أكد البروفسور أحمد بلحوس، أستاذ التعليم العالي بكلية الطب والصيدلة بالدارالبيضاء، ورئيس الجمعية المغربية للطب الشرعي في حواره مع جريدة “بناصا” أن الحجر الصحي هو أفضل وسيلة للحد من إنتشار جائحة فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19″، وأن هذا الفيروس مازال لم يبح بعد بجميع أسراه.
الحوار مع البروفيسور بلحوس تطرق إلى أشياء هامة تكتشفونها في نص الحوار…
ماهو تفسيرك بروفسور لارتفاع عدد حالات الإصابات رغم الإجراءات الإحترازية التي اتخذها المغرب؟
مرحبا، عادة ما يحدد علماء الأوبئة المراحل التي تمر منها كل جائحة، لأن الآن هذا الفيروس أصبح جائحة كما صنفته منظمة الصحة العالمية وباء عالميا، والوباء يمر عبر أربعة مراحل، المرحلة الأولى تكون فيها إصابات مستوردة، والمرحلة الثانية تشهد ارتفاع عدد المصابين، أي أن الفيروس يعرف انتشارا ملحوظا، والمرحلة الثالثة وهي المرحلة الخطيرة لأنه يكون فيها كم هائل من الإصابات تتجاوز البنية التحتية للمنظومة الصحية في كل بلد، أما المرحلة الرابعة فهي مرحلة عودة الوضع إلى ما كان عليه قبل انتشار الوباء.
ونحن الآن في المغرب نعيش في المرحلة الثانية من الوباء، وطبيعي أن يوجد إرتفاع في عدد الإصابات كما أن بلدنا اليوم أصبحت يعرف المزيد من عدد اختبارات التشخيص، وكلما ارتفعت اختبارات التشخيص ارتفعت معها عدد الإصابات.
ماهو تفسيرك بروفسور لما يسمى بالبرتوكول العلاجي؟
هناك نقاش الآن في الموضوع، والنقاش هو أن هذا الفيروس مازال لم يبح بجميع أسراره، ويمكن القول أنه لايوجد أي خبير متخصص في هذا الفيروس لأنه كل يوم تعطى معطيات جديدة وكل يوم تكون أبحات جديدة، وربما ما قوله في بداية شهر مارس سنغيره مثلا في آخر أبريل أو في بداية ماي، لأن هناك معطيات تتغير وتتجدد على حساب تطور معرفتنا بالفيروس.
واليوم يوجد نقاش ولا يوجد برتوكول علاجي عليه إجماع، ولكن في آخر المطاف نحتاج إلى برتوكول لأن إنتاج الدواء يحتاج إلى وقت ربما عدة اشهر أو عدة سنوات ليتوفر، لهذا نجرب الآن مايوجد في الساحة، وأحسن مايوجد الآن في الساحة هو دواء الكلوروكين.
والآن أمامنا مصابين، وأمامنا أوراح نخاف أن تزهق، وبيدينا سلاح وحيد وهو البروتوكول العلاجي الذي التجأت إليه دول عديدة من بينها بلدنا، وبالتالي أخلاقيا الطبيب السريري لابد له أن يعالج المريض بالوصفة التي توجد بين يديه، والتي هي هذا البرتوكول العلاجي رغم أن عليه عدد كبير من الملاحظات، ولكن أحسن ما يوجد الآن هو هذا البرتوكول العلاجي المتمثل في دواء الكلوروكين، وذلك في انتظار ابحات أخرى التي يمكن ان تجد دواء ناجعا، ولما لا لقاحا ناجعا.
ما هو التصور الأنجع لرفع الحجر الصحي؟ وهل يمكن رفعه بشكل تدريجي أم أن هناك قيود وحدود هذا الحجر خصوصا وأن وزير الصحة لمح إلى أنه يمكن أن يكون تمديد للحجر اصحي إللى ما بعد 20 أبريل؟
في ظل غياب دواء ناجع يقضي على جائحة فيروس كورونا المستجد، وفي غياب لقاح يعطينا مناعة لمحاربة هذا الفيروس، يبقى الدواء الأنجع الآن هو البقاء في المنازل والتزام بالحجر الصحي، وكل المؤشرات الآن تقول بأنه لازلنا لم نصل إلى مرحلة الذروة، أي لازلنا لم نصل بعد إلى أقصى نقطة في الهرم الخاص بالمنحنى الوبائي، ومادمنا لم نصل إلى مرحلة الذروة، ومازال انتشار الفيروس يهددنا فمن الحكمة والعقل أن يستمر هذا الحجر الصحي حتى نتمكن من عزل كل الحالات المصابة حتى لا تنتقل العدوى.
واذا كان ممكن رفع الحجر الصحي خصوصا أنه لا توجد لحد الساعة أي دراسة تحدد علميا اليوم الذي سنصل فيه إلى مرحلة الذروة بالضبط، فإنه يجب أن يكون رفعا جزئيا لأنه لم نتجاوز بعد مرحلة الخطورة ، وفي جميع الحالات أن نرفع أم لم يرفع لابد من الاستمرار في ارتداء الكمامات خارج المنازل لأنه بالنسبة لي أنا حامل للفيروس إلى أن يظهر العكس، وأنت حامل للفيروس إلى أن يظهر العكس، ولنساهم جميعا في حماية بعضنا البعض.
ما هي الحالات التي يجب أن تستثنى بعد رفع الحجر الصحي؟
وإذا رفع الحجر الصحي هناك بعض الأشخاص أكثر عرضة للخطر كالمسنيين والأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة، والأشخاص ذوو المناعة الضعيفة، هذه الفئة من الناس يجب أن تنعزل وتتوخى الحظر في أي خروج.
ونحن الآن في انتشار متصاعد للفيروس، ولا يمكن بين ليلة وضحاها أن نعود لحياتنا الطبيعية، بل لابد لنا من الاستمرار في الإجراءات الاحترازية، لأنها هي التي يمكن أن تحمينا من الانتشار السريع للفيروس.
هل يمكن أن نخرج الأطفال من المنازل لأن البعض يقول أن عدوى الفيروس لا تنتقل إلى الأطفال؟
هذا الفيروس لا يستثني أحدا لا كبار ولا صغار لا رجال ولا نساء، ويمكن لأي شخص أن تنتقل إليه العدوى، وخروج الأطفال إلى الشارع يشكل عليهم خطورة، لأن الفيروس لا يأتي إلى بيتك ولا يبحت عنك وإنما أنت الذي تبحت عنه وأنت الذي تذهب عنده، واذا أردنا أن نعرض أبنائنا للخطر نخرجهم من البيت.
اصبحنا نرى اليوم اشخاصا يرفضون مرافقة جنازة قريبهم المتوفي بكورونا خوفا من العدوى وهذه الأمور ربما في تقافتنا مرفوضة، فمن الناحية العلمية ماذا يقول العلم؟
العلم مازال لم يحط بعد بكل أسرار الفيروس، والشئ الذي يمكن أن أقوله هو أنه حتى لا تتحول وفياتنا إلى بؤر لنقل العدوى يجب اتخاذ تدبير وقائية وتعامل مع الجثة بحظر كبير، والشئ الذي يجب التأكد منه هو أنه بعد وضع الجثة في القبر نكون في أمان لأن الجثة دفت تحت الثراب، والثابت علميا وطبيا أن الجثة غير ناقلة للعدوى بإستثناء بعض الحالات مثل إيبولا ولها إجراءات خاصة.
وإذا اقتضى الحال أن تلقي العائلة أخر نظرة على جثة قريبها، فإنه يمنع على المسنيين والأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة أن يقتربوا منها، وبالنسبة للأشخاص الأخرين يجب أن يتركوا مسافة الأمان متر أو مترين بينهم وبين الجثة ويمنع منعا كليا لمس أو تقبيل الجثة.
ماذا يقول العلم في عملية الدفن والتشريح؟
الأشخاص الذين وافتهم المنية جراء إصابتهم بفيروس كورونا تعتبر وفاتهم وفاة طبيعية ولا يوجد أي اعتراض طبي شرعي على دفنهم بدون إجراء عملية التشريح على جتثهم، ولكن المشكل يقع في بعض الوفيات الجنائية المشكوك في سبب وفاتها.
في هذه الحالة يجب أخذ الحيطة والحذر، وإذا استطعنا بالفحص الخارجي وبالتحاليل السمومية أن نحدد سببب الوفاة هذا يكفي، ولكن اذا كان لا مفر من إجراء تشريح لأنه يجب تنوير الرأي العام والمحكمة يجب ان تعرف السبب الحقيقي للوفاة الذي لم نصل إليه لا بالفحص الخارجي ولا بالتحاليل السمومية، ممكن أنذاك أن نجري تشريحا على الجثة، ولكن يجب أن تتوفر في قاعة التشريح وسائل الوقاية؛ منشار لا ينقل الغبار و درجة تهوية محددة وهذا له لا يتوفر، ولكن رغم ذلك يمكن القول بأنه يمكن لطبيب واحد فقط أن يقوم بعملية التشريح، ويجب أن يكون حذرا عند فتح صدر الجثة والبطن وخصوصا عند فتح الرئتين لأنه يمكن أن يكون فيها خزان كبير من الفيروس ويلتقطه من خلال عملية التشريح ان لم يكن قد اتخذ التدابير الوقائية التي تحميه من العدوى.
أما بالنسبة لتغسيل الميت فإننا وفي إطار التدابير الوقائية وفي غياب معدات وقائية في مستودع الأموات وفي مصالح الطب الشرعي وفي قاعات الوفيات داخل المستشفيات، أوصينا كجمعية مغربية للطب الشرعي بعدم تغسيلهم مؤقتا، وهذا الرأي يمكن أن يتغير حسب المعطيات الجديدة الخاصة بالفيروس.
أما بالنسبة لنقل الجثة فيجب أن يكون وفق الإجراءات الاحترازية مع تزويد سيارة الإسعاف وسائقها بوسائل الوقاية، والذفن يجب أن يحضره عدد محدد من عائلة المتوفي مع استثناء المسنيين والأطفال.
لماذا لا تظهر أعراض الفيروس مباشر بعد الإصابة به؟
الفيروس ليس قاتل مائة في المائة، ولكن خطورته تكمن في الانتشار السريع لأنه قد يصيب الإنسان وقد لا تظهر عليه أية أعراض وفي فترة عدم ظهور الأعراض قد يكون معدي، ويمكن أن يكون شخص حامل للفيروس ولكن لا تظهر عليه أعراضه ،ونسميها فترة حضانة الفيروس، التي تبدأ من يومين إلى أربعة عشرة يوما، ولهذا نقوم بعزل الناس لمدة أسبوعين.
هل يجب فصل الأمهات للواتي يحملن الفيروس عن أبنائهن الرضع؟
لا توجد دراسة علمية حديثة تثبت بأنه يمكن أن ينتقل الفيروس إلى حليب الأم أو إلى رضيع، ولكن الأم المرضعة قبل الإرضاع يجب أن تأخذ جميع التدابير الوقائية مع عدم تقبيل الرضيع لكي لا تنتقل إليه العدوى.
كيف نحافظ على الصحة النفسية خلال فترة الحجر الصحي؟
طبيعي أن يشعر الإنسان بالخوف، وهو الخوف يكون إيجابيا لأنه خوف خفيف يدفعنا إلى اتخاد تدابير الوقاية التي تحمينا وتحمي عائلتنا ومحيطينا، ولكن السيئ في هذا الخوف هو أن يتحول إلى هاجس أو إلى هلع، وينصح أطباء الطب النفسي هذه المرحلة التركيز على الأمور الإيجابية وتفادي الأمور السلبية.
هل المناعة الجيدة تحمي من الإصابة بالعدوى من فيروس كورونا؟
لا، يمكن أن يصاب أي شخص بالفيروس، ورأينا وفاة طفلة رضيعة جراء إصابتها بالفيروس ولتكون المناعة قوية ينصح أن نتبع تغذية متوازنة سليمة، ونتجنب ما أمكن المعلبات والأغذية المصنعة والرجوع إلى ماهو طبيعي أكثر مع ممارسة الرياضة.
بحلول فصل الصيف هل سينتهي الوباء لأن هناك من يقول أن إرتفاع درجة الحرارة تقضي على الوباء؟
لحد الأن توجد أبحاث قليلة جدا تقول بان ارتفاعا في درجة الحرارة يقضي على فيروس كورونا المستجد، ولكن الشيء المعول عليه لأن للحد من انتشار الفيروس والقضاء عليه هو سلوكنا، ونتمنى أن يتحول هذا الوباء إلى مرض موسمي يأتي فقط في فصل الشتاء أو في فصل الخريف أي أن يأتي فقط في المواسم الباردة.
كيف يمكننا أن نفحص جهاز مناعتنا؟
الأشخاص الذين تكون مناعتهم ضعيفة يعانون من أمراض مثل الأمراض المزمنة أو أورام خبيثة، أمراض المناعة الذاتية، وهذه الأمراض كلها تكون لها أعراض، والأصل هو أن الإنسان الذي لا يعاني من هذه الأمراض مناعته تكون عادية.
وتحاليل جهاز المناعة مكلفة جدا، ولكن يمكن إجراءها على عدد كبير من المرضى، لأن الجهاز المناعي يفترض أن يكون صحيا وعاديا إلا أثناء وجود مرض وراثي أو مكتسب يؤدي إلى نقص في المناعة.
هل الشخص الذي يمارس الرياضة وتكون مناعته مناعة قوية يمكن أن يموت جراء إصابته بالفيروس؟
الآن يوجد وباء وأي شئ يحدث نرجع سببه إلى الوباء، وإذا مات رياضي يجب أن نرى تاريخه المرضي، ويجب كذلك أن نفكر في الأسباب الأخرى للوفاة عند الرياضيين. قبل أن نرجع سبب الوفاة إلى وباء كورونا.
ماهي قدرة البروبوليس التي نصح به الدكتور الفايد على علاج وباء كورونا؟
أي نتيجة لم تحترم المنهج العلمي ولم تفرز عن بحث علمي، فهي نتيجة سهل الطعن فيها، وأي علاج يجب أن يثبت علميا ويجرب على الحيونات وعلى الإنسان ويحترم جميع المناهج العلمية، عندها يمكن القول بأن هذا الأمر صحيح أو غير صحيح.
ماذا يمكن أن يستفيد المغرب من جائحة كورونا في المستقبل بخصوص المنظومة الصحية؟
الصحة قبل هذا الوباء لم نكن نعطيها أهمية كبيرة وهذا الفيروس أعدنا إلى الإهتمام بالمنظومة الصحية ولنعطي قيمة ليس فقط لصحة الإنسان، ولكن حتى لتربية وتعليم الإنسان المغربي، والآن آن الأوان لنعطي أهمية كبيرة للقطاعات الاستراتيجية؛ التربية والتعليم والصحة.
ولكي نعطي لقطاع الصحة أولوياته يجب أن نعطي للأطر الصحية بجميع فئاتهم المكانة التي يستحقونها في المجتمع، لأنه مع الأسف الشديد تغيرت نماذجا وأصبحت شيئا أخر تبين الآن أنها لم تفد المجتمع، لذلك وجب الاهتمام بالنماذج التي تفيد المجتمع؛ أطباء، وعمال النظافة، وممرضين وكل الأشخاص الذين وقفت عليه البلاد اليوم والذين يوجدون في الصفوف الأمامية لمحاربة الفيروس، واذا لم نستفيد من دروس هذا الوباء سيفوتنا التاريخ.
وأتمنى بقلب صادق أن نرجع الأولويات للقطاعات التي تستحقها، ومن كان يظن بأن قطاع الصحة قطاع غير منتج لا فهو قطاع منتج وشأنه مثل قطاع تربية الإنسان لأنه يبني الإنسان، والإنسان هو الفاعل الأول في أي تغيير يرنو إليه الوطن.
تعليقات الزوار ( 0 )