إن الهدف من البلاغ هو أن يعم جميع من يهمهم الأمر برسالة واضحة، و يوصل إليهم معلومات شاملة، تجيب عن تساؤلاتهم المطروحة حالا أو الممكن طرحها استقبالا. و بالتالي فالبلاغ يجب أن يأتي نتيجة وخلاصة لنقاش مستفيض و لدراسة السيناريوهات المختلفة. كما يجب أن يستند على معطيات واقعية متكاملة تتجاوز التدبير القطاعي إلى التدبير المركب الذي يستحضر معطيات القطاعات الأخرى خاصة القطاع الصحي. ومعطيات من يطلب منهم تنفيذ مقتضياته من الأذرع الإدارية للوزارة جهويا و إقليميا و محليا، ولا يستثني الأطر التربوية الذين هم قطب رحى العملية التربوية التكوينية، والأسر وأبنائها الذي هم المستفيدون الفعليين من هذه الخدمة العمومية.
و بما أن البلاغ حاول أن يوهم من يتلقاه باحترامه لهذه القواعد، واستحضار هذا الواقع المركب، مؤكدا على أنه جاء في إطار “المقاربة الاستباقية” و أنه يمتح من “مخطط متكامل” حسب لغة البلاغ.
فواجب إذن الوقوف عل حقيقة المقاربة الاستباقية، وعلى حقيقة التخطيط المتكامل الذي تدعيه الوزارة، وإن كانت ردود الفعل التي أثارها البيان إلى حد الساعة، تعبر عن نتيجة عكسية لما رامه في الأصل من أهداف، فعوض رفع القلق و الحيرة عن الأطر التربوية و الأسر والمتعلمين لم نرى إلا مزيد من القلق والحيرة الشديدين، وعوض التوضيح لم يزد البلاغ الوضع إلا غموضا، و بدلا من حل المشكلات خلق البلاغ مشاكل جديدة.
إن قراءة بسيطة لمخرجات ما وسم بأنه تخطيط استباقي ومتكامل للوزارة الوصية تبين بما لا يدع مجالا للشك أن الوزارة و مخطيطيها سادرون في الغفلة ذاهلين عن واقعهم، يخبطون خبط عشواء. وأن القرارات هي قرارات آخر لحظة، وأن ما يسمى بمخطط متكامل محض خيال وإدعاء، وأن الكفاءة مفقودة فيمن يصدرون مثل هذه القرارات المرتجفة.
و عودة للبلاغ الذي يقصد إحاطة علم كافة التلاميذ، و نساء ورجال التربية والتكوين، والأسر بما قررت الوزارة اعتماده خلال موسم 2020/2021. والذي نجده يضرب صفحا عن مقرر تنظيم السنة الدراسية حيث لم يشر إليه من قريب أو بعيد، ونحن نعلم أن المقرر الوزاري هو الضابط لايقاعات السنة الدراسية، ولم يخبرنا البلاغ عن مصيره.
ثم إن البلاغ في تلفيق واضح تحدث عن صيغتين للدراسة و الاستمرارية البيداغوجية؛
- الأولى هي: ” التعليم عن بعد” بين مزدوجتين، لأنه لحد الساعة لا نعرف له لونا و لا شكلا و لا رائحة.
- الثانية هي: “تعليم حضوري” بين مزدوجتين لن يكون إلا مهزلة خاصة إذا نظرنا إلى الشرط الذي قيده به البلاغ وهو رغبة الآباء مع ما يعنيه ذلك من تحميل التبعات للأسر، والشرط الثاني البروتكول الصحي ومقتضياته الذي هو في علم الغيب، فالبلاغ يقول :” ستقوم الوزارة بتوفير الظروف الملائمة وذلك من خلال تطبيق برتكول صحي” و التسويف لغة سائدة قبل أيام من الدخول الفعلي.
ثم إن توقيت تطبيق الصيغة المعتمدة مقيد زمنيا ببداية الموسم ، وهذا يفتحنا على تأويلات ما سيحصل أثناء الموسم والتي لا تخرج عن خمسة إحتمالات:
– تعميم التعليم عن بعد.
– الرجوع إلى التعليم الحضوري.
– المزاوجة بينهما.
– إلقاء كرة النار بيد المديريات الاقليمية والجهويات مع ما يعنيه ذلك من تخبط واضطراب.
– فشل السنة الدراسية و إعلان سنة بيضاء.
أما من نوادر وطرائف البلاغ التي تنسف وهم التخطيط المتكامل فخاتمته المصاغة بصيغة الأمر العسكري الصادر إلى الأطر التربوية والإدارية والأسر والفعاليات المجتمعة بالانخراط الفعال في جميع الاجراءات التي سيتم إتخاذها، و وجه الطرافة في الأمر هو كيف تنتظر انخراطا فعالا من جهات لم يتم أخذ رأيها بعين الاعتبار، فلم يتم إشراك الأطر التربوية والإدارية سواء عبر الهيئات الممثلين فيها داخل مؤسساتهم (مجالس التدبير ومجالس الأقسام والمجالس التربوية) أو عبر هيئاتهم النقابية، كما لم يتم أخذ رأي الأسر بعين الاعتبار فلم تجر دراسات ولا استشارات بأي شكل من الأشكال لسبر أراء الأسر حول قضية تهم مستقبل أبنائها، وأما فعاليات المجتمع فنتساءل عن أراء جمعيات الآباء و الأولياء، وعن مراكز الأبحاث التربوية، و الباحثين التربويين، و أطر التخطيط و التأطير التربوي، أما عن إشراك القطاعات الأخرى فحدث ولا حرج. فما موقف و زارة الصحة و التعليم العالي و الداخلية والجماعات الترابية وباقي القطاعات التي لها صلة من قريب أو بعيد بالشأن التعليمي؟
إن ما يمكن استخلاصه هو البعد التام لهذه القرارات عن الاستباقية وعن التخطيط المتكامل، وسيزداد الإنسان تحيرا لما تواجهه أسئلة متفرعة عن معضلة تدبير الدخول التربوي في بلادنا في هذه اللحظة من الزمن/الفعل والقرار المرتجل.
- ماهي الإجراءات والتدابير المتخذة في تدبير مالية الوزارة لملائمة الأوضاع المستجدة؟
- كيف ستدبر عمليات التسجيل وإعادة التسجيل؟ وهل سيتم إعفاء الأسر في وضعية صعبة من رسوم التسجيل؟
- ما مصير “مليون محفظة” وتوزيع الكتب المدرسية على المتعلمين؟
- كيف سيتم ردم الهوة الالكترونية بين مدن المغرب وقراه؟ و بين الأحياء الراقية لمدنه و أحياء الصفيح والقزدير و السكن “الاجتماعي جدا”
- 5- كيف سيتم التعليم عن بعد لمستويات ومواد دراسية لا يمكن فيها إلا التعليم الحضوري(الأولى والثانية إبتدائي مثلا) (الأشغال التطبيقية في بعض المؤسسات التكوينية)
6 – ماهي البرانم/المسطحات/ البرامج المصادق عليها من الوزارة والتي تكون ملزمة لجميع السادة الأساتذة و تمكنهم من تواصل فعال ومثمر مع تلاميذهم، و يمكن من خلالها التأكد من استفادة جميع المتعلمين من حصصهم كاملة، كما تمكن من تقييم مكتساباتهم عن بعد وتمكينهم من نقط منجزاتهم؟
7 – إلى أي حد يمكن إعتبار الدروس الرتيبة -التي تذاع في قنوات بكميات كبيرة وبجودة متدنية نظرا للتسرع في إنتاجها- تعليما عن بعد؟
8- ما مآلات إمتحانات الجهوي المؤجلة؟ وما تأثير التأجيل المتكرر على نفسية المتعلمين؟
9- كيف سيتم تكييف جداول حصص الأساتذة مع الوضع المستجد؟ وما هي المواكبة المقدمة للأساتذة المعاقدين الذين تم تعيينهم في مؤسساتهم التعيين الأول؟
10- – كيف سيتم تقييم عملية التحصيل الدراسي في هذا الصيغة المقترحة.
ليس المشكل في البداية لكن المشكل في كيف ستكون النهاية، وزارة التربية و مهندسيها و مخططي “المخططات المتكاملة ” فيها مهووسون بإعطاء الإنطلاقات ، لكن ليس مهما من يصفر صافرة البداية، المهم من يخطط للمارطون كله من بدايته إلى نهايته، من يسعف الضحايا؟ من يضمن تكافؤ الفرص؟ من يضبط جمهور المتفرجين؟ من يضمن سلامة المتسابقين؟ ليس المهم الأسماء؛ (حضوري /غيابي) و لكن المسميات.
خلاصة القول؛ في وزارة التربية الوطنية شخوص “سياسيون و تكنوقراط” ممسكون بزمام الأمور على مدار عقود يحركون المشهد من خلف، أدمنوا الفشل في حالة الرخاء، كيف ينتظر منهم النجاح في حالة الشدة ؟
كان الله لأبناء وبنات هذا الوطن في صحتهم وتعليمهم.
تعليقات الزوار ( 0 )