ظهرت حركة 20 فبراير كحراك اجتماعي واحتجاجي في إطار السياق الإقليمي الذي اندلعت فيه ثورات الربيع العربي في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن، فكان للصيرورة الطبيعية أن يظهر حراك اجتماعي في المغرب جمع أطيافا من مختلف التوجهات الفكرية والسياسية بالإضافة إلى الائتلافات الشبابية، واضعا بذلك نهاية نظرية ما يسمى بظاهرة (الاستثناء المغربي( ومتجاوزا بذلك جميع النخب السياسية والتقليدية من أحزاب وجمعيات ونقابات، ويحمل نفس المطالب التي كانت تشابه الحركات الاحتجاجية في الوطن العربي وإن لم ترفع سقف المطالب إلى حد إسقاط النظام كما حدث في كل من تونس ومصر ويرجع ذلك إلى براغماتية النظام السياسي المغربي، والى المرونة التي أبداها الملك محمد السادس حين ألقى خطاب 9 مارس، بالإضافة الى دستور 2011 الذي كان بمثابة المرجعية الأولى لبداية عهد جديد ليشكل قطيعة مع مرحلة الماضي.
لكن في المقابل بعد مرور عشر سنوات على نشأة حركة 20 فبراير، هنالك من يرى أن هذه الحركة لم تعد بذلك الزخم بمكان، بل إنها تراجعت وتلاشت في وسط المشهد السياسي المغربي بشكل سريع جدا، لحركة لطالما شكلت المرجعية الأولى في العمل النضالي مستظلا تحت سقفها جميع الائتلافات والتيارات الثورية بمختلف تلاوينها من: يسارية ويسارية راديكالية وإسلامية، في التعبير عن إقامة مجتمع ديمقراطي والنضال لأجل العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات أو مطالب تغيير جذرية إن صح التعبير.
إلا أنه قبل الحديث عن الأسباب التي أدت إلى تراجع حركة عشرين فبراير، فلا بد من الوقوف عند بعض المحطات التي من الضروري الوقوف عندها واستحضار بعض الأحداث التي ربما تشكل امتدادا تاريخيا لحركة 20 فبراير.
1: يرى الناشطون والذي أشرفوا على البناء التنظيمي لحركة 20 فبراير أنها تشكل امتدادا تاريخيا للعديد من الانتفاضات والحركات التي ظهرت في تاريخ المغرب السياسي المعاصر، كانتفاضة مارس 1965 وحركة يونيو 1981 وأحداث يناير 1984، فهي مباشرة بعد اندلاعها أثارت إشكالية الدولة والمجتمع وعلاقة السياسي بالميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كما أنها طرحت إشكالية التوزيع العادل للثروات وارتباط الدولة بالمؤسسات المالية العالمية، ويقول بوبكر الونخاري: أحد قيادات ائتلاف 20 فبراير البارزين: أن حركة 20 فبراير تتجاوز لحظة ميلادها وحضورها في الشارع إلى اكتساب قيمة الاستمرار في الزمن، فكثير مما يعيشه المغرب اليوم هو من تبعات وترتيبات تلك المرحلة.
ويضيف الونخاري: أن حركة 20 فبراير نجحت في تحقيق كثير من الأهداف التي خرج الشباب من أجلها للشارع، وأنها تجربة تستحق كثيرا من الإنصاف، كما أن القول بفشلها فيه كثير من التجني، فهي – حسب رأيه – أنها كسرت حاجز الخوف، وفتحت النقاش السياسي على مصراعيه وأرغمت الدولة على فتح الباب لما زعمت أنه إصلاح دستوري، لم تكن لتخوضه لولا حركة 20 فبراير.
أما مأمون الخلقي، وهو أيضا أحد قيادات الحركة البارزين فيقول: أن حركة 20 فبراير أعطت حيوية وفعالية للحقل السياسي المغربي ويقر مأمون بأن الحركة لم تنجح في تحقيق مطالب الشباب نظرا للسياق الدولي الذي ساهم في إفشال الحركة وغيره كما حدث في ليبيا ومصر وتونس واليمن، ويعترف مأمون خلقي بأن أحد الأسباب الرئيسية لتراجع الحركة وانحسار نفوذها في الحقل السياسي هو غياب الديمقراطية الداخلية بين المكونات السياسية داخل الحركة خاصة بين جماعة العدل والإحسان والتيارات اليسارية وعدم نجاحها في بلورة أرضية تأسيسية مشتركة، ويعزو مأمون سبب هذا إلى عدم تجربة القوى السياسية النضالية في المغرب في العمل النضالي بخلاف حركة كفاية في مصر الذين كانت لهم تجارب قوية وكذلك في تونس، حيث كان العمل النقابي قويا هناك، بالإضافة الى الدور الذي لعبه حزب العدالة والتنمية في اختطاف مطالب الحركة والالتفاف عليها.
ويرى الدكتور عمر الشرقاوي أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق بالمحمدية، أنه من الصعب الإقرار بفشل حركة 20 فبراير، فالتحولات السياسية والدستورية التي حدثت والمؤسسات المستحدثة دستوريا بعد 2011، كانت نتيجة هذا الحراك السياسي والاجتماعي.
2: طرحت حركة 20 فبراير وأثارت أزمة الثقة بين المجتمع والدولة المغربية، فكان من ضمن ما أثارته هو انتشار قيم الفردانية والتفكك الناجم عن انسداد أفاق المستقبل أمام طبقات كبيرة من المجتمع، وخاصة الشباب، بالإضافة إلى بروز نخب سياسية واقتصادية تحتكر ثروات البلاد والمجتمع وتفتقد للمشروعية التاريخية والاجتماعية، بالإضافة إلى أن حركة 20 فبراير شكلت بديلا ولعب دورا تمثيليا للعديد من الأطياف بدل الأدوار التي كانت تقوم بها بعض الأحزاب ومجمل قنوات الوساطة وتأطير المواطنين.
ويرى الدكتور إدريس العيساوي الباحث والمحلل السياسي أن حركة 20 فبراير فشلت بشكل ذريع وانتهت من المشهد السياسي المغربي، بعد أن خرجت من رحم الشعب، كما أنها – حسب رأيه – لم تنجح في تحقيق أهداف وتلبية طموحات العديد من شرائح المجتمع المغربي نظرا للتباينات السياسية والفكرية الموجودة داخل الحركة، كما أنه يرجع سبب ذلك بشكل مباشر إلى جماعة العدل والإحسان التي ركبت على الموجة من أجل تصفية حساباتها مع النظام الملكي، ثم انسحبت بشكل غريب، مما أدى إلى انحراف مسارها الطبيعي.
3: ويرى البعض أن التباين الفكري والسياسي بين الأطياف المشكلة للحركة كان من أبرز العوامل التي ساهمت في إضعاف الحركة وانحسار نفوذها، فالتباين الإيديولوجي حاضر بقوة، والصراع بين كل من الجناح الإسلامي )جماعة العدل والإحسان( والجناح اليساري الراديكالي ) النهج الديمقراطي( قديم منذ أيام الجامعات، ورغم أن الاصطفاف داخل الحركة ساهم في تقريب وجهات النظر نسبيا في مواجهة العدو المشترك: المخزن. إلا أنه سرعان ما تجدد الصراع مجددا بين التيارين.
4: كانت خارطة الطريق التي قدمها الملك محمد السادس في خطاب 9 مارس 2011، والتي تمثلت في تسريع العملية الدستورية وإسقاط حكومة عباس الفاسي وتنظيم انتخابات تشريعية سابقة لأوانها، وتشكيل لجنة المنوني، بمثابة بداية أفول نجم حركة عشرين فبراير كما يرى العديد من المتتبعين، حيث اعتبرها البعض بمثابة ضربة استباقية للحركة، واستجابة سريعة للعديد من شرائح المجتمع المغربي، قطعت الطريق على حركة 20 فبراير، ونزعت فتيل التوتر، كما كان للنظام السياسي المغربي قدرة كبيرة على مستوى الأداء التواصلي مع الطبقات السياسية والمجتمعية المغربية.
5: كما أن غياب قائد كاريزماتي تلتف حوله قيادة الحركة ويساهم في بناء وحدتها تنظيميا بخطاب موحد وملف مطلبي موحد، كرمز أو أيقونة رمزية على غرار قائد حراك الريف ناصر الزفزافي، ساهم أيضا في تشتت الحركة وهذا يرجع إلى ما تم ذكره سابقا إلى ظهور الإصطفافات والتباينات الإيديولوجية داخل الحركة.
وتبقى حركة 20 فبراير بعد مرور عشر سنوات على تأسيسها تثير الجدل في العديد من النقاشات السياسية والاجتماعية، بين من يراها كسرت حاجز الاستثناء المغربي وكشفت الوجه الحقيقي للوضع السياسي المغربي من دون مساحيق تجميل، وأن ما حدث بعد ذلك من الإنتفاضات الشعبية مثل حراك الريف وحراك جرادة ماهو إلا امتداد تاريخي وشعبي لهذه الحركة، وبين من يرى أنها فشلت وانحسر مدها داخل الحقل السياسي المغربي لكونها لم تتمكن من تلبية احتياجات شرائح عريضة من
تعليقات الزوار ( 0 )