بعد شبه قطيعة بين مسؤولي البلدين منذ عدة أشهر، عاد التواصل الرسمي مجددا بين الجزائر وفرنسا على مستوى وزارتي الخارجية، مع تساؤلات حول ما إذا كان ذلك سيحيي من جديد زيارة الرئيس الجزائري لباريس التي تم تأجيلها مرتين منذ بداية السنة.
وفي ظل تجدد الخلافات حول مسائل الذاكرة والقضايا المتعلقة بالمسائل السيادية والقضايا الإقليمية الراهنة في منطقة الساحل، تم عقد أشغال الدورة العاشرة للمشاورات السياسية الجزائرية الفرنسية في باريس، برئاسة لقاء لوناس مقرمان، الأمين العام لوزارة الخارجية، مناصفة مع نظيرته الفرنسية آن ماري ديكوت، الأمينة العامة لوزارة أوروبا والشؤون الخارجية.
وذكرت الخارجية الجزائرية أن هذه الدورة سمحت للطرفين بإجراء تقييم مرحلي استعدادا للاستحقاقات الثنائية المرتقبة، مع التركيز على الملفات ذات الأولوية في مجال التعاون الثنائي. كما تركّزت المحادثات حول القضايا الإقليمية والدولية الراهنة ذات الاهتمام المشترك.
وسبق لوزير الخارجية أحمد عطاف، بمناسبة الندوة الصحافية التي عقدها لعرض المبادرة الجزائرية في النيجر، أن أعلن في موضوع العلاقات الجزائرية الفرنسية، عن معاودة الاتصالات بين مسؤولي وزارتي الخارجية في البلدين على أعلى مستوى، لطرح كل المواضيع الثنائية، والتباحث حول الأزمات الإقليمية خاصة موضوع النيجر. ولم ينف بالمناسبة وجود تباينات كبيرة في النظر، لموضوع الساحل بين الجزائر وفرنسا، لكنه لم يشر إلى قطيعة بين البلدين.
وتعيد هذه الاتصالات إمكانية إحياء زيارة الرئيس الجزائري لفرنسا التي تم تأجيلها مرتين، بعد أن كانت مقررة شهر مايو، ثم أُجلت إلى ما بعد منتصف يونيو.
وفي حديثه الأخير لوسائل إعلام جزائرية، أكد الرئيس تبون أن زيارته المبرمجة لفرنسا ما زالت قائمة، معتبرا أن سبب تأجيلها يعود لعدم الاتفاق على الأجندة، إذ لا جدوى من أن تكون الزيارة رمزية فقط دون أن تتضمن تجسيد اتفاقيات بين الجانبين، وفق قوله.
وفي الأشهر الأخيرة، اتسمت العلاقات بالبرود في ظل الجدل الحاد في فرنسا حول إلغاء اتفاقية التنقل والهجرة لسنة 1968 التي تتيح امتيازات خاصة للمهاجرين الجزائريين، والضجيج الفرنسي الذي أثير بمناسبة اعتماد الجزائر مرسوما خاصا بالنشيد الوطني، يتضمن تلاوة كامل المقاطع بما فيها ذلك الذي يتوعد فرنسا بالحساب.
ورغم أن العلاقات بين البلدين بدأت بديناميكية قوية مع مطلع سنة 2023، إلا أنها كعادتها عرفت تقلبا سريعا في شهر فبراير، كان سببه قضية الناشطة السياسية أميرة بوراوي التي التحقت بفرنسا بعد خروجها من الحدود الجزائرية بطريقة غير قانونية، وهو ما أثار غضبا جزائريا عارما، تم على إثره استدعاء السفير الجزائري في باريس.
وعادت الأمور إلى نصابها من جديد بعد المكالمة الهاتفية بين الرئيسين عبد المجيد تبون وإيمانويل ماكرون خلال شهر مارس الماضي، والتي تقرر بعدها إعادة السفير الجزائري إلى باريس، والإبقاء على موعد الزيارة الذي أُعلن عنه دون تحديد تاريخ معين.
ولا تزال الكثير من القضايا عالقة بين البلدين، خاصة ما يتعلق بقضية الذاكرة الموكلة للجنة مشتركة من المؤرخين الجزائريين والفرنسيين، وقضايا التنقل بين البلدين، وترقية الاستثمارات، ومحاربة الهجرة غير الشرعية وتكوين الشباب والتعاون الأكاديمي وغير ذلك من الملفات التي وردت في “إعلان الجزائر من أجل شراكة متعددة”، الذي وقّع عليه الجانبان خلال زيارة ماكرون للجزائر في أغسطس الماضي.
من جانب آخر، يجري العمل على إنشاء بنك جزائري في فرنسا في سياق توجه حكومي لإنشاء شبكة فروع دولية للبنوك الجزائر في الدول التي بها جالية جزائرية كبيرة، أو تلك التي يمكن رفع الصادرات الجزائرية نحوها خاصة في الدول الإفريقية.
ووفق المسؤولين الجزائريين، فإن هناك طلبا أودع لدى السلطات الفرنسية المختصة من أجل إنشاء فرع للبنك الجزائري الدولي في باريس، في انتظار أن يجسد ذلك في الأشهر المقبلة.
ويستهدف إنشاء هذا البنك، استقطاب جزء من تحويلات الجزائريين المقيمين في فرنسا نحو الدورة البنكية الجزائرية، في ظل أن هذه الأموال التي تقدر سنويا بمليارات الدولارات تمتصها السوق الموازية للعملة، نظرا لعدم وجود قنوات بنكية ميسرة للتحويل.
وفي الأيام الأخيرة، افتُتح رسميا بالعاصمتين الموريتانية نواكشوط، والسنغالية دكار، بنكان جزائريان قام بتدشينهما وزيرا التجارة وترقية الصادرات، الطيب زيتوني، والمالية لعزيز الفايد.
(القدس العربي)
تعليقات الزوار ( 0 )