة الترف الفكري، والتي لا ينتبه لراهنيتها ولا لآنيتها الكثير من المسؤولين والفاعلين السياسيين، فما بالك بعموم المواطنين.
وإذا كانت مكونات التحالف الحكومي راضية على أدائها سواء في الشق المتعلق بالإجراءات والتدابير المُعلن عنها يوميا والتي يتبين في كثير من الأحيان عدم ملاءمتها للواقع، أو في الشق المتعلق بالمنهجية التواصلية المعتمدة من طرف الحكومة والتي نجحت في تحقيق إجماع المتتبعين وعموم المواطنات والمواطنين على جزء غير يسير منها.
ومن أجل التعرف على وجهة نظره بخصوص النقاش السياسي العمومي في “زمن كورونا”، وإقرار رئيس الحكومة بعدم توفره على تصور لمرحلة ما بعد الأزمة، نستضيف في هذا الحـوار الخاص أستاذ التعليم العالي والخبير الاقتصادي والفاعل السياسي، سمير بلفقيه، من أجل اطلاعنا على عناصر الحل التي يقترحها لتجاوز الأزمة بأقل تكلفة، وموقفه من مطلب تشكيل حكومة وحدة وطنية، وسيناريو تأجيل الانتخابات المقبلة.
فجرت جائحة “كورونا” نقاشا مجتمعيا غير مسبوق، من طرف فاعلين سياسيين، ومجتمعيين، ومتخصصين وخبراء في مجالات الصحة والاقتصاد والتعليم، حول حال ومآل المغرب والعالم في ظل تداعيات انتشار هذا الوباء، كيف تقرأ هذه الدينامية في النقاش العمومي؟
صحيح أن هذه الأزمة تبقى غير مسبوقة خصوصا على مستوى الحجر الصحي الذي فرضته غالبية دول العالم، إلا أنها شكلت سياقا إيجابيا خاصا أفرز اهتماما كبيرا بتدبير الشأن العام من طرف المواطن الذي ذكرتنا أزمة جائحة كورونا أنه معني بشكل مباشر بتطور وعصرنة كل القطاعات الاجتماعية والخدماتية في ظل المستوى الضعيف جدا فيما يتعلق بالاهتمام بالنقاش العمومي حول تدبير الشأن العام بشكل خاص، والاهتمام بالأداء الحزبي بشكل عام والذي من المفروض أن يشكل إطارا مهما للنقاش بحكم الأدوار المنوطة بالأحزاب في هذا الإطار.
لقد اقتنع الجميع على ضوء ما يترتب عن هذه الأزمة بحتمية المصير المشترك وهو ما شكل فرصة سانحة لإعادة تنشيط النقاش العمومي من طرف كل الفاعلين والمسؤولين وذلك بأساليب جديدة توفرها إيجابيات الثورة الرقمية، سواء تعلق الأمر بتدبير الأزمة أو بما سنكون عليه بعد مرور الجائحة.
في هذا السياق، أخد المواطن بزمام أموره بنفسه للتعبير عن رأيه والمساهمة في البناء المشترك للفعل من خلال الوسائط الاجتماعية الرقمية دون الحاجة لقوى وسيطة خصوصا الأحزاب والتي أضحت شبه متجاوزة على شاكلتها اليوم لتلعب دور الوساطة بين الحاكم والمحكوم.
– تصريحات رئيس الحكومة ووزير المالية تحديدا، تخلص إلى نتيجة واحدة وهي أن الحكومة لا تتوفر على سيناريوهات مضبوطة أو على الأقل تقريبية لمغرب ما بعد كورونا على مختلف المستويات الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتنموية، من وجهة نظرك، هل يتعلق الأمر بصراحة سياسية محمودة أم بارتجالية وفشل في قراءة استشرافية لمخرجات هذه الأزمة؟
قبل الإجابة على السؤال، هل تتوفر الحكومة أو كانت تتوفر على تصور لتدبير الأزمة الحالية خصوصا على ضوء الانتكاسة الإعلامية للحكومة خلال هذه الأزمة والمواقف المتضاربة والغير المستقرة لأعضائها ولاسيما رئيس الحكومة منذ بداية الأزمة؟ إذا كانت بلادنا قد نأت بنفسها عن الوضع الكارثي الذي تعرفه حاليا دول أخرى، فلأنه فُرِضَ الحجر الصحي إلى جانب حزمة من الإجراءات كخطوة استباقية ووقائية حفاظا على سلامة المواطنين تنفيذا لتعليمات جلالة الملك.
نحن نتحدث عن حكومة للتدبير الإجرائي اليومي بدون أي عمق استراتيجي، حكومة لا تتوفر على الحد الأدنى من الانسجام وهو أمر متفهم بحكم تركيبتها المكونة من ستة أحزاب في نسختها الأولى مع مزيج مهم من الوزراء التكنوقراط، حكومة لا أتصور بأن وزراؤها يتذكرون شيئا اسمه البرنامج الحكومي، فبالأحرى التوفر على تصور لما سيؤول عليه الأمر بعد مرور الجائحة.
لقد بات من شبه الثابت أن معظم الحكومات السابقة تشتغل فقط بنفس إجرائي يفتقر إلى أي بعد استراتيجي على المستوى المتوسط والبعيد المدى لعدة اعتبارات مرتبطة بطبيعة المنظومة الحزبية والسياسية ببلادنا ذات الصبغة العمودية.
على أي، فعالم ما بعد كورونا لن يكون شبيها بعالمنا اليوم أو بالأحرى لا يجب أن يكون شبيها له. إن الثورة الرقمية تفرض علينا جميعا تغييرات عميقة خصوصاعلى مستوى الفعل السياسي تُسَرِّعُ بالتدشين لجيل جديد من القوى الوسيطة، قادرة بمقاربات جديدة، على الإشراك الفعلي للمواطن في البناء المشترك للفعل كمحدد أساسي لانخراطه في ورش التنمية ببلادنا.
– ومن وجهة نظرك، كفاعل سياسي وخبير اقتصادي، ماهي عناصر الحل لتجاوز الأزمة بأقل تكلفة؟
كما بات واضحا للعالم، وفي انتظار إنتاج لقاح أو علاج لفيروس كورونا المستجد، فإننا لازلنا نجهل ولا نفهم عنه الكثير من المعلومات سواء على مستوى الانتشار أو على مستوى الاستمرار في التواجد بيننا، وهذا ما يحيلنا على سؤال ضرورة التعايش مع هذا الوباء في ظل الحديث المتزايد عن تاريخ رفع الحجر الصحي وعودة الحياة الاجتماعية والاقتصادية إلى طبيعتها العادية كليا أو تدريجيا مثلما بدأت في الإقدام عليه بعض دول العالم خصوصا بأوروبا.
في المقابل، لا يمكن وليس بوسعنا الاستمرار في شل وتوقيف الجانب الأعظم من الحركة الاقتصادية ببلادنا خصوصا بعد الركود التاريخي الذي سيعرفه قطاع السياحة والملاحة الجوية والنقل وكل ما يرتكز عليه اقتصاد يعتمد على الاستهلاك والطلب. للتذكير فقط، فإن أكثر من 130000 شركة أوقفت نشاطها الاقتصادي مؤخرا.
في تقديري، تشكل أزمة كورونا الحالية فرصة مثالية وتاريخية للمغرب من أجل تصحيح محددات نموذج النمو الاقتصادي ببلادنا، الذي يجب أن يتناغم مع ما تفرضه الثورة الرقمية والذكاء الصناعي والتحول الطاقي والبيئي، وكذلك إعادة النظر في سياسة الدولة فيما يتعلق بمكانتها في القطاعات الاجتماعية وخصوصا التعليم والصحة.
– من المؤكد أنك تتابع مواقف بعض الفاعلين السياسيين بخصوص راهنية تشكيل حكومة وحدة وطنية من عدمه، هل أنت مع هذا المطلب في الظرف الحالي؟
واهم من يعتقد أن القوى الوسيطة من أحزاب ونقابات على شاكلتها اليوم ستستمر في الاشتغال دون تحديث أدوات اشتغالها في ظل ما تفرضه علينا الثورة الرقمية والتي دفعت بالمواطنين للنزوح إلى منصات التواصل الاجتماعي للتفاعل حول كل ما يتعلق بالعيش المشترك.
وعلى ما يبدو أن بعض الفاعلين الحزبيين لم يستوعبوا بعد أو لا يريدوا أن يستوعبوا هذا المتغير وهذا الوضع الجديد، ولهذا نرى البعض لا زال يفكر بطريقة تقليدانية تؤطرها فقط الهرولة نحو تقاسم المناصب في معزل تام عن دينامية المجتمع وما تفرضه المتغيرات الحالية.
إذن فأنا لست متفقا مع هذا الطرح لأن روح الوحدة والتضامن عند المغاربة ليست مقترنة وليست رهينة بتشكيل حكومة وحدة وطنية ولاسيما حكومة مشكلة من طرف بعض الفاعلين الحزبيين أضحوا متجاوزين كقوى وسيطة في رأي الأغلبية الساحقة للمغاربة.
– وبخصوص إمكانية تأجيل الانتخابات من عدمها؟
هذا الموضوع سابق لأوانه، فنحن لا زلنا في مرحلة مواجهة جائحة كورونا ومحاولة الخروج بأقل كلفة، إذن كان حريا على من يدعو إلى هذا الأمر وطرح هذا السؤال، إلى التفكير في إبداع وابتكار الحلول في هذا الإطار بدل الاهتمام بحسابات سياسية ضيقة.
تعليقات الزوار ( 0 )