وكشف مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، المفتش العامّ الأسبق لما يسمى بـ”الأمن الوطني” التابع لجبهة البوليساريو، إن طرق الجزائر للباب الإيراني، بات أكثر من محتمل في الوقت الحالي، بالنظر إلى أسلوب “حرب الأنفاق والمخابئ التي اشتهرت به حديثا أذرع إيران في مناطق نفوذها، وخاصة في لبنان وفلسطين واليمن، التي يحارب فيها حلفاء إيران في مساحات ضيقة”.
وما يقويّ فرضية لجوء البوليساريو لطلب العون من إيران، حسب ولد سيدي مولود، هو أنه “لم يعد لديها ما تخسره وقد بات المغرب قاب قوسين أو أدنى من حسم النزاع لصالحه. وأن العامل السياسي لا يعيق هكذا مسعى، و إنما يشجع عليه. فالجزائر التي تتقاطع في سياستها الخارجية في كثير من القضايا مع إيران. تحتاج في هذه الظرفية الحساسة لحلفاء حتى و لو كانوا شياطين حمر”.
وقال مصطفى سلمى في مقال نشره على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، حمل عنوان: “بسبب اختلال توازن نزاع الصحراء هل ستلجأ الجزائر للخبرة الإيرانية لإعادة تأهيل البوليساريو؟”: “بعد مرور عام على أزمة الكركرات. يقف أطراف نزاع الصحراء على حصائد مكاسبهم وإخفاقاتهم فيها. فمنهم من يقرع طبول احتفاله بنصره و جني ثمار حكمته وجدية اشتغاله على كسب النزاع. ومنهم من لم يتعلم بعد من إخفاقاته وفشله على مدار نصف قرن، وما زال يقرع طبول حرب لم يربح منها غير مزيد من الخسائر على كافة الصعد”.
وأضاف القيادي السابق في البوليساريو، أن المراقب لا يحتاج عناء لاكتشاف الأريحية التي بات عليها المغرب، “ولعل من أبسطها أنه مر عام دون أن نسمع أو نرى وقفة احتجاجية ولا علما للبوليساريو في ما كان يسمى بقندهار أو الكيلومترات الفاصلة بين المعبر الحدودي المغربي والموريتاني، ويشهد به استقرار سوق الطماطم والجزر في نواكشوط عاصمة موريتانيا البعيدة عن الكركرات”.
أما البولساريو، يتابع مصطفى: “فبالإضافة لسوء تقديرها وتهورها الذي كلفها خسارة المنطقة العازلة، التي كانت تفصل المغرب عن عمقه الإفريقي، فقد أظهرت إدارتها لما بعد الكركرات أنها تفتقر لعقيدة عسكرية واضحة ومستقلة، وأنها لم تكن محتاطة لاحتمالية العودة للحرب التي أعلنتها ضد المغرب”.
ونبه إلى أنه تأكد أن البوليساريو “كانت تعيش خارج الزمن وعلى أوهام الماضي، والاتكالية التي تعودوا عليها لما كان العالم منقسم بسبب الحرب الباردة، وتتلقى الجبهة الدعم السخي المجاني: تسليحا و تدريبا، من نصفه الشرقي. فتسديد الفواتير كانت تتحمله كل من الجزائر وليبيا في زمن البحبوحة النفطية”.
واسترسل: “بينما جدد المغرب في خطاب المسيرة الأخير التزامه باتفاقية وقف إطلاق النار، والانخراط في التسوية السياسية التي تشرف عليها الأمم المتحدة، وتوجهه نحو مزيد من التنمية في الأقاليم الصحراوية الجنوبية، تصر البوليياريو على استمرار حالة التوتر وتهدد بتنشيط وتوسيع ساحة حربها المعلنة ضده منذ عام، رغم فشلها لحد الساعة في تحقيق أي هدف من أهداف تنصلها من اتفاقية وقف إطلاق النار”.
وأشار إلى أن الجزائر، بعد “فشل حربها الاقتصادية والديبلوماسية المعلنة والخفية ضد المغرب منذ اندلاع ـزمة الكركرات، وصدمة قرار مجلس الأمن الأخير، التي أكدت للجزائر والبوليساريو أن لا أحد في المجتمع الدولي يؤيد أطروحتهما، أو يدعم توجهاتهما نحو التصعيد. أصبح تدخل الجزائر المباشر في الحرب لصالح البوليساريو مكلف سياسيا (داخليا وخارجيا)، إضافة لكونه غير مضمون النتائج”.
وأردف ولد سيدي مولود، في المقال نفسه: “ولأنه من المستبعد أن تسلم الجزائر بالهزيمة أمام المغرب في الظروف العادية، وبالأحرى وهي تتخبط في الأزمات. فإنه ليس أمامها من خيار غير محاولة إعادة تأهيل البوليساريو عسكريا حتى تكون قادرة على الإخلال بالاستقرار في المغرب كما كان قبل سنة 1991”.
هذا التأهيل يحتاج من البوليساريو، حسب مصطفى ولد سيدي مولود، “أن تجري إصلاحات هيكلية جذرية على مستوى منظومتها العسكرية وتغير من استراتيجيتها القتالية التي اعتمدت في حربها الأولى، وثبت فشلها في الأشهر الأولى من إعلانها التنصل من اتفاقية وقف إطلاق، أمام السيطرة التامة لسلاح الجو المغربي على كامل أجواء الإقليم، واعتماده استراتيجية الحرب الاستباقية (تحييد الهدف قبل أن يشكل خطورة)”.
وذكر ولد سيدي مولود، أن الفترة الأخيرة، عرفت مؤشرات على “تغير في تفكير قيادة البوليساريو، وتوجهها نحو تحديث مؤسستها العسكرية وتشبيبها، والنأي بها عن التجاذبات السياسية، وصراعات أجنحة السلطة في المنظمة، ما يوحي بأنهم بصدد التهيؤ للحرب وتغيير أساليبهم القتالية والتوجه نحو استخدام التقنيات الحديثة”.
وأبرز أنه “لأول مرة منذ نشأتها قبل نصف قرن، تغلب البوليساريو عامل الكفاءة والخبرة على العامل السياسي في تعيينها لقائد الحرب، وقد ظل هذا المنصب على مدار نصف قرن حكرا على قبيلة الرقيبات الذين يشكلون الأغلبية في جيش الجبهة ومخيماتها. لكنهم مؤخرا عينوا محمد الوالي اعكيك من قبيلة ازركيين لأنه المتبقي الوحيد من قادة نواحي الحرب الأولى، ولأنه أمضى فترة ليست بالقصيرة مديرا لمخابرت الجبهة، وله دراية تامة بآليات التواصل والتنسيق مع العسكر الجزائري”.
المؤشر الثاني، حسب القادي الأسبق في الجبهة، “هو قفز غالي على عوامل التراتبية والأقدمية وحتى التجربة القتالية في تعييناته الأخيرة في المؤسسة العسكرية للبوليساريو، فلم يرق أي من قادة الفيالق الذين شاركوا في الحرب الأولى لقيادة نواحي. بل عين كل أركان نواحيه القتالية والتدريب من جيل الشباب المخضرم من خريجي المدارس العسكرية. وأغلبهم لم يشارك في معارك الحرب الأولى. وهذا يعني أن الجبهة قطعت مع أسلوب حربها القديم وتريد استحداث أساليب جديدة”.
واستطرد أن مجموعة قادة حرب البوليساريو الجديدة، تمتاز بـ”التكوين والانسجام فيما بينهما، وبينهم وبين القيادة العليا، وبالانضباط خلافا لقادة الحرب الأولى الذين كانوا أكثر استقلالية وأقل تكوينا وانضباطا وانسجاما”، مضيفاً: “المؤشر الثالث تمثل في تعيين المقربين من الجزائر الحاملين لجنسيتها في مواقع التنسيق والتعاون والإدارة والأمن العسكري، لضمان مرونة التواصل اليومي مع الجانب الجزائري”.
ولكي تبقى قوات البوليساريو شرق الحزام، وتستطيع تنفيذ هجمات ضد القواعد المغربية من جديد، يقول مصطفى سلمى “تحتاج أن تختبئ تحت الأرض وتتدرب وتألف أن تعيش تحت الأرض. وهو وضع عسكري مغاير تماما لما تعرفه قواتها”، مردفاً، أن “المناطق جنوب وادي تنافظ، حيث تبدأ منطقة تيرس بحكم الساقطة عسكريا (..) ولا تساعد طبيعة جغرافيتها على الاختباء”.
وواصل ولد سيدي مولود في التدوينة نفسها أن “تركيز البوليساريو سيكون على مناطق زمور من امهيريز، شمالا التي تشكل أوديتها الضيقة وغطاؤها النباتي وكثرة مرتفعاتها وقرب بعضها من الحزام الدفاعي بيئة مناسبة للاختباء وتشييد التحصينات. إضافة لاتصالها مع الأراضي الجزائرية وقربها من مراكز الإمداد”.
وبناء على ذلك، يقول مصطفى: “التكيف مع أسلوب حرب التحصينات والمخابئ يحتاج جهدا، ووقتا، وبالأخص خبرة لا تمتلكها حتى الجزائر الحليف والداعم الرئيسي للبوليساريو، لذلك أصبح طرق الباب الإيراني أكثر من محتمل، إذا ما أخذنا في الحسبان أن أسلوب حرب الأنفاق والمخابئ اشتهرت به حديثا أذرع إيران في مناطق نفوذها وخاصة في لبنان وفلسطين واليمن التي يحارب فيها حلفاء إيران في مساحات ضيقة، وفي مناطق تخضع لجميع أشكال المراقبة، تجعل درجة الخطر بها عالية، كما هو حال المناطق الصحراوية شرق الحزام بعد 13 نوفمبر”.
وأكد أن “ما يقوي فرضية لجوء البوليساريو لطلب العون من إيران، رغم ما فيه من مجازفة من احتمالية تصنيفها في لائحة الإرهاب، هو كون أنه لم يعد لديها ما تخسره وقد بات المغرب قاب قوسين أو أدنى من حسم النزاع لصالحه. وأن العامل السياسي لا يعيق هكذا مسعى، وإنما يشجع عليه”، حسب قوله.
واختتم ولد سيدي مولود بالقول، إن “الجزائر التي تتقاطع في سياستها الخارجية في كثير من القضايا مع إيران. تحتاج في هذه الظرفية الحساسة لحلفاء حتى و لو كانوا شياطين حمر. والمغرب محسوب على الحلف العربي المناهض لسلوكات إيران في المنطقة العربية. والعلاقات مقطوعة بينه وبينها منذ فترة. إضافة إلى التقارب المغربي الإسرائيلي الذي تسوق القيادة الجزائرية أن هدفه الإضرار بأمن و استقرار الجزائر”.
تعليقات الزوار ( 0 )